دير سانت كاترين.. أديان السماء تلتقى فى قلب جبال سيناء.. كنيسة ومسجد وجبل مقدس داخل أقدم دير للعبادة فى العالم.. هنا خلع موسى نعليه وكلمه الله تحت شجرته وبعدها أقيمت كنيسة «التجلى»

-داخله يتعانق الصليب والهلال تأكيداً على التسامح عندما تظهر اللافتات المكتوب عليها «دير سانت كاترين»، يضيق الطريق أمام مرتاديه، وهم يتجهون نحو قمم الجبال المرتفعة، مسافة ليست بالبعيدة حتى تلوح فى الأفق أسوار حصن منيع، لتشير بقرب بوابة «أقدم دير للعبادة فى العالم» على أرض سيناء المقدسة، والذى يأتى له الحجاج المسيحيون من كل أنحاء العالم، ويحن إلى بقعته المقدسة المسلمون قاطبة. قبل أسوار الدير تستقبلك أشجار الزيتون المعمرة، شاهدة على تاريخ الدير المقدس، لتتوقف العربات وتبدأ الوفود فى النزول إلى الأرض الصخرية يعلوها الرمال، ويقف الجميع أمام بوابة حديدية صغيرة لا تتسع إلا لفرد واحد لونها يميل إلى الأخضر، إنها «بوابة الأسرار» التى يقبع خلفها الوادى المقدس، حيث ناجى موسى ربه وتلقى الوصايا العشر. الدير المحفور فى قلب الجبال ويقع تحت قمة «كاترين» أعلى قمة فى الشرق الأوسط، له طابع معمارى خاص، وله رهبة روحانية ليس لها مثيل، فمنذ أن تطأ قدمك أرض الدير الحجرية تشعر أنك انتقلت إلى عصر آخر، وتخوض فى غمار قصة نبوية لازالت آثارها موجودة فى كل بقعة على تلك الأرض الطاهرة، هذا بخلاف الروايات عن تاريخ الدير على مر العصور والتى امتزجت فيها الحقيقة بالأساطير. من البوابة الرئيسية إلى «الكنيسة الكبرى» والتى تضم أقدم أيقونة للعذراء مريم، وهدايا أخرى قيمة أرسلها ملوك وأمراء مسيحيون على مر القرون من بينها ثريات من الفضة الخالصة، وقطع فنية من حضارات متعددة، فسيفساء عربية وأيقونات روسية ويونانية وجورجية ولوحات جدارية زيتية. خلال تفقدك للوحات التى تحكى قصة سيدنا عيسى وسيدنا موسى، يقطع جولتك صوت فى الخلف لمن يروى قصصًا عن تاريخ بناء الدير، والذى يعود إلى مطلع القرن الرابع للميلاد، حيث كان هذا المكان المقدس حماية للذين فروا من الاضطهاد فى أعقاب انهيار مملكة الأنباط بفعل صراعها مع الإمبراطورية الرومانية مطلع القرن الثانى للميلاد، ومع مرور الزمن تحولت تلك البقعة التى احتضنت الأنبياء قديما، مقرًا رئيسًا لحماية المستضعفين، حتى بلغت حكايات هؤلاء الرهبان والمتعبدين إلى مسامع الإمبراطورة «هيلانة» والدة الإمبراطور الرومانى «قسطنطين»، والتى أمرت مع بدايات القرن الرابع للميلاد، بتشييد «كنيسة العليقة»، وبعد ذلك بـ200 عام، بنى «جوستنيان» الإمبراطور الرومانى، «الكنيسة الكبرى وشيّد سورًا عظيمًا ليكون حصنًا للدير ورهبانه وممتلكاته من هجمات البدو المجاورين. الدير اتخذ اسمه فى القرن السادس الميلادى نسبة للفتاة كاترينا، التى قتلها الإمبراطور مكسيمانوس لرفضها العودة للوثنية، وتوجد بقايا رفاتها داخل صندوقين من الفضة أحدهما للجمجمة، والآخر لليد اليسرى». هنا لا يمكنك أن تخرج من الكنيسة دون التوقف أمام رفوف الشمع الذى تم تصنيعه داخل الدير من زيت الزيتون الطبيعى، لتقوم بإشعالها ووضعها على الطاولة، البعض يشعلها للتبرك بالسيدة العذراء وآخرون يبغون قضاء حاجة من حوائج الدنيا، وقبل أن أقوم بإشعال الشمعة همس أحد المتواجدين فى الدير وقال «الورق فى الجانب الآخر، اكتب أمنيتك قبل إشعال الشمعة، والقى بالورقة عند العليقة، لعل الله يتقبل». وعندما تخرج من الكنيسة تتجه نحو اليمين إلى طريق طويل فى نهايته الشجرة المقدسة، والتى يقف حولها الزائرون يقطعون بعضا من أوراقها للاحتفاظ بها تبركا، ويضعون أمنياتهم فى الفواصل الدقيقة بين الأحجار التى تشكل جدارا حول جذعها، تم بناؤه لحماية الشجرة التى لا توجد فى أى مكان حول العالم إلا فى دير سانت كاترين. وما أن تصل إلى العليقة حتى تبهرك فروعها الخضراء