مصر ولبنان فن واحد وقلب واحد.. من القاهرة صنعت آسيا داغر وجورج أبيض ومارى كوينى نهضة مسرحية وسينمائية انتقلت للعالم العربى.. كيف أصبح كازينو بديعة جامعة عربية لتخريج المبدعين؟

- الشحرورة ونور الهدى ونجاح سلام وسعاد محمد - حكايات بلابل بيروت فى سماء أم الدنيا - أسرار سفر عبدالمطلب وفريد شوقى وإسماعيل ياسين وزينات صدقى إلى لبنان وكأن الفن نهر يجرى بين البلدين، يجمعما برباط واحد فلا تستطيع أن تفرق بين المنبع والمصب، دماء واحدة تسرى بين الجسدين، نجوم تضىء فتنير سماء فن واحدة يستمتع بنورها كل الوطن العربى فلا تكاد تميز، إن كانت هذه النجوم مصرية أم لبنانية. هكذا كانت ولا تزال مصر ولبنان دائما يد واحدة فى الفن، وسماء واحدة تمتلئ بالنجوم المضيئة المبدعة، إبداع ينبض من قلب واحد ودماء تسرى فى عروق واحدة، تعبر عن الحب والحزن، تشد العزائم وتلهب الحماسة فى الحرب، وتعبر عن الفرح والفخر فى الانتصارات، وتوحد المشاعر والقلوب فى الأزمات، فينتصر نورها على كل قوى الظلام. طوال التاريخ ينتقل أهل الفن بين البلدين، يبدأ أحدهم هنا ويتألق هناك، يواجه عسرا فى لبنان فيجد اليسر فى خطوة إلى مصر أو العكس، ينتقل صغيرا إلى مصر فيكبر وينشئ نهضة ويصبح علماً من أعلام الفن، وتنصهر الجنسيات وتختفى الفروق. من يصدق أن عملاقة الكوميدية مارى منيب التى أتقنت أدوار الحماة أصولها شامية وأن عبدالسلام النابلسى جذوره لبنانية، ونجاح سلام التى غنت ياأغلى اسم فى الوجود ليست مصرية، وغيرهم مئات الفنانون الذين انتقلوا بين مصر ولبنان وصنعوا نهضة فنية تسرى فى نهر واحد لتأكد أن مصر ولبنان يد واحدة وفن واحد وقلب وإبداع واحد. وكانت مصر تفتح أبوابها دائما لكل موهوب من أى بلد عربى وتمنحه فرصة للظهور والشهرة والانتشار والنجومية فى الوطن العربى كله وليس فى بلد واحد، وكان للفنانين اللبنانيين حظ كبير فى مصر، فأصبحوا روادا للفن والطرب والتمثيل والإخراج، كما كانت لبنان دائما قبلة للفنانين المصريين ينتقلون إليها وينقلون إليها إبداعهم. نهضة السينما والمسرح بأيدٍ مصرية لبنانية وإذا تحدثنا عن نهضة السينما والمسرح فى الوطن العربى نجد أعلاما ورواد من أصول لبنانية انتقلوا فى بداياتهم إلى مصر فاحتضنتهم ووجدوا الفرصة لإنشاء نهضة شكلت مدارس فنية تخرج منها مئات المبدعين، ومن هؤلاء الرواد جورج أبيض وآسيا داغر ومارى كوينى، وهنرى بركات، وروزاليوسف، وغيرهم. فلا أحد ينسى تأثير ودور الفنانة المنتجة آسيا داغر المولودة فى لبنان عام 1912، والتى وصلت الى مصر مع شقيقتها مارى داغر وابنتها الصغرى مارى كوينى عام 1923، وأسست شركة الفيلم العربى للإنتاج وأنتجت فيلم «غادة الصحراء»، وقامت ببطولته مع وداد عرفى ومارى كوينى وعرض فى القاهرة وبيروت فى نفس العام 1929. وكان لآسيا داغر دور فى حياة المخرج هنرى بركات ذو الأصول اللينانية، حيث منحته فرصة ليتحول من مساعدا للمخرج أحمد جلال إلى مخرج، وكان وقتها فى الثامنة والعشرين من عمره وعائدا لتوه من أوروبا، كما اكتشفت العديد من الوجوه الجديدة سواء فى التمثيل أو الإخراج ومنهم «يوسف معلوف وحسن الإمام وإبراهيم عمارة، وعبدالسلام النابلسى، وممدوح