تكفير المكفراتية.. الشيخ حسان اتهم إسلام البحيرى وغيره من المثقفين بالزندقة وهدم الدين والآن يُحاكم بتهمة ازدراء الدين الإسلامى.. والتكفيريون يكفّرونه استناداً لأحكام الأئمة الأربعة

- سيد قطب كفّر المجتمع المصرى كله ثم اتهمه «ابن باز» بالردة و«الفوزان» بالكفر والجهل و«آل الشيخ» وصف كلامه بـ«كلام باطنى خبيث أو يهودى لعين.. ما يتكلم بهذا مسلم» - عبدالصبور شاهين كفّر نصر حامد أبوزيد وفرّق بينه وبين زوجته فاتهم بالخروج عن الدين بعد إصدار كتاب «أبى آدم» يقول الحديث الشريف «إذا قال الرجل لأخيه يا كافر أو أنت كافر، فقد باء بها أحدهما»، وهو حديث يأمرنا بألا نستسهل إلقاء الاتهام بالكفر على الآخرين، وتجنبه تمامًا، حتى لا يقع المكفر، بكسر الفاء، موقع المكفر، بفتح الفاء، لكن على ما يبدو أن هذا الحديث لم يكن يقصد بهذا الوعيد الآخرة فحسب، إنما كان يقصد الدنيا والآخرة على حد سواء، وهو الأمر الذى تثبته الأيام يومًا بعد يوم، ففيما يشبه القاعدة، فإنه لم يتهم أحد أحدًا بالكفر فى هذه الأيام إلا ووجد نفسه ولو بعد حين فى محل التكفير، ولعل آخر هذه الحالات ما حدث مع الداعية محمد حسان الذى يواجه الآن تهمة «ازدراء الأديان»، لقوله إن السيدة خديجة، رضى الله عنها، هى التى خطبت رسول الله، وقال إن أصح رواية فى هذا الأمر هى رواية الإمام أحمد بن حنبل بإسناد قوى، بل هو أقوى الأسانيد، فعن ابن عباس قال إن أبا السيدة خديجة كان يرفض زواجها من يتيم أبى طالب، يقصد رسول الله، فصنعت السيدة خديجة طعامًا وشرابًا ودعت بعض وجهاء قريش فأكلوا وشربوا حتى ثملوا، أى سكروا، وهنا قالت لأبيها إن محمدًا بن عبدالله يخطبنى فزوجنى إياه فزوجها، فخلعته وألبسته حلة، وكذلك كان يفعلون بالآباء عند الزواج، فلما صحا من سكرته ووجد نفسه على هذه الحال، فقال لها ما الذى جرى، فقالت له أنت زوجتنى محمدًا بن عبدالله، وهنا أمتلكه الفزع، وقال: لا لعمرى لا لعمرى، فقالت له: أتريد أن تسفه نفسك عند قريش وتخبر الناس أنك كنت سكران؟، ولم تزل به حتى وافق على الزواج.. وفى الحقيقة فإننى لا أرى جرمًا فيما قال محمد حسان، فهو لم يأت بشىء من عنده، بل أتى برواية من الروايات المشهورة فى التاريخ والحديث الإسلاميين، والتى بقيت فى كتب الحديث والسيرة مئات السنين دون أن ينادى أحد بتفنيدها، وهو الأمر الذى ينادى به السلفيون فى كل مكان وزمان، لكن يشاء الله أن يقع «حسان» فى شر أعماله هو والسلفيون، وأن يتذوق ذات الكأس التى طالما شرب منها المبدعون والمثقفون، شأنه فى ذلك شأن العديد من «المكفراتية» الذين نورد بعضهم هنا.

