صور.. "حكايات التجاعيد والشعر الأبيض".. نزلاء دور المسنين: نار الدار ولا إهمال عيالنا.. قدارة: بنتى خليتنى أتنازل عن كل ثروتى.. وسعاد: ابنى رمانى عشان يرضى مراته.. وعادل: مراتى طلبت الطلاق بعد 22 سنة

تتعدد القصص الإنسانية والمأساوية بدور المسنين فى محافظات مصر، ولدى كل مُسن حكاية وأحداث درامية تغلبها حالة الشجن، تختبئ وراء تجاعيد حملت مرارة السنين وعذاباتها من زمن جار على نساء ورجال، ليكونوا وحيدين يتجرعون بمفردهم الألم والقهر والأسى، وكلما انفرد كل منهم بنفسه مر شريط الذكريات مرارة وعلقماً، يغالبهم البكاء ليل نهار، لنكران أولادهم. وبعد تربية الأم وسهرها وعطائها لكل ما تملك لأبنائها من عمرها وشبابها، منتظرة بفارغ الصبر أن يكبروا، يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة ولحظة بعد لحظة، وكذلك الأب الذي أمضى حياته جاهداً من أجل لقمة عيشهم، ليكون نجله أفضل منه، فيجد نكراناً، ويُرمى الأب وتُلقى الأم إلى درب مجهول ليذهب بعضهم ممن يحالفهم الحظ لدور المسنين لمن يملك منهم سداد نفقاتها، ومنهم لا يجد فيكون ملجأه الشارع وأسفل الكباري والأنفاق. "انفراد" يفتح هذا الملف.. يستمع لحكايات كبار السن وهم على مشارف السبعينات من عمرهم.. الحكايات التي تسطرها خصلات الشعر الأبيض وتجاعيد اليدين والوجه..حكايات عن قسوة الأبناء التى رغم تأثيرها عليهم، إلا أنهم لم يقووا أبدا بالرد عليها بأقل فعل وهو الدعاء عليهم، إعمالا بالمثل السائد "ادعى علي ابنى وأكره اللي يقول آمين". عدد من دور المسنين بمحافظة كفر الشيخ تستقبل المسنين من الرجال والسيدات، ولكن تختلف كل دار عن أخرى، فمنها ما تستقبل القادرين على خدمة أنفسهم فقط، ومنها من تستقبل الطاعنين في السن ولا يستطيعون على خدمة أنفسهم، وداخل دار "الوفاء للمسنين" الملاصقة لمديرية التضامن بمحافظة كفر الشيخ، إحدى تلك الدور والتي تضم 15 مسناً من الرجال والسيدات.. تجولت "انفراد" داخل الدار، لتجد مديرة الدار والإخصائية الإجتماعية والعاملات، و15 من المسنين يتناولون غذاءهم، وطلبت منهم مدير الدار مقابلتي فسمعت إحداهن تقول لأخرى ضاحكة "خلصي أكل جالك عريس". وقالت ميرفت على مخيمر مدير الدار، إن الدار تستقبل المسنين من سن 55 سنة، وفق شروط متعددة منها أن يكون المسن أو المسنة قادرين على خدمة أنفسهم وخالين من الأمراض المزمنة، ويسدد المسن مبلغاً شهرياً حسب الحجرات، منها حجرات مشتركة يقيم بها 4 سيدات أو 5 رجال، أو غرفة فردية، بمبلغ شهرى يختلف من غرفة لأخرى. وقالت مروة محمود اللواتي إخصائية اجتماعية، هناك اهتمام بالمسنين، وحسن معاملتهم لأن كل منهم له ظروف خاصة، ولابد من مراعاة ذلك جيدا، مؤكدة أن الدار تتلقى تبرعات من أهل الخير وكلما زادت التبرعات كلما تم توفير احتياجات النزلاء. وأكدت قدارة محمد أبو عيد، 85 سنة، أن إقامتها بدار المسنين خلفها حكاية ومأساة، فهي أم لـ 3 أبناء، ولد وبنتين، وجدت منهم النكران وخاصة من ابنتيها، فبعد