قصص مواجهة الموت يوميا تحت الأرض.. غطاسو الصرف الصحى: لا نعرف الراحة وحياتنا رهن إشارة.. الغازات السامة فى البيارات خطر دائم.. وحلمنا زيادة الرواتب.. العاملون بـ"اليومية": نطالب بالتحصين ضد الأمراض..

معاناة كبيرة يعيشها غطاسو الصرف الصحى فى محافظات مصر، سواءً من الإهمال والشعور بالتهميش أو عدم الحصول على مستحقاتهم، بخلاف تعرضهم لمخاطر يومية خلال إنجاز مهام عملهم، الأمر الذى دفعهم لمطالبة المسئولين فى شركات مياه الشرب والصرف الصحى بالمحافظات المختلفة بالاستجابة لمطالبهم وسرعة تحسين أوضاعهم. ويرصد "انفراد" فى هذا الملف المعاناة والمخاطر اليومية، التى يتعرض لها غطاسو الصرف الصحى فى المحافظات، للتعرف على كافة متطلباتهم لحمايتهم وضمان حقوقهم المشروعة فى حالة حدوث أى مصاب لهم، وكذلك المشكلات التى تواجههم خلال العمل اليومى. فى البداية، قال حسيب عبد الرازق، 52 سنة، الحاصل على لقب العامل المثالى فى شركة مياه الشرب والصرف الصحى، أنه يعمل فى مهنة الغطس وتطهير البيارات والبلاعات منذ 14 سنة، ويتقاضى راتبا يبلغ 1500 جنيه فقط، لا يتماشى مع ما يقوم به من جهد ومشقة، معربا عن أمنيته فى زيادة راتبه وحوافزه، لتتناسب مع ما يؤديه من عمل. ويشير "حسيب" إلى أنه حصل على لقب العامل المثالى لتمكنه من العمل داخل البالوعات والبيارات بخفة وسرعة كبيرة، لتطهيرها فى أقل وقت ممكن، فعالمه الذى يجد فيه نفسه هو تحت الأرض بعكس بقية المهن الأخرى، مؤكداً أنه تم تدريبه على الغطس لمدة عام فى الكشافة البحرية فى الإسكندرية، مؤكدا على أنه حالته الصحية طيبة، وأنه يجرى عليه مثل زملاءه الكشف الطبى كل 6 أشهر. كما يشير "حسيب"، إلى أن هناك مجموعة من الإجراءات التى يتم اتباعها خلال العمل، منها ارتداء الملابس المخصصة قبل نزول البئر أو البلاعة المليئة بالمياه المكونة من قناع نصف وجه وفيلتر وكمامة، وبدلة الغطس، وحزام الأمان، وجهاز التنفس والبراشوت يعلقه فى السبية الخارجية. كما يوضح "حسيب" أن هناك إشارات يتم اتباعها عقب نزله إلى البئر، تتمثل فى: "شد الحبل لمرة واحدة، تعنى رخى الحبل، والشدة الثانية اسحبنى لبرة شوية، أما الشدة الثالثة فتعنى أنه انتهى من أعمال التطهير"، أما إذا كانت الشدات الثلاث متتالية فهو ما يعنى أنه لا يستطيع إكمال مهمته لشعوره بالاختناق أو شد الجرس المعلق فى الحبل. ويقول الغطاس محمد صحصاح، البالغ من العمر 27 سنة، أنه يعمل فى هذه المهنة منذ 4 سنوات، ويتقاضى راتبا يبلغ قدره 900 جنيه، لافتا إلى أنه تدرب لمدة عام قبل ممارسة عملية الغطس وتطهير البيارات والبالوعات. يتحدث محمد صحصحاح عن عمله، فيصف حجم المشقة التى يتكبدها، وأن المعاناة الحقيقية تتمثل فى أن هذه الخدمة لا يمكن للأهالى الاستغناء عنها، وهو ما يعنى أن "صحصاح" وزملاء المهنة لا يعرفون معنى الإجازات أو الراحات، فهو رهن إشارة أى بلاغ يتلقاه المحطة، ليتجه بعدها لتطهير البلاعات. ويشير "صحصاح" إلى أن ما يزيده معاناته وآلامه هو ما يجده فى البيارات والبلاعات من دهون المطاعم وملابس، وأغطية، وملايات، وشعر السيدات، وهذا الكم من استهتار الأهالى فى إلقاء المخلفات فى مجارى الصرف بدلا من إلقاءها فى الأماكن المخصصة لذلك، الأمر الذى يزيد من معاناة عملهم داخل البلاعات، وعلى الرغم من ذلك فلا فإن الراتب أو الحوافز لا تعرف الزيادة، ولا تتناسب مع الجهد المبذول. فى نفس السياق، يتحدث عمرو جمعة