المحطات الـ9 لحكم مبارك.. بدأ بالإفراج عن السياسيين وإطفاء حرائق الغضب.. وأحداث الأمن المركزى كادت تطيح بنظامه.. ونجح في استعادة طابا وإسقاط ديون مصر.. وتوريث الحكم لجمال وانتخابات 2010 عجلوا بالنهاية

3 عقود كاملة من عمر الوطن قضاها مبارك قابضا على السلطة في مصر، مر العالم خلالها ومصر في القلب منه بتحولات كبرى، انتهت الحرب الباردة، وسقط سور برلين، ودخلنا عصر القطب الواحد، وبدلت أمريكا 5 رؤساء جمهورية، ومات حافظ الأسد، وعلق صدام حسين على المشنقة، وحوصر عرفات حتى الموت، بينما ظل مبارك رئيسا لمصر، و من دون شك فإن هذه السنوات شهدت محطات مفصلية أثرت في حكم مبارك سلبا وإيجابا، وفيما يلى محاولة لرصد أهم المحطات المفصلية في حكم مبارك: المحطة الأولى : إطفاء الحرائق في أيام حكمه الأولى كانت أعين مبارك معلقة بمجمع سجون طرة، حيث يتواجد نحو 1536 من السياسيين والنشطاء من مختلف التيارات، بموجب قرارات 5 سبتمبر 1981 التي أصدرها الرئيس الراحل أنور السادات قبل اغتياله، أراد مبارك في بداية حكمه أن ينتقل بمصر من خريف الغضب إلى شتاء الطمأنينة، فتحرك سريعا بإيفاد محامى مبعوث للقاء رموز السياسيين المتواجدين في طرة، وتقديم وعد لهم بالإفراج عنهم بعد نهاية ذكرى الأربعين للرئيس السادات، كما روى الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل . أفرج مبارك عن أول دفعة من المتحفظ عليهم في طرة وعددهم 31، حيث خرجوا من السجن إلى القصر للقاء الرئيس الجديد، كان بينهم أسماء لرموز كبيرة مثل محمد حسنين هيكل، فؤاد سراج الدين، عبد العزيز الشوربجى، نوال السعداوى، وكان المشهد يبشر بأن الحاكم الجديد يسعى إلى تصفير الأزمات، وإتاحة مساحة للعمل السياسى بقيود محدودة. المحطة الثانية :تمرد داخل الثكنة كان مبارك يستعد لتجديد ولايته في حكم مصر للمرة الثانية قبل أن يفاجأ بتحرك آلاف من جنود الأمن المركزى من معسكراتهم في انتفاضة غاضبة، بعد أن تسربت شائعات بمد فترة خدمتهم من 3 إلى 5 سنوات، وأيضا احتجاجا على سوء أوضاعهم الاقتصادية، وكاد نظام حكم مبارك أن يسقط فعلا، لولا التدخل المباشر من جانب الأجهزة الأمنية. يروى الدكتور كمال الجنزورى نائب رئيس مجلس الوزراء آنذاك في مذكراته عن هذه الأحداث قائلا: "فى اليوم التالى وهو يوم 27 فبراير 1986، كانت الأمور قد استقرت فى الشارع والقوات سيطرت تماما على الموقف، وكنا مجموعة قليلة مع المشير فى مقر القيادة رغم أننى لست عسكريا، ولكن قربى منه سمح لى بزيارته فى ذلك اليوم. لم يكن اجتماعا ولم يكن شيئا رسميا، ولكن كان لقاء به قدر من الارتياح يحس به القائد الذى أنقذ البلد وهو المشير أبوغزالة. فى هذا اللقاء، قال أحد القادة العسكريين القريب جدا من المشير أبوغزالة: كفاية كده يا سيادة المشير، خلّصنا منه (يقصد الرئيس) بقا حتى يستقر البلد. فرد عليه المشير أبوغزالة على الفور، وبكل حزم وبالحرف الواحد: لا يمكن لى أن أفعل ذلك وإن أخطأت وفعلت، فسيفعل معى فيما بعد." أسفرت هذه الأحداث عن إقالة اللواء أحمد رشدى وزير الداخلية الذى كان يتمتع بشعبية ظلت حاضرة حتى وفاته قبل سنوات قليلة، وللمصادفة فإن وفاة مبارك تصادفت مع الذكرى الـ24 لأحداث الأمن المركزى. المحطة الثالثة: استعادة الأرض في مارس 1989 كان مبارك على موعد مع التاريخ، حيث نجحت مصر أخيرا في استعادة كامل التراب الوطنى عن طريق التحكيم الدولى الذى انتهى إلى أحقية مصر في طابا ،وصفت المفاوضات وقتها بأنها المعركة الثالثة لتحرير سيناء ،بعد معركتى