تعب وشقى طوال السنوات الماضية، في عدد من الدول العربية، لتوفر لهم متطلباتهم ليكونوا أفضل الناس، وجدت في نهاية رحلتها الهجر والطرد. وأضافت، "باكية بحرقة أثرت على قدرتها علي استكمال حكايتها"، إنها كانت خياطة متميزة، جمعت ثروة مالية من عملها بالسعودية والكويت، علمت خلالها عشرات الفتيات تلك المهنة، وعندما مات زوجها لم تجد من يعطف عليها، فتوجهت للإقامة بدار المسنين، ولكن بعد عام، طلبت منها إحدى نجلاتها، الإقامة معها بدلاً من جلوسها بالدار، فاستجابت لها ولزوجها. واستكملت: "بنتى خدعتني وخليتنى أتنازل عن كل ثروتى علشان تبنى بيت، وفى الآخر طردتنى.. أنا ببكى ليل ونهار على كل السنين اللي فاتت.. اللى سهرت ليلها وربيت وكبرت وكله ضاع بنكران الأبناء". وأوضحت إنه لولا معاش زوجها ما وجدت من ينفق عليها، مؤكدة أن كل ما تملكه ثمن تكفينها أودعته عند أحد الأشخاص بكفر الشيخ، لينفق منه على كفنها وجنازتها، مطالبة بإقامة حفل لها عقب وفاتها، لأنها ستكون سعيدة بوفاتها، مؤكدة أنها تنصح كل أم أن تدخر لنفسها ما يعينها على نفقات الحياة حتى لا تحتاج لأنجالها لأنها لا تضمن من يحن عليها أو من ينكر جميلها، فالحياة غير مضمونة، وتابعت:"عندما تكون الإساءة من فلذة الكبد فالحرقة والنيران في قلبى لو أخرجتها لأحرقت بلدان فهل سيذوق أولادى ما أذوقه أنا الآن فى أواخر أيامى". وقالت سعاد محمد علي، 65 سنة، إنها أنجبت ولداً وبنتاً، وتوفى زوجها وتولت تربيتهما، حتى أنهيا تعليمهما في كليتي الطب والصيدلة، ورافقت نجلتها زوجها لعمله بالكويت، ونجلها تزوج وجلس معها في شقتها، وأنجب 5 أولاد، وضاقت الشقة عليهم، وزادت مشاكل الزوجية بين نجلها وزوجته، وشعرت أن زوجة نجلها لا تطيقها، وذات يوم فوجئت بنجلها يقنعها بالإقامة بدار المسنين ويسدد لها تكاليف الإقامة، وستكون في عناية وراعية من العاملين بالدار، وستجلس مع من في عمرها تتسامر معهم، فلم تجد إلا الاستجابة لطلبه برغم عدم رضاءها على رميها بالدار، بحسب قولها. وأضافت عندما وصلت للدار ودعها وسدد ثمن إقامتها، وعاد ليخبر زوجته بما فعل ارضاء لها، ودخلت حجرتها في الدار ووجدت في الحجرة شريكة، على السرير المقابل لها. وفى صمت ودموع تبلل ملابسها، فتحت الشنطة وأفرغت ما فيها في نصف الدولاب، وبقي كيس الأدوية لتلتقط منه حبة من دواء الضغط، وتلقي بجسدها المجهد على السرير في محاولة لنسيان ما حدث، وكلما وجدت زائراً لأحد المقيمين أو المقيمات بالدار، تذكرت نجلها الذي لا يزورها إلا يوم سداد ثمن إقامتها، مؤكدة أنها تفكر كثيراً وتخشى أن تموت دون أن تراه بجوارها ويكون آخر وجه تراه في هذه الدنيا برغم ما فعله معها، لان قلبها برغم اعتصاره غضباً منه إلا أنها لا تقوى على أن تدعوا عليه. وأضافت صدفة محمد إبراهيم، تعيش بالدار منذ عدة سنوات، أنه فقد توفي زوجها ولم تنجب منه، وكانت تعيش مع أشقائها، ولكنهم ماتوا جميعاً، وظلت عدة أشهر مع أولاد أشقائها وعندما انتقلوا من القرية لمدينة كفر