شكرى وفاتن حمامة وصباح وصلاح نظمى وأحمد مظهر وسعاد محمد ومحمد سلطان وصلاح ذو الفقار وغيرهم. وأنتجت آسيا داغر عدداً من أهم أفلام السينما المصرية ومنها: رد قلبى، أمير الانتقام، الناصر صلاح الدين، اليتيمتان، لو كنت غنى، معلش يا زهر، وغيرها. أما الفنانة مارى كوينى فقد كان لخالتها آسيا الفضل فى تقديمها للشاشة فى عدد من الأفلام التى أنتجتها، وفى تلك الفترة تعرفت آسيا داغر بالمخرج أحمد جلال وتزوجه بعد قصة حب وكونت معه شركتهما الخاصة، لينطلقا بعدها إلى النجاح الذى استمر حتى بعد وفاة أحمد جلال الذى أنجبت منه ابنها المخرج الكبير نادر جلال، ثم اعتزلت التمثيل وأسست استوديو جلال ثم أسست مع ابنها شركة أفلام جلال للإنتاج السينمائى. ومن بين الرائدات اللبنانيات فاطمة اليوسف التى أصبحت روزاليوسف، تلك المبدعة متعددة المواهب التى قدمت إلى مصر من لبنان وهى صبية يتيمة واحترفت الفن والمسرح فى بداياتها، وكانت ممثلة مسرحية موهوبة ولقبت باسم «سارة برنار الشرق»، وبعدها اتجهت للصحافة وأسست مجلة رروزاليوسف التى كانت بداية نهضة صحفية وفكرية وخرّجت جيلاً كاملاً من الكتاب السياسيين والصحفيين. وينتمى كذلك عدد من رواد المسرح إلى لبنان ومنهم وأهمهم الفنان الكبير جورج أبيض الذى ولد فى لبنان عام 1880، وهاجر إلى مصر و عمره 18 عاما وكان مفلسا لا يحمل من الشهادات سوى دبلوم فى التلغراف وعمل فى بداياته بسكك حديد الإسكندرية. وفى عام 1904 شاهده الخديوى عباس فى مسرحية سياسية مترجمة تحت عنوان «برج نيل»، فأعجب به وأرسله إلى باريس لدراسة الفن، وعاد لمصر عام 1910، وأسس أشهر فرقة مسرحية وقتها وقدمت فرقته أكثر من 130 مسرحية، كما كان من رواد السينما وقدم أول فيلم غنائى مصرى وهو فيلم أنشودة الفؤاد عام 1932، وفى عام 1943 انتخب كأول نقيب لنقابة للممثلين فى مصر. بديعة مصابنى أم المبدعين ولا تكاد تذكر أحد مبدعى الاستعراض والفن فى مصر إلا وتجد اسمه مقرونا فى بداية حياته باسم صالة وفرقة بديعة مصابنى الشهيرة التى خرجت الكثير من نجوم الفن والاستعراض، وبديعة مصابنى أحد رائدات السينما والمسرح ولدت فى لبنان عام 1892 وبدأت حياتها راقصة ثم جاءت إلى مصر وأسست فرقة للرقص والتمثيل المسرحى، كانت أشبه بمدرسة فنية تخرج منها عدد كبير من الفنانين ومنهم فريد الأطرش وتحية كاريوكا وسامية جمال وحورية محمد وببا عز الدين ومحمد عبدالمطلب وهاجر حمدى ومحمد الكحلاوى ومحمد فوزى وإسماعيل ياسين. بلابل لبنان تغرد فى مصر جاءوا إلى مصر فى مرحلة مبكرة من شبابهم وصباهم، تطلعاً لتحقيق أحلام كانوا على يقين بأنها لن تتحقق إلا فى مصر التى فتحت لهم أبوابها وفتحت لهم معها أبواب المجد والشهرة، غنوا بلهجة مصرية واندمجوا وانصهروا فى المجتمع المصرى وعبروا عنه، بلابل من لبنان غردت فى مصر وانطلقت منها شهرتهم للعالم العربى. ومن أشهر هؤلاء المطربين الشحرورة صباح التى اكتشفتها المنتجة أسيا داغر وقدمتها فى فيلم «القلب له واحد» عام 1945 وتوالت بطولاتها السينمائية أمام كبار النجوم والمطربين ومنهم فريد الأطرش و محمد فوزى وعبدالحليم حافظ و رشدى أباظة، وغنت صباح لمصر وللحب وعشقت صباح