المتدلية حتى الأرض، وتبدأ تتذكر آيات القرآن الكريم فى سورة طه، «إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّى آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً»، نعم فإنها هى نفس الشجرة التى كلم الله عندها موسى، وتشير القصة إلى أن موسى فى طريقه رأى منظرًا هائلا عظيمًا، حيث وصل إلى الشجرة وقد اشتعلت نارا إلا أن تلك النار لا تزيدها إلا خضرة ونضرة، ثم رفع رأسه فإذا نورها متصل بعنان السماء، وقيل إن هذا كان نور رب العالمين حيث كلم الله موسى فى تلك البقعة. ويقول التراث اليهودى عن «حديث العليقة»، إنه حين تقدم موسى إلى الشجرة خرج الصوت من وسط العليقة «وقال، موسى موسى، فقال ها أنذا، فقال لا تقترب إلى ههنا، واخلع نعليك من رجليك، لأن الموضع الذى أنت واقف عليه أرض مقدسة»، وبحسب النص التوراتى، فإن موسى قد استشعر الخوف، فأخبره الإله بأنه سيرسله إلى فرعون ليطلق بنى إسرائيل «هلمّ فأرسلك إلى فرعون تخرج شعبى بنى إسرائيل من مصر». وحول الشجرة المقدسة تدور القصص والحكايات التى لا تنتهى، حيث يقول أحد سكان الدير «إن الشجرة ليس لها ثمار وتتميز بأنها خضراء طول العام على عكس طبيعة أى نبات يعانى جفاف فى فصلى الخريف والشتاء، ليس هذا فحسب بل حاول البعض إعادة إنباتها فى أى مكان فى العالم، عبر أخذ أجزاء من هذه الشجرة ومحاولة إنباتها فى أراضٍ أخرى إلا أن المحاولات فشلت». «إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادى المقدس طوى»، هذا كان أول أمر إلهى لموسى من أمام شجرة العليقة، وفى تلك المنطقة أقيمت «كنيسة التجلى» فى المكان الذى يٌتقد أن الله تجلى فيه وكلم موسى، ولدخول المبنى عليك أن تغادر الشجرة لتجد على يسارك بابا صغيرا، تحتاج إلى الانحناء للعبور منه، لتنفذ إلى غرفة صغيرة، يأمرك أحد الكهنة الموجودين بالكنيسة أن تخلع نعليك قبل أن تتقدم. وعلى اليسار فى نهاية الغرفة تجد بابا تصعد له بدرجة سلم، وعلى اليمين غرفة يغلقها باب خشبى صغير، إنها أقدس بقعة على وجه الأرض، هيكل التجلى حيث كلم الله موسى، وما أن فتح الراهب الباب الصغير لتخطوا بقدمك داخل الغرفة التى لا تتخطى مساحتها الخمسة أمتار حتى يقشعر بدنك دون أسباب، وتتسرب إلى داخلك حالة روحانية ليس لها مثيل، فلا تشعر إلا وأنت ترفع يديك، نحو شباك فى المنتصف يدخل منه نورا براقا، إلى الله ابتهالا ودعاءً. ضيق الغرفة لم يتسع إلا لدخول ثمانية أشخاص، ثلاثة يدينون بالمسيحية واتخذوا موضعهم للصلاة، والبقية مسلمون وتوجهوا نحو القبلة، فامتزجت الأدعية الإسلامية بترتيلات المسيحية حيث تلقى موسى التوراة، فى مشهد دينى ليس له مثيل فى العالم، فهذا هو المفهوم الحقيقى لمجمع الأديان. بعد أن تخرج من باب الهيكل تجد على الجانب بئرا تم تغطيتها بلوح زجاجى، إنها بئر موسى التى تعرف أمامها على ابنتى سيدنا شعيب، عندما كانتا تعجزان عن الحصول على الماء فى ظل تصارع الرعاة على البئر، فتدخل موسى لإحضار السقيا لهما، ثم تزوج إحداهما، هذه البئر التى تعمل حتى الآن وتمد الدير بمائها. الشاب العشرينى سامى من محافظة أسيوط ويخدم فى الدير، اصطحبنا إلى سطح الدير للتمكن من رؤية قمة جبل موسى، أكد أن أكثر زوار الدير من الجنسيات الأوروبية، لافتا إلى أن السياح يتدفقون عليه نظرا لمكانته الدينية الكبرى، ولكن هناك تفاوت فى الأعداد من وقت إلى آخر خاصة أن طبيعة المدينة حيث تتعرض لعواصف ثلجية فى فصل الشتاء. ومن أعلى يمكن أن ترى بوضوح «مسجد الحاكم بأمر الله» المقابل للكنيسة الكبرى، والذى بناه «أبو المنصور أنوشتكين» - أمير الجيوش الفاطمية - بمئذنته البيضاء ذات الأمتار العشرة طولاً والذى يحوى منبرًا يُعد أحد ثلاثة منابر خشبية كاملة من العصر الفاطمى الأول.












الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;