الشيخ، توجهت لدار مسنين للإقامة بها، نظراً لانشغالهم بحياتهم الخاصة ولكنهم يترددون عليها حسب أوقات فراغهم، مؤكدة أنها تتقاضى معاش زوجها وهو الذي يساعدها على سداد ثمن إقامتها بالدار. وقالت صبر مصطفى الشافعي، 65 سنة، أنها لم تتزوج، وعاشت حياة بائسة منذ ولادتها، فمات والدها بعد ولادتها، وتوفيت والدتها وهي سن 10 سنوات وعاشت مع أشقائها طوال تلك السنوات الماضية، وماتوا جميعاً وكانت تعيش مع أبناء أشقائها، ولكن لانشغالهم فضلت الإقامة بالدار. وفى القليوبية، توجد دار رعاية المسنين ببنها التابعة لجمعية الهلال الأحمر المصري، والتى امتلأت بعدد لا بأس به من المسنين، كل منهم يحمل فى ذهنه قصة وحكاية عن قسوة الأولاد، كيف كانت حياته وكيف تحولت معيشته من بين أسرة، ليعيش وحيدا فى دار مسنين. "لقيت في الدار اللى مالقتوش مع أولادي، و13 سنة في دار الرعاية وعندى 6 أولاد زاروني في الدار مرتين أو ثلاثة، كبرت وعلمت وفي الآخر اتنسيت فين حقي".. هكذا بدأ الحاج محمد ص، 81 عاما، بالمعاش، نزيل دار المسنين للهلال الأحمر ببنها، "أنا موجود في الدار من 13 سنة، وعندى 6 أولاد، 3 بنات، و3 بنين، وكلهم تعليم عالى، وزوجتى على قيد الحياة، نشبت بيني وبينها بعض المشاكل انتهت بالطلاق، وحفاظا لماء وجهها فضلت ترك منزلى على أن تسكنه هي نظرا لعدم وجود أي شخص من عائلتها على قيد الحياة، مع استمرار تحملى المصروفات الخاصة بها، وولادى اتجوزوا وكل واحد عاش في حياته". وأضاف"الحاج محمد": "احنا الرجالة بالذات لما بنكبر بنتنسي، فين ولادى بعد الشقى والتعب معاهم والتربية، مع إني عمرى ما حرمت حد من حاجة، أنا مش عاوز منهم حاجة بس فيه حاجة اسمها إنسانية واجتماعية، انفصلت عن زوجتى بعد زواج 50 سنة، انفصلنا وخفت عليها أحسن تتبهدل، وأنا شلت الحمل كله لحد دلوقتى، فضلت أكون لوحدى على إني أروح لحد من أولادي لأني متأكد إنهم لو استحملوني النهاردة مش هيستحملنى بكره". وتابع، "وجدت بالدار والنزلاء ما لم أجده مع أبنائي وبناتي، ابني الكبير بقالى 13 سنة في الدار مجاش ليا إلا مرتين ثلاثة، أنا مش عاوزهم وربنا يسهلهم، كفاية هنا الإشراف والمتابعة والرحلات اللى الدار بتنظمها بالتعاون مع جمعيات أخرى. فيما قال جميل عادل، 65 عاما، أحد النزلاء، إنه كان يعمل مكوجى إلى جانب وظيفته، ولديه 3 أولاد، لكنه أصيب بعد فترة بحساسية شديدة على الصدر، وشدد عليه الأطباء بضرورة ترك هذه المهنة، نظرا للضرر الشديد الذي قد تسببه له فيما بعد. وأوضح جميل أنه قام بتسوية معاشه وترك محل المكوجي، وعقب وفاة والد زوجته وكان يحصل على معاش يعادل معاشه 4 مرات، وإن زوجته هى الابنة الوحيدة، فابتدعت مشاكل بيني وبينها وصلت للطلاق، "بعد 22 سنة مصانتش العشرة وفضلت أنها تاخد معاش أبوها وطلبت الطلاق علشان تعرف تصرفه، وولادي وقفوا جنبها وظلموني، ففضلت البعد عنهم وسكنت بالدار منذ 4 شهور، الدار هنا لقينا فيها اللى مش موجود مع أولادنا من الرعاية والمتابعة والخدمة".