عبد الونيس، البالغ من العمر 28 سنة، ويشير إلى أن راتبه الذى يحصل عليه هو 900 جنيه فقط، متمنيا زيادته فى ظل ما نعيشه اليوم، أما عن مهنته، فيرى أنها مهنة لا تعرف الخوف فلو عرف الغطاس الخوف، ما جرأ على أداء مهمته بإتقان، وأن من يعمل فى هذه المهنة قلة لأن الغطاس يجب أن تتوافر فيه شروط متعددة فيه. وعن أجواء العمل، يوضح "عمرو عبد الونيس" أنه يبدأ عمله عقب ارتداء مهمات السلامة والصحة المهنية، بفتح 3 آبار أو بئرين، ويقف عكس اتجاه البئر، وأن السبب فى فتح بئرين أو 3 يتمثل فى إخراج ما بداخل تلك الآبار من غازات سامة أولاً وإدخال الهواء، ويتم سحب الغازات السامة بـ"ربلور" فيتم شفط الغازات السامة، وبعدها تبدأ عملية نزوله لتطهير البئر، عقب الاتفاق على الإشارات مع زملاءه الذين يقفون حول البئر فى حالة إن كانت البئر ملىء بالمياه. ويتحدث محمد الحسينى، مدرب الغطس، أنه يعمل منذ 8 سنوات فى تلك المهنة ويدرب الغطاسين، لافتا إلى أن هذه المهنة أشد ما تحتاج إليه هو الصبر، وحرص الغطاس على أن يظل بصحة جيدة، وأن يتمتع بالجرأة الكافية مع حسن التصرف حتى لا يتعرض لأى حوادث، لافتا إلى أنه يحرص على أن يكون متواجدا فى أوقات التطهير لمتابعة الغطاسين وتوجيههم ومتابعتهم أثناء أداء عملهم. أيضا يتحدث محمود محمد على، بالمعاش، فيقول: "فكرت فى المعاش المبكر لأن تلك المهنة شاقة والعائد منها بسيط لا يتناسب مع أداء العامل لمهمته بالإضافة لتعرض الغطاسين والعامل للأمراض نظراً لاستنشاقهم الغازات السامة فى حالة دخولهم للبئر قبل التأكد من خلوها من تلك الغازات". ويؤكد "محمود على" على أنه بعدما اتخذ قراره باللجوء إلى المعاش المبكر، فهو يشعر بالراحة إلا أنه مازال يحن لتلك المهنة التى قضى بها أكثر من 20 عاماً. أما العامل حامد محمود سعد، فيرصد جانبا آخر من ممارسة المهنة، فيقول: "نعيش لحظات من الرعب أثناء ترقب خروج زملائنا من البيارات، وخاصة أن مجارى الصرف يصل عمقها أحيانا إلى حوالى 20 قدما تحت الأرض، وقطرها فى بعض المناطق حوالى 3 أمتار، ومع تكرار حوادث الغرق أصبحت أعرف سبب قلة وجود عمال صرف صحى وصلوا إلى سن المعاش، لأن مصيرهم بين التقاعد المبكر أو الموت". ومن ناحية أخرى، يقول محمد إبراهيم، من سكان القليوبية، البالغ 28 عاما، ولديه طفلان، أن يعمل وفق عقد مؤقت وراتب لا يكفى مستلزمات حياته، ناهيك عن أن أحد أطفاله مريض بالقلب، لافتا إلى أنه دائما ما يتلقى وعودا مكافأة تليق بصعوبة عمله. زاوية أخرى يتحدث عنها حمادة صابر هاشم، فيشير إلى أنه يعمل من خلال مقاول، والذى يتسلم عمله من قبل شركة مياه الشرب والصرف فى القليوبية، ثم يقوم بتسليمه لهم، لافتا إلى أن نظام اليومية لا يتعدى الـ 150 جنيه فى اليوم، مضيفا: "خلصت الشغل اللى معاك بتقبض مخلصتش مفيش قبض، ولا تأمينات ولا معاشات هى اليومية بس، ولو جرالك حاجة مفيش حد بيسأل عنك، غير أهلك اللى بيلفوا كل الاتجاهات ولا بيشوفوا حاجة". وتابع "حماده": "شوفت كتير من زملائى وهما بيموتوا داخل المواسير بس على ما بنطلعهم بيكونوا فارقوا الحياة بسبب الغاز السام الموجود فى مواسير الصرف الصحى، وأنا شلت ولاد عمى الاثنين ميتين كانوا معانا فى شغل، ومفيش ولا أى حاجة أولادهم حصل عليها، أنت ليك اليومية خلصت شغلك تقبض مخلصتش مفيش قبض". وأوضح "حمادة"، "المفروض أن هناك تحصين ضد الأمراض من خلال حقنة بس هى غالية مش بنقدر نجيبها بـ2000 