الحرب والسلام ،كانت فرصة جيدة لكى يصنع مبارك إنجازا كبيرا لحكمه. يروى الدكتور مفيد شهاب عضو اللجنة القانونية لاسترداد طابا، أن مبارك أظهر دعما غير محدود للجنة، وأن موقفه كان مشرفا للغاية، ويقول في أحد حواراته الصحفية :" عندما بدأ يتبين لإسرائيل أثناء التحكيم أن موقفها أصبح ضعيفاً، عرضت تسويات ودية وسطية، وتحدث «مبارك» ذات مرة إلى أعضاء اللجنة قائلاً: «الإسرائيليين بيكلمونى عايزين حلول وسط، وطمعانين تبقى الأرض تحت الإدارة المشتركة أو نصفها لإسرائيل ونصفها لمصر.. لكن أنا رفضت تماماً. قلت لهم مش ممكن»، مؤكداً أن الرئيس الأسبق كان حاسماً فى رفض الحلول الوسطية وكافة التسويات التى تم عرضها، لأن الأمر يتعلق بتراب الوطن" حصل مبارك في هذه المعركة على إنتصارا يخفف من غلواء كثيرا من تعثرات نظامه الاقتصادية التي كانت تضغط بشدة على المواطن في هذا التوقيت المحطة الرابعة : ام المعارك في أغسطس 1990 خرجت الكويت مؤقتا من الجغرافيا ،وأصبحت جزءا من التاريخ ،إثر الغزو العراقى المفاجئ ،وقرار صدام حسين بأن الكويت هي المحافظة رقم 19 في الأراضى العراقية ،كان الحدث بمثابة زلزال داخل مصر وخارجها ،استدعت الفتاوى الدينية والتبريرات التي تساند موقف كل طرف ،وثار خلافا عربيا ضخما حول شرعية مشاركة القوات العربية في التحالف الدولى لصد العدوان العراقى وتحرير الكويت قاد مبارك باقتدار جلسة عاصفة لجامعة الدول العربية ،استصدر من خلالها قرارا بالأغلبية بمشاركة القوات العربية في التحالف الدولى ،وقتال الفئة الباغية بحسب فتوى الأزهر وقتها ،إشتعل الشارع العربى بين مؤيد ومعارض ،لكن مشاركة مصر في هذا التحالف كانت محطة فارقة في علاقة مبارك بالدول العربية ،ظل الجميع يحفظ له حتى مماته موقفه هذا ،وكانت أهم النتائج التي ترتبت على المشاركة المصرية هي إسقاط ديون مصر وكانت قيمتها 43 مليار دولار وهو بمبلغ ضخم بمعايير ذلك الزمان . ربحت مصر الخليج كما لم تربحه من قبل ،وأسقطت ديونها ،وتجاوز مبارك نسبيا أزمته الاقتصادية. المحطة الخامسة: النجاة كانت ذكريات المنصة تتداعى في ذهن مبارك عندما فوجئ بوابل من النيران يداهم سيارته بعد وصوله إلى العاصمة الأثيوبية أديس بابا للمشاركة في القمة الأفريقية في صيف 1995 ، تصرف الحرس المرافق له على نحو فدائى ،قال هو بنفسه في سلسلة لقاءات شعبية عقدها بعد عودته إلى مصر أنهم تمكنوا من تأمينه بدون ساتر ،بينما كان يطلق عليهم النار من أعلى شرفات المنازل . عاد مبارك إلى مصر محملا بعداء صارخ إلى نظام جيرانه الإسلاميين في السودان بزعامة عمر البشير وحسن الترابى ،بعد أن تبين له رعايتهم لهذه العملية ،خرج مبارك ليهاجمهما بالأسم ،في مؤتمرات جماهيريه ،هدد بالاطاحة بالنظام السودانى ،وبقيت في ذاكرة الملايين مشهد لقاءه مع الشيخ الشعراوى وجملته الشهيرة :"ان كنا قدرك فليعنك الله علينا ،وان كنت قدرنا فليعنا الله عليك " يذهب كثير من المحللين إلى ان مصر مبارك أدارت ظهرها لافريقيا ،وأسقطتها من حساباتها بعد هذه المحاولة الفاشلة المحطة السادسة :التوريث كانت المعلومات المتاحة عن جمال مبارك شحيحة وقليلة ،قبل أن يظهر بقوة في بداية الالفية الجديدة ،لقيادة عملية التطوير داخل الحزب الوطنى الحاكم ،بالإضافة إلى تشكيل جمعية جيل المستقبل ،سرت الهمهمات سرا حول نية مبارك توريث الحكم لنجله جمال ،بدأ الربط بين ما يحدث في مصر وما حدث قبلها بسنوات قليلة في سوريا ،تحدث الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل