"لم نكن نعلم أن الطبيب الشهير الذى تملأ إعلاناته شوارع المحافظة، ويتوافد عليه المئات من البسطاء، ما هو إلا طبيب مزيف"، هكذا عبر أهالي كفر الشيخ عن صدمتهم عندما علموا أن أشهر أطباء المخ والأعصاب والطب النفسى بمحافظة كفر الشيخ، طبيب مزيف، وتباينت الآراء فمنهم يرى أن ما كان يصفه لهم مجرد مسكنات، ومنهم من شفي على يديه بسبب العلاج الذي كان يصرفه، معتقدين في شطارته، ولكن كتابته لعلاج مخالف للحالة ومتابعة إدارة العلاج الحر كشفت حقيقة طالب الطب المفصول "الطبيب المزيف".
وأكد وليد سعداوي، صيدلى، أنه من السهل أن ينخدع البسطاء ومن ليس لديهم خبرة بأطباء مزيفين، فعندما يكتب طبيب عن نفسه في إعلانات أن عيادته لعلاج الأمراض العصبية والنفسية وجلطات المخ والتهاب الأعصاب في الأطراف والشلل الدماغي للأطفال وضمور المخ والإدمان وغيره من الأمراض المتعلقة بالجهاز العصبي المركزي والطرفى، فلابد أن يستجيب المرضى، وذويهم لتلك الإعلانات بالإسراع له، وإجراء الكشف الطبى عنده.
وتابع السعداوى: اختار الطبيب المزيف جهة عمله بعيدا عن كفر الشيخ ولكن بمستشفيات جامعة القاهرة والقصر العينى، ليستطيع إحكام عملية النصب، ولضمان ضعف احتمالية البحث عن حقيقته، كما استغل تشابه اسمه مع طبيب آخر بالدقهلية.
وتساءلت مريم محمد سعد، مدرسة: "إلى متى يظل الشعب ضحية للنصابين والمخادعين، يلهثون وراء الإعلانات"، مشيرة إلى أن شقيقة زوجها كانت مريضة، بآلام فى الرقبة، وتوجهت له وأجرت الكشف بمقابل 120 جنيها منذ عام، وكتب لها علاجا، واستمرت عليه مدة وشُفيت منه على سبيل الصدفة، موجهة سؤالها لمديرية الشئون الصحية: كيف تصمت طوال 8 سنوات على طبيب مزيف؟
وأضافت مريم سعد، أنها تعتقد أن الطبيب المزيف اختار هذا النوع من التخصص لأن أكثر الأدوية ما هى إلا مسكنات، وكان يكتبها للمرضى، وكل منهم وحظه فى الشفاء، ومنهم من كان يتجه لأطباء آخرين بعده، ولا يعرف أي مريض بأي علاج من هؤلاء الأطباء قد شفي من مرضه.
وقال إبراهيم محمد موسى، من أهالي حي سخا، إن الطبيب المزيف كان يتوافد عليه عدد كبير يومياً على عيادته في الطابق الثانى، وإعلاناته موجودة في كل شوارع المحافظة، ومن شدة الإقبال عليه رفع ثمن الكشف الطبي "الفيزيتا" من 100 جنيه لـ120 جنيها، العام الماضى، وتم رفعها لـ 150 جنيه هذا العام، مشيراً إلى أن ابنة عديلته لمياء وزوجها أسامة صالح تمام، كانا في زيارة له العام الماضى، وأجروا الكشف الطبي عنده لآلام في العظام ،وصرف لهم أدوية.
وقال موسى، إن الخداع لابد له من نهاية، مؤكدة أن سبب الكشف عن حقيقية الطبيب أن أحد المرضى توجه لصيدلية لصرف العلاج الذي كتبه له "حسام.ع" ، فأخبره الصيدلي بأن العلاج لا يتناسب مع ما يعانيه من مرض، وبدأت هذه القصة تنتشر بين الأهالي حتى تلقى المسئولون بمديرية الصحة شكوى، وهنا بدأت عملية التفتيش على الطبيب المزيف، وكشف حقيقته من خلال إدارة العلاج الحر بمديرية الشئون الصحية بكفر الشيخ.
وأكد أسامة صالح تمام لـ"انفراد"، أنه كان في زيارة لأقارب زوجته بحي سخا، العام الماضى، قادماً من جمصة، وبالفعل توجه للطبيب "حسام.ع"، لأن أقارب زوجته قالوا إنه من أشهر الأطباء في المحافظة، مشيراً إلى أن الطبيب كتب له علاجا، فتبين أنها مسكنات، وبعد عودته لجمصة أجرى الكشف الطبي عند طبيب آخر هو وزوجته، مشيراً إلى أنه فوجئ في وسائل الإعلام أنه طبيب مزيف.
وقالت فاتن محمد سعد، عاملة من مدينة كفر الشيخ، إن نجلتها كانت تعاني من الحمى الشوكية، فتوجهت له في عيادته، وصرف لها علاجا وشفيت على يديه، وكان يحسن استقبال المترددين عليه، مضيفة أنها أصيبت بصدمة عندما علمت من وسائل الإعلام حقيقة الطبيب المزيف، مؤكدة أنها تتعجب أن الكثير من المترددين عليه شفي من العلاج الذي كان يكتبه لهم منهم، نجلتها، وجارتها التي كانت تعاني بآلام في العظام .
