إبداع فلاحى الدقهلية.. يلونون السواقى بألوان زاهية ويستحدثون نظم الرى لمضاعفة الإنتاج وترشيد الاستهلاك.. ويؤكدون: الألوان أضفت البهجة وحافظت عليها من الصدأ.. وساعدتهم على التحقق من عملها عن بعد.. فيدي

تطورت نظم الرى عبر التاريخ مع تقدم الحياة البشرية والاحتياج الدائم لرفع إنتاجية المحاصيل، فاعتمد المصريون القدماء على نهر النيل فى الرى إما عن طريق حفر القنوات المختلفة أو عبر تقنيات رفع المياه مثل الشادوف والساقية. وبدأت نظم الرى عند الفلاح المصرى القديم باعتماده على مياه الفيضان لرى محاصيلهم، حيث كانت تغمر مياه النيل الضفاف الفيضية للنهر بارتفاع يصل إلى 1.5 متر خلال شهر سبتمبر وكانوا يبنون الأحواض لتجميع المياه من أجل تشييع كافة الأراضى ثم يتم تصريف هذه المياه بعد انتهاء عملية الرى. وكانوا يقومون ببناء أحواض صغيرة مقسمة بحواجز تحتجز مياه النهر والآبار لرى الأراضى التى تحتاج للرى طوال العام، وظلت هذه الطريقة مستعملة حتى ظهور تقنيات رفع المياه مثل الشادوف والدولاب المائى (الساقية). وبعد فترة بدأ الفلاح يطور من نظم الرى لديه، فقام بإدارة مياه الفيضانات وتصريفها باستخدام بوابات التحكم والحواجز الترابية، والتى سمحت بوصول مياه الفيضان إلى أراض بعيدة لا يمكن وصول مياه الفيضان إليها فى الظروف الطبيعية، وساهمت شبكات القنوات المائية فى نقل مياه الرى وصرف المياه الفائضة، وسمى هذا النظام بنظام الأحواض. وساهم هذا النظام فى زيادة مساحة الأراضى الزراعية. ومن ثم بدأ المصريون فى رفع مياه الرى باستخدام الشادوف، وهو عبارة عن عبارة عن عمود يتم صناعته من الخشب، ويتم تثبيت الشادوف على حافة النهر، يثبت بداخله حبلا طويلا يتم من خلاله ملئ الشادوف بالماء، وبعد ذلك ينقل الشادوف الماء من البحر إلى حوض الرى ومن حوض الرى إلى الأرض الزراعية. وسمحت هذه الطريقة برى المساحات الصغيرة والقريبة من ضفاف النيل المناطق التى لا تصلها المياه خلال فصل الصيف، ومن ثم ظهر "الدولاب المائي" أو ما يعرف بالساقية، وهى عبارة عن عجلة مصنوعة من المعدن المقوى، يركب نصف منها فى الماء والنصف الآخر فوق الأرض، وبدورانها تروى الأرض. واستطاعت أن ترفع المياه لرى مساحات أكبر من التى كان يرويها الشادوف، وبالإضافة إلى ذلك قام الفلاح بشق الترع والرياحات الكبرى، وإنشاء القناطر لحجز المياه. وبرغم التطور التكنولوجى الذى شهدته البشرية فى كافة مناحى الحياة ومن ضمنها نظم الرى التى استحدثت من نظم الرى بالغمر إلى نظم الرى الحديث فى ظل محدودية الموارد المائية وزيادة الطلب على المياه، إلا أنه لا تزال "الساقية" رمزا للحضارة المصرية الأصيلة، ومن أعظم الآلات التى ابتكرها المصرى للحفاظ على خصوبة أرضه، ولا يزال الفلاح يقدسها ويؤمن بأهميتها بالرغم من ظهور آلات جديدة للرى قللت من الوقت والجهد والمال، ورشدت من استهلاك المياه والأسمدة، وزادت من الإنتاجية والعائد الاقتصادى للمزارع المصرى، وقللت من تكاليف الرى، وضمنت استدامة الموارد المائية المتاحة للأجيال المقبلة، وحققت الاكتفاء الذاتى والأمن الغذائى للمواطن المصرى. وعند مرورك بقرية الروضة بمدينة طلخا بالدقهلية، سيلامس قلبك سواقى