سيد قطب يكفّر الجميع فيكفّره الجميع من المعروف أن سيد قطب، ذلك الأب الروحى للإرهاب عند غالبية الجماعات الإسلامية، كان إمام التكفيريين فى العالمين العربى والإسلامى، وإليه تنتسب غالبية الجماعات التكفيرية فى الوطن العربى، كما أن غالبية عتاة الإرهاب فى العالم هم فى الحقيقة تلاميذ نجباء لهذا الإرهابى الأكبر الذى كفّر المجتمع المصرى كله فى أكثر من موضع من كتاباته، خاصة فى كتاب «فى ظلال القرآن»، وكتاب «العدالة الاجتماعية»، وكتاب «معالم فى الطريق»، إذ ينفى سيد قطب وجود إسلام أو مسلمين.

وكما رصد الباحث عماد عبدالراضى، فإن «قطب» قال فى «الظلال»: «إن المسلمين الآن لا يجاهدون، وذلك لأن المسلمين اليوم لا يوجدون»، كما قال: «لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بلا إله إلا الله، فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن لا إله إلا الله».

كما قال: «يدخل فى إطار المجتمع الجاهلى تلك المجتمعات التى تزعم لنفسها أنها مسلمة، لا لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله، ولا لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله أيضًا، لكنها تدخل فى هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده فى نظام حياتها، فهى -وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله- تعطى أخص خصوصية الألوهية لغير الله، فتدين بحاكمية غير الله»، كما جاء فى «المعالم»، لكن هذه المقولات التى توزع الكفر على المجتمع مرة، والحكام مرة، أبت ألا أن ترتد إلى صاحبها، وهو ما تؤكده أحكام العديد من الشيوخ، خاصة شيوخ السلفية، فقال الشيخ عبدالعزيز بن باز: «كلامه فى الصحابة خبيث، فيجب أن تمزق كتبه»، كما وصفه بالمرتد، إذ قال: «استهزاؤه بالأنبياء ردة مستقلة»، أما الشيخ «الألبانى» فقال: «إن قطب لم يكن على معرفة بالإسلام بأصوله وفروعه، ومنحرف عن الإسلام»، أما صالح الفوزان فقال ما معناه إن سيد قطب أما كافر أو جاهل، إذ يقول: «لا يقال لهؤلاء الكتاب علماء، وإنما مفكرون، ولولا أن سيد قطب معذور بالجهل لكفرناه لكلامه الإلحادى»، أما صالح اللحيدان فقال: «إن فى كتبه ضلالات ظاهرة، ومليئة بما يخالف العقيدة»، أما عبدالعزيز آل الشيخ، المفتى العام، رئيس هيئة كبار العلماء بالسعودية، فقال عن كلامه: «إنه كلام باطنى خبيث، أو يهودى لعين، ما يتكلم بهذا مسلم» فرج فودة ومحمد الغزالى البعض يذكر للشيخ محمد الغزالى بعض آرائه المجددة، وبعض أقواله المتسامحة فحسب، لكنهم ينسون له أنه كان سببًا أساسيًا فى قتل الكاتب فرج فودة، فعلى هامش معرض القاهرة الدولى للكتاب عام 1992، جرت مناظرة شارك فيها عن الجانب الإسلامى الشيخ محمد الغزالى من ناحية، والدكتور فرج فودة من ناحية أخرى، وعلى أثر هذه المناظرة جرى اغتيال فرج فودة بعدها، وفى أثناء المحاكمة طلب دفاع المتهمين شهادة الشيخ الغزالى، وهناك أفتى الغزالى بـ «جواز أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها، وإن كان هذا افتئاتًا على حق السلطة، ولكن ليست عليه عقوبة»، وكان معنى ذلك واضحًا، أنه يرى أن فرج فودة مرتد، هذا أولاً، وثانيًا أنه يجوز تطبيق حد الردة عليه، وهو القتل، وقال نصًا: «إنهم قتلوا شخصًا مباح الدم ومرتدًا، وهو مستحق للقتل، وقد أسقطوا الإثم الشرعى عن كاهل الأمة، وتجاوزهم الوحيد هو الافتئات على الحاكم، ولا توجد عقوبة فى الإسلام للافتئات على الحاكم.. إن بقاء المرتد فى المجتمع يكون بمثابة جرثومة تنفث سمومها بحض الناس على ترك الإسلام، فيجب على الحاكم أن يقتله، وإن لم يفعل يكون ذلك من واجب آحاد الناس».