عن التوريث لأول مرة في محاضرة داخل الجامعة الأمريكية ،و حين سقط مبارك مغشيا أثناء إلقاء خطاب إفتتاح الدورة البرلمانية عام 2003 ،ظهر مصطلح التوريث الحكم إلى العلن ،وظل يلاحق مبارك حتى إنتهى حكمه. لاحقا نفى مبارك أكثر من مرة نيته توريث الحكم إلى جمال ،لكن أحدا لم يصدقه ،بسبب أن الأرض كانت تمهد بقوة للتوريث ،حيث بدأ رجال مبارك يختفون من المشهد شيئا فشيئا ،وحل محلهم أصدقاء نجله جمال ،ومبارك في المقابل يكتفى بالنفى ،ولم يتخذ اى خطوة حقيقية لابعاد نجله عن المشهد السياسى إلا عندما فات الأوان ونزلت الجماهير إلى الشارع في 28 يناير 2011 المحطة السابعة :لا للتوريث كان عام 2005 فارقا بما تحمله الكلمة من معنى في حكم مبارك ، قبل أن تبدأ بأيام كانت مجموعة صغيرة من السياسيين تتجمع أمام دار القضاء العالى وترفع ملصقات صفراء تحمل شعار "كفاية" ،تم تفسير الشعار لاحقا ب"لا للتمديد ..لا للتوريث"،حيث كان مبارك في هذا العام على موعد من تجديد ولايته ،وفى هذه المرة قرر أن يعدل الدستور ليصبح اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب الحر المباشر لأول مرة في تاريخ مصر ،لكن هذا التعديل لم يكن كافيا لأنه حصر خصومه في الانتخابات الرئيسية بالقيادات في الأحزاب الرسمية ،ورأت المعارضة أن هذا الشرط يسقط عن الانتخابات صفة الجدية ويجعلها هزلية ولا جدوى منها . مر التعديل الدستورى ،مرت الانتخابات الرئاسية وحصل مبارك على الولاية الرابعة ،لكن المظاهرات بدأت في التحرك ضده على نحو لم يعرفه عهده من قبل ،يرى كثير من المراقبين أن مبارك كان يستطيع ان يجنب نفسه ويجنب مصر كل ماجرى لو كان قرر الإبتعاد عن المشهد السياسى في 2005 ،وأشرف بنفسه على الإنتقال الديمقراطى للسلطة. المحطة الثامنة :انتخابات مزورة تولى أحمد عز أمين التنظيم في الحزب الوطنى الحاكم إدارة الانتخابات البرلمانية لعام 2010 ،إنتهت النتائج إلى إقصاء كل المعارضة تماما من البرلمان ،وهو منطق يخالف تماما الطريقة التي إعتاد عليها رجال مبارك في إدارة الانتخابات ،وإذا كان التزوير كان هو السمة المميزة لانتخابات عهد مبارك ،لكن كان دائما هناك حرص على منح الجميع مقاعد محدودة في البرلمان مع الإحتفاظ بالأغلبية الكاسحة للحزب الوطنى . يتفق كثيرون على أن النتائج الكارثية لانتخابات 2010 كانت هي الشرارة المحركة للاحداث في يناير 2011 ،مع عوامل أخرى. المحطة التاسعة:الميدان بدأ يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 عاديا جدا ،مظاهرة صغيرة أمام دار القضاء العالى ،تسير بهدوء إلى ميدان التحرير ،مثلها مثل الاف المظاهرات التي كانت تشهدها وسط القاهرة منذ 2005 وحتى هذا التاريخ ،لكن تطورات الأحداث حملت تصعيدا لم يكن أحد يتوقعه ،المهم هنا أن خطوات مبارك خلال ال18 يوما من المظاهرات كانت أقل بكثير من مستوى الحدث ،وقراراته كانت بطيئة للغاية ،في البداية إمتنع عن إتخاذ اى تصرف حين كانت منتهى الأمال إقالة وزير الداخلية ،وقرر إقالة الوزارة بأكملها عندما وصل سقف المطالب إلى تنحيه هو شخصيا عن السلطة ،الإدارة للمشهد كانت مرتبكة للغاية ،لكن الجميع يحفظ له حتى اليوم أنه رحل في هدوء وجنب مصر سيناريوهات كارثية حدثت في دول أخرى .




















الاكثر مشاهده

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

رابطة العالم الإسلامي تُدشِّن برنامج مكافحة العمى في باكستان

جامعة القاهرة تنظم محاضرة تذكارية للشيخ العيسى حول "مستجدات الفكر بين الشرق والغرب"

;