جنيه، والمفروض كل 6 أشهر، ومفيش اهتمام خالص". ويقول المهندس رفيق عبد المعطى آدم، مدير عام الشبكات فى محطة الشرب والصرف الصحى بكفر الشيخ، أن هناك فرق بين عامل الغطس والعامل العادى، فالعامل العادى مهمته تطهير البلاعات بالخرسانية دون النزول للبئر وكذلك مطابق غرف التفتيش، أما الغطاس فيطهر البئر والبلاعة والشبكة بالنزول فيها، ولابد من ارتداء ملابس الغطس. ويوضح المهندس رفيق عبد المعطى آدم أنه يتم اختيار عمال الغطس وفق شروط متعددة منها مواصفات صحية ومنها سلامة التنفس، وسلامة عضلة القلب، وأن يكون من غير المدخنين، وخاليا من الأمراض، وطوله لا يقل عن 165 متر، ووزنه لا يزيد عن 75 كيلو، ويتم إجراء الكشف الطبى على الغطاس والعامل كل 6 أشهر، مؤكداً أنه يحصل على جرعات ضد الفيروسات لضمان عدم إصابتهم وخاصة بفيروس سي. أيضا يتحدث اللواء محمد يحيى كمال سليمان، رئيس مجلس إدارة شركة مياه الشرب والصرف الصحى بالأقصر، فيؤكد لـ"انفراد" على أن غطاسين الشركة يقومون بجهود كبيرة، كما أن الإدارة تعمل على تدريبهم والتدخل لحل أزمات الشبكات المختلفة وكذلك إدارات الطوارئ والأزمات، موضحا أن أهم ما قاموا به خلال الفترة الماضية هو العمل فى التطهير والإصلاح بشبكات الرى بالأقالتة، حيث قدمت الشركة بأيادى غطاسيها المميزين كل الدعم والمساندة فور حدوث مشكلة انسداد بشبكة الرى والتى أدت لانهيار 3 منازل فى منطقة الأقالتة حتى تتم عمليات التطهير وانتهاء المشكلة. ويضيف رئيس شركة مياه الشرب بالأقصر، أنه فور حدوث أزمة انهيار منازل البر الغربى وانسداد ماسورة الصرف التابعة لهيئة الرى والتى يبلغ قطرها 3 أمتار، قام 3 غطاسون من شركة مياه الأقصر بدخول الماسورة والعمل على تطهير وإزالة كافة العوالق داخلها لحماية باقى منازل القرية. ويقول محمد على رئيس قسم الغطاسين فى شركة مياه الشرب بالأقصر، أن تلك المهنة يعمل بها المئات من أبناء مصر فى الصعيد والوجه البحرى، وجميعهم يكون هدفهم الأول حماية المواطنين من أية كوارث قد يتعرضون لها، مؤكداً على أنهم يعملون فى كافة ظروف الطقس، ولا يترددون فى النزول فوراً لأى بيارات صرف صحى أو مواسير مسدودة لحل الأمر لدورهم الكبير فى ذلك ووظيفتهم التى تعينهم على خدمة المواطنين وكسب الرزق الحلال. ويضيف رئيس قسم الغطاسين، أن كافة الغطاسين بالشركة حصلوا على تدريبات مكثفة فى البحار ونهر النيل وبيارات صرف صحى ومواسير صرف أيضاً بصورة مكثفة، وكذلك يحصلون على رواتبهم بصورة منتظمة بجانب المكافآت التى تخفف عنهم ضغوط ومتاعب العمل حال التدخل فى أية أزمة تحدث على مدار اليوم فى أى مكان بمختلف أنحاء المحافظة. أما هيثم عبد البارى من فريق الغطاسين المؤهلين بشركة مياه الشرب بالأقصر، فيقول أن عملهم مثل أى عمل لموظف فى الدولة ويقومون بمهمتهم التى يؤمنون بأهميتها لجميع المواطنين وكيف يحمون الأهالى من التعرض للخطر جراء انسداد ماسورة أو بيارة صرف صحى، ويقومون بالتسليك اليومى ولو لم يتم بالأسلاك الكبيرة يقومون بالنزول بأنفسهم لقلب مياة الصرف لتطهير الشبكات بأيديهم، مؤكداً أنهم يرتدون كافة البدل المجهزة لتلك المهمة والتى تقدمها لهم شركة المياه على مدار العام وتقوم بتغييرها كل فترة لحمايتهم من التسرب للصرف بأجسادهم وخطر تعرضهم للأمراض جراء ذلك.
















































الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;