حذرت الدكتورة نجلاء ضبع الباحثةبمعهدالآثارالفرنسية والأستاذبمعهدالدراسات القبطية بالقاهرة، مما أسمته تأثير الأفكار التراثية السلفية على المؤرخين المسلمين، ومن ثم تناولهم للوقائع التاريخية، وذلك خلال بحث قدمته لمؤتمر التراث العربى المسيحى بكلية اللاهوت الإنجيلية.
وتوضح الباحثةبمعهدالآثارالفرنسية لـ"انفراد"، أن نقاشًا صحيًا يدور حاليًا في المجتمع المصري حول التحرر من أفكار ابن تيمية وابن جوزيه التى ينادى بها الباحثون فى مجالى الدين والفلسفة ولكنها كباحثةفى التاريخ ترى الأثر الواضح لتلك الأفكار على المؤرخين المسلمين ومن ثم على النصوص التاريخية التى وقعت بين أيدينا حاليًا.
حادثة واحدة وثلاث روايات تاريخية
ومن خلال دراسة حول مقتل أو استشهاد "الريس فهد" وهو فهد بن إبراهيم الرجل القبطى الذى عينه الخليفة الحاكم بأمر الله كاتبًا له وكاتمًا لسره، رأت التأثير الواضح للأفكار السلفية على تناول "الوقائع التاريخية فرواية الواقعة عند المقريزى المسلم تختلف عن روايتها عند ميخائيل أسقف تنيس القبطى ويحى بن سعيد الأنطاكى الملكانى حيث يمثل كل من هؤلاء الثلاثة أيديولوجية مختلفة.
تعتبر نجلاء أن العصر الفاطمى ن من أزهى العصور التى عاشها أهل الذمة تحت الحكم الإسلامى باستثناء فترة الحاكم بأمر اللهالذى عرف تاريخ الأقباط فى حكمه منحنى خطير وأغلقت فى عصره الكثير من الكنائس ومع ذلك فهومن أكثر الشخصيات التى اختلف حولها المؤرخون فبينما يصفه البعض بالطاغية سافك الدماء يراه البعض الخليفة المفترى عليه الإمام والمصلح.
تشير نجلاء إلى أن الحاكم بأمر الله قتل "برجوان" الذى رباه وكان يدير أموره كوزير، أقام بدلًا منه فهد بن إبراهيم الذى كان مساعدا لبرجوان عرفه الحاكم من كثره تردده على القصر يحمل الرسائل إلى الخليفة والأوامر.
المؤرخ القبطى اعتبر "الريس فهد" شهيدًا بينما المقريزى رآه ظالمًا
وفقًا لما قدمته نجلاء، تقول أن المؤرخ القبطى ميخائيل اسقف دينيس، كتب عن الواقعة من أيدولجيته الخاصة فقال أن الحاكم بأمر الله قتل فهد بعدما رفض الدخول فى الإسلام وأشغل فيه النار ثلاثة أيام ولم يحترق وبقيت يده اليمنى وكأن النار لم تقترب منها أبدًا معتبرًا أن ما حدث آية إذ كان يجزل العطايا للفقراء بتلك اليد.
أما المقريزى فقد تناول الواقعة من وجهة نظره وقال أن الحاكم بأمر الله بلغه ما تشكوه الناس من تظافر النصارى وغلبتهم على المملكة وتوازرهم، وأن فهد بن ابراهيم هو الذى يقوى نفوسهم، ويفوض أمر الأموال والدواوين إليهم، وأنه آفة على المسلمين وعدة للنصارى، فوقف أبو طاهر للحاكم ليلًا فى وقت طوافه فى الليل وبلغه ذلك، ثم قال: يا مولانا أن كنت تؤثر جمع الأموال وإعزاز الإسلام، فأرنى رأس فهد بن إبراهيم فى طشت"، وهكذا حتى قتل فهد بن إبراهيم، وهو ما يعلق عليه المقريزى بقوله "فقتل فهد فى ثامن جمادى الآخرة وضربت عنقه وكان له منذ نظر فى الرياسة خمس سنين وتسعة أشهر واثنى عشر يومًا وقتل العداس بعده بتسعة وعشرين يوم واستجيب دعاء كل منهم فى الآخرة وذهبا جميعًا ولا يظلم ربك أحدًا".
أما المؤرخ الثالث يحيى سعيد الأنطاكى وهو ملكانى، فقد اتبع نفس البناء السردى للرواية التى وضعها ميخائيل اسقف دينيس المؤرخ القبطى، فقد بنيت روايته على لقاء "الريس فهد" مع الحاكم بأمر الله، الذى رغبه فى ترك المسيحية والانضمام للدين الآخر حتى رفض الأخير فقتله دون أن يذكر تلك الوشاية التى دبرت ضده من آخرين مثلما ذكرها المقريزى.
تثبت نجلاء من خلال استعراض الروايات الثلاثة أن أيدولوجية المؤرخين وقناعاتهم الدينية تؤثر على الرواية التاريخية فرواية المقريزى تختلف كليًا عن رواية المؤرخ القبطى وتختلف أيضًا عن رواية المؤرخ الملكانى، الأمر الذى يدفعنا لإعادة النظر فى تلك القصص التاريخية مرة أخرى.