تراب مصر ونالت محبة الملايين. أما الفنانة الكبيرة سعاد محمد فكانت تحلم منذ طفولتها بالمجىء إلى مصر بعد أن استمع لها الموسيقار الكبير زكريا أحمد فى بيت المطربة صباح وأعجبه صوتها ونصحها بأن تأتى إلى أم الدنيا، وبالفعل جاءت إلى مصر وقامت ببطولة فيلم فتاة من فلسطين أنتجته لها آسيا داغر، وانطلقت شهرتها ولحن لها أشهر الملحنين. كما انطلقت من مصر شهرة المطربة نور الهدى التى ولدت فى لبنان عام 1924، وأطلق عليها لقب «أم كلثوم لبنان» واكتشفها الفنان الكبير يوسف وهبى وقدمها للشاشة كبطلة فى فيلم «جوهرة» عام 1943، وبعده قدمت نور الهدى 24 فيلماً غنائياً شاركها فيها كبار المطربين ومنهم الموسيقار محمد عبدالوهاب ،ومحمد فوزى وفريد الاطراش. وارتبطت المطربة الكبيرة نجاح سلام المولودة فى بيروت عام 1931 بمصر وأهلها وغنت فى حب مصر عشرات الأغانى الوطنية والحماسية فى فترات الحرب ألهبت حماسة الشعب والجنود ومنها يا أغلى اسم فى الوجود، أنا النيل مقبرة الغزاة، مقاومة، الله على النصر وغيرها. فنانون مصريون فى لبنان وطوال التاريخ الفنى كانت لبنان قبلة للفنانين المصريين، يذهبون إليها فى أوقات الأزمات أو فى جولات فنية لنشر فنهم أو لتصوير الكثير من الأعمال. وسافر إلى لبنان العديد من نجوم الفن سواء فى بداياتهم أو بعد شهرتهم ومنهم محمد عبدالمطلب الذى سافر إلى بيروت مع بداية تألقه الفنى وتعرف فى إحدى سفرياته على عائشة عز الدين أو «شوشو عز الدين» شقيقة الراقصة ببا عز الدين ونشأت بينهما قصة حب وتزوجها عام 1938، ولم يكن عمرها وقتها تجاوز 16 عاما، وأنجب منها التوأم «نور وبهاء» عام 1940. كما سافرت إليها زينات صدقى مع مجموعة من الفنانين الذين كانوا يعملون فى فرقة الريحانى بعد وفاته ، وعملت مطربة فى المطاعم والمسارح، وكانت تغنى عددا من أغنيات المطربة فتحية أحمد، وفى إحدى الليالى صادف أن تواجدت المطربة فتحية أحمد فسمعت زينات صدقى تغنى أغانيها فغضبت وجرت وراءها وحاولت ضربها، وكان هذا آخر عهد زينات صدقى بالغناء كما أشارت حفيدتها عزة مصطفى فى حوار لـ«انفراد» وعادت زينات بعد ذلك إلى مصر. أما اسماعيل ياسين فقد سافر إلى لبنان بعد انحسار الأضواء عنه فى نهاية حياته مما اضطره إلى حل فرقته المسرحية عام 1966، وعمل فى بعض الأفلام القصيرة هناك، كما عاد ليعمل مرة أخرى كمطرب للمنولوج كما بدأ، وبعدها عاد إلى مصر. وبعد نكسة عام 1967 وتعطل الانتاج السينمائى فى مصر سافر عدد من الفنانين المصريين إلى لبنان، وهو ما أدى إلى انتعاش صناعة السينما فى لبنان، وكان من أهم الفنانين الذين سافروا خلال هذه الفترة وحش الشاشة الفنان الكبير فريد شوقى الذى سافر إلى لبنان ومنها إلى تركيا وأنشأ شراكة بين السينما التركية واللبنانية، وقدم عدد من الأفلام يصل إلى 15 فيلما سينمائيا شاركه فيها المخرج اللبنانى سيف الدين شوكت. هكذا كان الفن نهرا متدفقاً بين مصر ولبنان فى أوقات الشدة والرخاء، يفيض فيملأ العلم العربى إبداعاً وفناً ويحلق بأجنحة لا تعرف حدود ولا حواجز وينتصر على كل الأزمات ويزيل كل الهموم.
















الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;