لم يتبقى منها الكثير ولكنها تصارع من أجل البقاء بألوانها المبهجة وسحرها وهى تدور لتروى عطش الأرض، ونغم مياهها الذى يهمس ويتسلل إلى الروح، وعطائها وخيرها الذى لا ينضب، يحرسها فلاحون وهبوا حياتهم للأرض يكافحوا ويشقوا الصخر متسلحين بالصبر متحملين مشقة العمل القاسية فى حراثة الأرض وريها وزراعتها ليعطونا من ينبوع خيراتها. فلا يزال الفلاح المصرى هو ملهم المبدعين وعنوانا للفن والجمال والأصالة، يعيش حياته فى سبيل الأرض محاولا البحث عن كل ما هو جديد ليحافظ علىها ويقدم لها كافة سبل الراحة، فقام مجموعة من الفلاحين بقرية الروضة بالدقهلية باستحداث سواقى جديدة مطلية بالألوان تضاعف من الإنتاج برى عدد أكبر من الأراضى فى أن واحد، وبالجهود الذاتية قاموا بتبطين مروى الأرض لترشيد استهلاك مياه الرى. وقال على ابراهيم يوسف أحد فلاحى قرية الروضة لـ "انفراد"، إنهم يعملون على خلق أفكار جديدة لاستحداث نظم رى الأراضى الزراعية، وكان أولها قيامهم بطلاء السواقى "المجاميع" بالألوان حتى تحافظ عليها من الصدأ، وتساعدهم على معرفة ما إذا كانت المجموعة تعمل وتدور أم متوقفة من مسافة بعيدة عنها. وأوضح ابراهيم، أن فكرة طلاء السواقى بالألوان جاءت لدى مجموعة من فلاحى القرية وبدأوا بتنفيذها على الفور، بعدما كانت تتهالك السواقى وتتلف، كما أنها أضفت بهجة خاصة للمكان شجعتهم على العمل فى ظل ظروف الحياة الصعبة. وقال، أن الفكرة نالت إعجاب جميع المارة على الطريق وجميع القرى المجاورة حتى بدأوا بتطبيق الفكرة عندهم. وأشار ابراهيم، إلى أن الساقية الملونة، "مجموعة" مستحدثة عن السواقى التقليدية، فكان كل فلاح فى الماضى يروى أرضه بماكينة صغيرة خاصة به، حيث أن كل أرض كان لها ماكينتها الخاصة التى ترويها، لدرجة أن الأراضى كانت مليئة بالماكينات من كل اتجاه، وهذا بدوره تسبب فى ازدحام الأرض الزراعية وإهدار كم كبير من مياه الرى، ولذلك قاموا باستحداث "تابوتا" وهى ماكينة واحدة تستطيع رى عدد كبير من الأفدنة الزراعية فى آن واحد. وقال إبراهيم، إنهم قاموا أيضا بتطوير واستحداث مروى الأرض، مشيرا إلى أن المروى القديم كان مبطنا بالطين، وهذا بدوره كان يهدر مياه الرى، فقام فلاحو القرية بالإشتراك مع بعضهم البعض فى بناء جسر مروى جديد مصنوع من قوالب الطوب والأسمنت مما ساعد على الحفاظ على المياه ووفر كثيرا من الوقت والجهد والمال. وقال أحمد محمد المرسى أحد فلاحى قرية الروضة، أن فكرة استحداث المروى توارثوها من أجدادهم، الذين كانوا يؤكدون لهم دوما على ضرورة الحفاظ على المياه من الإهدار، والاستعمال المنظم لمياه الرى. وأوضح أحمد، أن المروى القديم كان عميقا جدا وواسعا مما جعله يهدر مياه الرى، كما أنه كان مليئا بالحشرات لكونه مصنوعا من الطين، فقاموا بردم المروى القديم عن طريق حفار وبنوا المروى الجديد بممر أضيق من قوالب الطوب وبهذا تمكنوا من الحفاظ على المياه. وأشار إلى أنهم يفكرون حاليا فى استبدال الجاز الذى يشغل السواقى بالكهرباء، مما سيوفر لهم مزيدا من الوقت والجهد والمال وسيزيد من ترشيد المياه.
































الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;