وقال أحمد على، من أهالي كفر الشيخ، إن الطبيب المزيف، شهرته كبيرة بالمحافظة، وأنه توجه بصحبة والدته له عقب عودته من الإمارات، لمعاناتها من العصب السابع، فقال الطبيب إن حالتها تحتاج إلى راحة نفسية وأعطاها الكثير من الأدوية، وأوهمها أنها مصابة بمرض السكر، فزاد من قلقلها، فعنفته لتصرفه، وخرجنا من عيادته وتم صرف العلاج، واستمرت لـ3 أيام تتناول العلاج ثم توجهت لطبيب آخر، فأكد عدم إصابتها بالسكر، وحذرها من خطورة العلاج عليها .
وقال الدكتور طارق محمد، صيدلى: لا عجب أن يكتب ذلك الطبيب المزيف علاجات تشفي المريض، لأنه تعلم الطب بالممارسة بعد فصله من كلية الطب، ولأن هذا النوع من التخصصات نادر بكفر الشيخ، ومن التخصصات التي تعتمد في علاج المرضى على أدوية متعددة، بالإضافة إلى ذلك أصبحت عملية وصف العلاجات لها متاحة للجميع على جوجل فهناك من المرضى من يصرفون العلاج الذي يكتبه الطبيب ويبحثون عنه في جوجل لمعرفة مدى علاج الأدوية للأعراض التي يعانون منها.
وأكدت الدكتورة أميرة هانم فهمى، مدير إدارة العلاج الحر بمديرية الصحة فى كفر الشيخ، أن إدارة العلاج الحر كشفت حقيقة هذا الطبيب، ضمن الحملات التي تجوب العيادات للتأكد من رخصة الطبيب والأوراق الرسمية الخاصة به، والتي لم يبرزها لأعضاء الحملة بحجة وجودها في منزله، ولكن لاحظوا عليه الارتباك، وبعد ذلك قدم رخصة وبالبحث عنها وعن تاريخها يوافق يوم السبت، ولأنه يوم إجازة بالمحافظة، بدأت الشكوك، وبالبحث عن حقيقته، تبين أنه انتحل صفة طبيب بمحافظة الدقهلية لتشابه في اسمه، وتم التواصل مع نقابة الأطباء بالقاهرة وبالدقهلية، وبحضور الطبيب الحقيقي أمام النيابة ظهرت الحقيقة كاملة .
وكانت محكمة جنايات كفر الشيخ الدائرة الأولى، برئاسة المستشار بهاء الدين المرى، أحالت طالبا مفصولا انتحل صفة طبيب لمدة 8 سنوات، لدار الصحة النفسية بالعباسية لمدة 45 يوما، لبيان مدى إدراكه للجريمة، وإعداد تقرير بحالته وتسليمه للمحكمة.
وكانت نيابة كفر الشيخ، تحت إشراف المحامي العام لنيابات كفر الشيخ وجهت للمتهم انتحال صفة طبيب متخصص في أمراض المخ والأعصاب، ومزاولته مهنة الطب بدون ترخيص، وفتح عيادة طبية بناحية حي سخا بدون ترخيص، وفي 28من يناير 2019، قررت نيابة كفر الشيخ برئاسة المستشار أحمد شفيق، رئيس النيابة، تحت إشراف المستشار ياسر الرفاعي المحامي العام لنيابات كفر الشيخ الكلية، حبس المتهم 4 أيام على ذمة التحقيق، بتهمة انتحال صفة طبيب آخر مقيم بالمنصورة، والتزوير في محررات رسمية، وعدم حمله رخصة مزاولة مهنة الطب وعدم تقديمه ما يثبت كونه طبيبا.
وتبين من أوراق القضية أن المتهم، مقيم بمدينة كفر الشيخ، ومارس مهنة الطب في تخصص أمراض المخ والأعصاب بدون ترخيص لمدة 8 سنوات، عقب فصله عندما كان طالبا بالفرقة الثانية بكلية الطب، وتبين للمحكمة أثناء نظر جلسة محاكمته تعرضه لحالة من الاهتزاز النفسي، ما دعا هيئة المحكمة لقرار إيداعه الصحة النفسية.
وحررت إدارة العلاج الحر بمديرية الشئون الصحية بكفر الشيخ، برئاسة الدكتورة أميرة هانم عبد السلام، مدير الإدارة، محضرًا ضد "حسام.ع" لاتهامه بانتحال صفة أخصائي أمراض مخ وأعصاب لمزاولته المهنة دون ترخيص وفتح عيادة طبية تابعة لدائرة قسم أول كفر الشيخ دون الحصول على أي تراخيص، وانتحال صفة طبيب.
ووجه الدكتور فيصل جودة، وكيل وزارة الصحة بكفر الشيخ، باتخاذ الإجراءات القانونية حيال الواقعة، بعد أن تبين عدم قيد المشكو في حقه، بنقابة الأطباء بكفر الشيخ، واستخدامه ترخيص مزاولة مهنة يخص طبيب آخر مقيد بنقابة الأطباء بالدقهلية.