لكن هذا الأمر لم يمر مرور الكرام، ويشاء الله أن يتعرض «الغزالى» لحملة تكفيرية شبيهة بالتى قادها ضد فرج فودة، وذلك عقب صدور كتابه «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث»، وقد تعرض بسبب هذا الكتاب لحملة شعواء اشترك فيها رموز التيار السلفى الذين لم يتسامحوا معه واتهموه بالكفر، وقد رد عليهم محمد الغزالى فى الطبعات الجديدة من كتابه، فقال: «لكن الشتم الذى أوجعنى اتهام البعض لى بأننى أخاصم السنة النبوية!»، وقد هاجمه الشيخ «الألبانى» قائلًا: «أريد أن أحذر من ضلالة من ضلالات ذلك الشيخ الغزالى الذى ملأ الدنيا بالتشكيك فى أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم، والطعن فيها باسم الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم فى كتابه «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث».. والحقيقة أن كل من درس كتابه هذا من العلماء تبين له- كالشمس فى رابعة النهار- أنه لا فقه عنده ولا حديث، إلا ما وافق عقله وهواه».

«أبوزيد» وعبدالصبور شاهين معركة يعرفها كل من يهتم بالثقافة وعلاقتها بالتراث الدينى، هذه المعركة بطلاها اثنان: الأول هو الدكتور نصر حامد أبوزيد، والثانى هو الدكتور عبدالصبور شاهين، فأبوزيد نادى بتحرير النص التراثى وفقًا لسياقه التاريخى، وإعادة قراءة التاريخ الإسلامى وفقًا للوقائع التى صنعته، مؤكدًا فى كتاباته أهمية فصل السياسى عن الدينى، وأهمية مراعاة الظروف التاريخية التى أسهمت فى صنع الأحكام والقوانين الإسلامية، وفى هذا السياق أصدر أبوزيد العديد من الكتب، من أهمها «الاتجاه العقلى فى التفسير.. دراسة فى قضية المجاز فى القرآن عند المعتزلة»، و«فلسفة التأويل.. دراسة فى تأويل القرآن عند محيى الدين بن عربى»، و«أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة.. مدخل إلى السميوطيقا»، و«مفهوم النص.. دراسة فى علوم القرآن»، وعندما قدم «أبوزيد» أبحاثه بعنوان «نقد الخطاب الدينى» للحصول على درجة الأستاذية تكونت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة، أبرزهم رئيسها د. عبدالصبور شاهين، الذى اتهم فى تقريره أبوزيد بالكفر، وحدثت القضية المعروفة التى انتهت بمغادرته مصر إلى المنفى منذ 1995 بعد حصوله على درجة أستاذ بأسابيع.

ويشاء الله أيضًا أن يتذوق «عبدالصبور» من ذات الكأس التى أذاقها لـ«أبوزيد»، ليعرف أن إغلاق باب الاجتهاد لا يعود بالخير حتى على من ينادون به، فقد أصدر «شاهين» كتابًا بعنوان «أبى آدم»، مدعيًا أن نبى الله آدم هو أبوالإنسان وليس أبا البشر، والذين هم على حد وصفه خلق حيوانى فى الأصل، اصطفى منهم الله آدم ليكون أبًا للإنسان، وأباد البشر فلم يبق سواه، فعدله وسواه بالنفخ فيه من روحه، كما جاء فى القرآن الكريم، وهنا ثارت ثورة الكثير من الإسلاميين الذين رأوا أن فى قول عبدالصبور شاهين خروجًا عن المألوف، وشذوذًا عن صحيح الدين، ليعانى بقية عمره مما عانى منه أبوزيد، وليتذوق معنى النكران، ويكتوى بنيران الجهل والتعصب التى فرق بها بين «أبوزيد» ووطنه وزوجه.