وفي مسكن مكون من 3 طوابق بقرية الغار بمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، تطل الشمس من بين فتحات الشبابيك بالطابقين الثاني والثالث، جلس علي أريكة بمدخل الطابق الأول رجل في بداية التسينات، يبدو علي وجه غضب السنين، وبيده مسبحة تلامس يداه حباتها، ولكن عينه شاردة في السماء، وبالإقتراب منه ومعرفة قصته، أجاب قائلا: "لقيت في الدار حنية لم أجدها في أبنائي، تزوجت في سن صغير بإحدي قري الشرقية، ورزقني الله بخمسة أبناء، وأعمل بالتربية والتعليم، وأشهد الله لم أدخل عليهم في يوم قرش حرام، وكنت أعمل عملا إضافيا بجوار وظيفتي بالتربية والتعليم، لكي أكفي متطلبات منزلي، إلي أن أديت جزءا من رسالتي بتعليم جميع الأبناء، وزوجت بنتين وولد". ويشرد عقله منه مرة ثانية قائلا: "صدمتي كانت من سوء معاملة الأبناء لي بعد بلوغي سن المعاش، وقضائي وقتا طويلا بالمنزل، تغيرت المعاملة تماما، من المحبة إلي الجحود، وعدم الاهتمام والرعاية، والكل يلهث وراء مصلحته، حتي الأبناء شقي العمر، وحاولت تكرارا تغيير معاملتهم معي بالنصح والإرشاد، لكن لم يحدث، فقررت أن أجمع ما أتمكن جمعه من دولابي من ملابس شخصية، وانتظرت خلو المنزل من الجميع، وتوجهت إلي الدار، وكان عندى علم سابق بها من أحد الأصدقاء". ويتابع "م ع" 60 سنة موظف بالمعاش بالتربية والتعليم، بالفعل تركت المنزل منذ أسبوعين، ولم يعلم أحد من أبنائي ولا زوجتى مكاني الحالى، وقررت بذلك معاقابتهم بالأدب، ولكي أعرف معزتى عندهم، وأتلقى منهم اتصالات علي هاتفى الجوال لكن لم أجب، حتي أشعر بمحبتهم فى قلبى أولا قبل محادثتهم هاتفيا. موضحا أنه يتلقي الرعاية الكافية بالدار من توفير الواجبات الغذائية، يوميا ويقضي وقتا طيبا مع عدد من رجال الدار يتسامرون ليلا، وفي الصباح يعودوا للجلوس علي أريكة بمدخل الدار، ويتناول الإفطار، ولم يترك الدار إلا للذهاب إلي المسجد لتأدية الفريضة، ويدفع 1000 جنيه شهريا للدار، دفع منه الشهر الأول، وأنه محتاج إلي فترة كبيرة من الوقت للتفكير في العودة مرة ثانية إلي أسرته بعد شعوره بالراحه بعد الحالة السيئة التي أصابته نتيجة معاملتهم الجاحدة.




























الاكثر مشاهده

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

;