سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 26 أكتوبر 1925.. صدور العدد الأول من «روزاليوسف».. بفكرة فى محل حلوانى وتكاليف تعدت 12 جنيهاً

كانت السيدة «فاطمة اليوسف» تجلس فى محل حلوانى«كساب»، وتشغله الآن سينما «ديانا».. كان الوقت عصرًا، حسبما تؤكد فى مذكراتها، ومعها من أصدقائها«محمود عزى، أحمد حسن، إبراهيم خليل»، وحديثهم يدور حول الفن وقضاياه، وكانت هى ممثلة مسرحية وقتئذ.. تؤكد: «تطرق الحديث إلى حاجتنا الشديدة لصحافة فنية محترمة، ونقد فنى سليم يسهم فى النهوض بالحياة الفنية، ويقف فى وجه موجة المجلات التى تعيش على حساب الفن كالنباتات الطفيلية.. ولمع فى رأسى خاطر وقفت عنده برهة قصيرة، ثم قلت للزملاء بعد هذه البرهة من الصمت: لماذا لا أصدر مجلة فنية؟». تكشف رد فعل زملائها: «أخذوا يحملقون فيها مدهوشين، وكانت اللهجة التى تكلمت بها كافية لإقناعهم بأننى جادة، ولم يكن بيننا من له اتصال بالصحافة إلا إبراهيم خليل الذى كان يعمل فى جريدة«البلاغ»، ويصاهر صاحبها المرحوم عبدالقادر حمزة.. فسألته: كم يتكلف إصدار ثلاثة آلاف نسخة من مجلة«ملزمتين»على ورق أنيق؟.. أخرج ورقة وقلما وأجرى حسبة بسيطة، قال لى بعدها: 12 جنيهًا.. ثم أعمل قلمه فى الورقة مرة أخرى، وقال: «إذا بيعت النسخ كلها كان صافى الربح فى العدد الواحد خمسة جنيهات». تشجعت اليوسف: «بدا لى الأمر قريبا ممكنا، فالمبلغ ليس باهظا كما كنت أتوهم، والثرى الوحيد فينا هو أحمد حسن الذى كان يملك بضعة قراريط، يبيع منها كل حين قيراطا ينفق منه بسخاء، ويبدو فى مظهر الوجهاء، فهو يستطيع أن يمول العدد الأول إن صحت حسبة إبراهيم خليل».. طرحت على الزملاء سؤالا ثانيا: ماذا نسمى المجلة؟.تجيب: «توالت المقترحات بالأسماء الأدبية والعلمية والفكاهية، وللمرة الثانية فاجأتهم باقتراح غريب: لماذا لانسميها«روزاليوسف؟». تضيف: «كنت جادة فى الاقتراح أيضا، فهذا الاسم اشتهرت به وعرفه الناس، وهو اسم عزيز على، أحب أن أضعه على عمل كبير أقدمه إلى هؤلاء الناس الذين تعلقوا به، ومع أننى أرجح أن الزملاء جميعا لم يكونوا مقرين لهذا الاقتراح، إلا أنهم لم يجدوا بدا من الموافقة، وانفض المجلس وانصرفنا متفرقين.. وأغلب الظن أن كل واحد من الزملاء ترك الفكرة عند باب المحل، معتقدًا أنها لا تعدو بعض أحاديث المجالس، أما أنا فقضيت ليلتى ساهرة، منتبهة الأعصاب، تعصف بى المشاعر المتفاوتة وتخطف الآمال فى صدرى كالبروق.. ومع الصباح الباكر كنت فى مكتب إبراهيم خليل بجريدة«البلاغ»أملأ استمارة رسمية بطلب رخصة، ثم فى وزارة الداخلية لأقدم الاستمارة بنفسى بين الدهشة البالغة للموظفين، وفى نفس اليوم بدأت أتصل بأول المحررين الذين سيشتركون معى الصديق محمد التابعى.. كان التابعى موظفا فى مجلس النواب، ويكتب النقد الفنى لجريدة«الأهرام»وعلمت أنه فى الإسكندرية - وكان الوقت صيفا - فاتصلت به تليفونيا أدعوه للحضور للاشتراك فى تحرير مجلة«روزاليوسف».. لم يصدق، وأخذ يحاورنى ويظننى أسخر منه أو أدبر له مقلبا، ولكنه لم يجد آخر الأمر بدا من أن يحضر إلى القاهرة ويشهد بعينه». تضيف«اليوسف»: «لم أنتظر حتى أتلقى الترخيص من وزارة الداخلية، فأسرعت أذيع فى الصحف نبأ صدور المجلة، واستدعانى محمد بك مسعود مدير المطبوعات ليحاسبنى على هذا التصرف، فقلت له: إننى غير مسؤولة عن تلكؤ الوزارة فى منح التراخيص، وتلقيت الترخيص فى خلال أسبوع.. كنت أسكن فى شارع«جلال»بيتا يملكه المرحوم الشاعر أحمد شوقى وفى شقة مرتفعة، فقررت اتخاذها مقرا مؤقتا.. وكان معنى ذلك أن كل من يشترك فى تحرير المجلة عليه أن يصعد 95 درجة من درجات السلم الطويل قبل أن يصل إلى الإدارة». تؤكد: «بدأنا نعمل لإصدار الأول بكل ما فى أجسادنا وأعصابنا من قوة.. حتى انطلق الباعة ذات صباح«26 أكتوبر، مثل هذا اليوم 1925»، يصيحون: «روزاليوسف.. روزاليوسف».. تؤكد: «بصدور العدد الأول أصبحت المجلة حقيقة واقعة.. أصبحت كائنًا حيًا أحرص عليه، وأقسم على أن يعيش وينمو بأى ثمن.. وكانت المشاكل التى قفزت أمامى بعد العدد الأول أكبر جدًا مما توقعت.. تبين أن الحسبة التى رسمها لنا إبراهيم خليل كانت كالبلاغات الرسمية لا أساس لها من الصحة.. والتكاليف تعدت الإثنى عشر جنيها بكثير.. ثم تبين أن المتعهد لايرد ثمن بيع المجلة إلا بعد أن يتسلم العدد التالى.. وكنا فى نفس الوقت محتاجين إلى هذا الثمن لكى نصدر العدد الثانى، بعد أن أنفقنا على العدد الأول كل مانملك.. وبدا الموقف أول الأمر مشكلة لاتقبل الحل، حتى نبتت فكرة توزيع اشتراكات.. وطبعنا الدفاتر بسرعة، وبدأنا التوزيع وكنا نصطدم فى توزيع الاشتراكات بمصاعب لا تقدر، فمن الناس من كان يرفض الاشتراك فى مجلة فنية، ومنهم من كان لايصدق أنها ستوالى الصدور ولن تغلق أبوابها بعد عددين أو ثلاثة.. وأذكر الآن بين من عاوننى فى توزيع الاشتراكات الدكتور محمد صلاح الدين، والممثل الكبير الأستاذ زكى رستم - ولم يكن اشتغل بالتمثيل بعد.. والآنسة أم كلثوم دفعت اشتراكًا وأخذت بقية الدفتر لتقوم بتوزيعه على أصدقائها».



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;