محمد حسان يهاجم البحيرى فيشرب من الكأس نفسها الوقائع التى لجأ فيها الشيخ محمد حسان للتكفير كثيرة، لكننا هنا سنكتفى بمثالين: الأول هو تكفيره الباحث إسلام بحيرى، والثانية هى تكفيره جموع المثقفين مرة واحدة، فمازال موقع قناة «الرحمة» على «اليوتيوب» يحتفظ بتسجيل مصور لـ«حسان» بعنوان «رد قوى جدًا من الشيخ محمد حسان على مخطط إسلام بحيرى وأمثاله»، وفى الرد أورد قول الحافظ أبى زرعة الذى يقول فيه «إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق، ذلك لأن الرسول حق والقرآن حق، وما جاء به من عند الله حق، والذى بلغنا كل هذا هم الصحابة»، وفى بقية التسجيل يتهم «بحيرى» وأمثاله بأنه يريدون هدم القرآن والسنة من أجل السطوة و«الفلوس» و«الستات»، أما الموضع الثانى ففى تسجيل صوتى لمحاضرة بعنوان «ردة ولا أبا بكر لها»، حيث يهاجم جموع المثقفين الذين أسهموا فى نهضة مصر الحديثة، فيقول: «إن مشروع النهضة الحديث فشل فشلًا ذريعًا، لأنهم رأوا فى هذه الصحوة الكريمة شبابًا فى ريعان الصبا، ورأوا فتيات فى عمر الورود، ورأوا كوكبة مباركة تعلن الحرب على مشروع نهضتهم المزور الفاسد، بل وتصدى علماء ودعاة الصحوة إلى هذا المشروع، وبينوا زيفه، وأسقطوا ورقة التوت ونسيج العنكبوت الذى طالما اختفى بها وفيها هؤلاء المثقفون المزعومون، فهم يرقصون الآن رقصة الموت»، ويشاء الله أيضًا أن يتلقى «حسان» طعنة شبيهة بالطعنة التى طالما وجهها إلى المثقفين و«بحيرى» وأمثاله، سواء فى تلك القضية التى أشرنا إليها فى البداية، أو فى الكثير من أقوال الدعاة الشيوخ الذين اتهموه بالكفر أيضًا مثلما قال التكفيرى ربيب التكفيريين، كمال زروق، الذى حذر أتباعه من «الكفر الذى يروجه محمد حسان بادعائه أن الله فى السماء، وتفسيره للقرآن بما يخالف منهاج أهل السنة والجماعة، مدعيًا أنه منهم، موردًا قول الشيخ الطاهر بن عاشور فى تفسيره لقوله تعالى «أَأَمِنتُم مَّن فِى السَّمَاءِ» «سورة الـملك/16» فى الـموضعين من قبيل الـمتشابه الذى يعطى ظاهره معنى الحلول فى مكان، وذلك لا يليق بالله وقول على رضى الله عنه ما نصه: كان الله ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان» أى بلا مكان، وهذا مصداق قول رسول الله: «كان الله ولم يكن شىء غيره»، وكذلك قول الإمام الشافعى ما نصه: «إنه تعالى كان ولا مكان، فخلق المكان، وهو على صفة الأزلية كما كان قبل خلقه المكان لا يجوز عليه التغيير فى ذاته ولا التبديل فى صفاته»، ومثله قال الإمام مالك والإمام أبوحنيفة وهو تنزيه الله عن الجهة والحد والمكان، وأن من نسب لله الجسم والحد والأعضاء يكفر، لأنه يكون شبّه الله بخلقه، وهذا تكذيب للقرآن، فعليه الرجوع للإسلام بترك الردة، والنطق بالشهادتين بقول: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله».



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;