كانت الساعة تشير نحو التاسعة من صباح يوم السبت الماضي 25 ديسمبر، حيث كنا في الصالون الملحق بقاعة الحدث الرئاسي في منطقة بمركز قوص التابع لمحافظة قنا، والتى تبعد عن فنادق إقامتنا في الأقصر بنحو 45 دقيقة بالسيارة.
بينما كنا ننتظر وصول الرئيس عبد الفتاح السيسى لافتتاح عدد من المشروعات التنموية في إطار "أسبوع الصعيد"، قال لي أحد الزملاء الذي يراسل مؤسسة إعلامية إقليمية عملاقة، إن أجندة التوقعات اليومية التي يبلغ بها مؤسسته التي يعمل بها حتي يتسني لها فرد مساحات للتغطيات الإعلامية عن مصر لم تخل دائمًا من افتتاح الرئيس السيسى لمشروعات جديدة، حتي أن ذلك قد أثار زميله الذي يتسلم منه أجندة التوقعات في مقر المؤسسة خارج مصر، وقال له بلهجة إعجاب: "هو انتم كل يوم عندكم افتتاحات؟ّ!"؛ ابتسمتُ لزميلي وقلت له مازحًا: " قول له ما شاء الله يا عم!"، ضحك زميلي ثم بعد ذلك اتجهنا نحو القاعة الرئيسية استعدادًا للافتتاحات الرئاسية.
لن أتطرق هنا تفصيلًا إلى حجم وعدد المشروعات التي تم افتتاحها في أربعة أيام من قوص وتوشكي وبنبان وأسوان، والتي شاهدها الملايين عبر شاشات الفضائيات والمواقع والصحف ومنصات التواصل الاجتماعي، فهي تحتاج إلي حلقات كي نستوعب هذه الطفرة في التنمية والتوجيهات والأرقام؛ لكنني سأتوقف عند بعض الرسائل التي بعث بها الرئيس السيسى في أثناء مداخلاته وتعقيباته الكثيرة، وهي- من وجهة نظري- جواهر ثمينة يجب أن نحافظ عليها مثل احتياطيات البنوك المركزية في العالم من المعدن النفيس.
أولي هذه الرسائل، هي مطالبة الرئيس للمصريين بأن يجتهدوا ويطوروا من قدراتهم، ودائمًا ما يكرر طلبه للمصريين بأن "يحلموا" ولا ييأسوا أبدًا من تحقيق الإنجازات، لأن الإنسان المخلص لله ولوطنه وأهله سيستطيع الوصول إلي تحقيق أهدافه مهما كانت الصعوبات والعراقيل والتحديات، وقد كشف الرئيس في يونيو الماضي عن أن إطلاق مشروع "مشتقات البلازما" كان حلمه منذ كان وزيرًا للدفاع، ولم يتحقق طوال 7 سنوات، مضيفًا أنه "لم ييأس، وقامت الدولة بالتحرك، وسيتم افتتاح المصنع خلال سنة ونصف".
وخلال افتتاح محطة بنبان للطاقة الشمسية، علق الرئيس السيسي، على مشكلة الكهرباء التي شهدتها البلاد في 2014، وقال إن أعباء المشاريع ضخمة جدًا على الدولة والديون، حيث كنا أمام خيارين، إما الاستسلام لليأس وعدم حل المشكلة علي اعتبار أن هناك دولًا استغرقت 15 و20 سنة في في مشكلة الكهرباء ولم تحلها؛ لكن الدولة المصرية رأت أن الأمن القومى في مصر يمكن أن يتأثر جدًا باستمرار هذه المشكلة، خصوصًا وأن الدولة المصرية تسير باتجاه تدشين جمهورية جديدة لها شأن كبير، ومن ثم منح فرصة للقطاع الخاص والاستثمارات والصناعة للنمو.
الرسالة الثانية، عندما تحدث الرئيس عن أحداث 2011، وكيف أن مصر دفعت ثمنًا باهظًا بسبب تلك الأحداث، مطالبًا المصريين بوضع هذه الأحداث نصب أعينهم دائمًا، حيث إن الفوضي لا تبني دولة بل تؤدي إلي الخراب والدمار، وأنه لولا عناية الله لصارت مصر تعاني من مصائر دول أخري لم تعد إلي سابق عهدها حتي الآن ولا زالت تواصل دفع الفواتير الباهظة.
ثم كانت الرسالة الثالثة، عندما أكد الرئيس علي أن دولة مثل مصر بالظروف الاقتصادية الحالية لا يكفيها النجاح لتحقيق التنمية والرخاء لشعبها، بل تحتاج إلي طفرة أو قفزة، من خلال التسعير والحوكمة والإدارة الرشيدة في قطاع الأعمال العام، منتقدًا كفاءة الإدارة في القطاع الحكومي، في جرأة علي مواجهة مشكلاتنا وحلها بكل شفافية ووضوح، لم يعتادها المصريون علي مر التاريخ.
الرسالة الرابعة، كانت تأكيد الرئيس علي أن المشروعات القومية ضمن "أسبوع الصعيد" ليست مجرد مراسم احتفالية، بل إننا هنا لبناء البلد وتحمل مسئوليات أكثر من 100 مليون مصري؛ فالدولة تعمل بجد وتسابق الزمن من أجل مواكبة العالم الذي يتطور بقوة وبسرعة، ومن لم يلحق بركب التطور لن يكون له مكان علي الخريطة؛ وهنا أتذكر مقولة الرئيس السيسي الدائمة بأنه لا يتم أبدًا الإعلان عن مشروعات إلا بعد جاهزيتها بنسبة 100%، علي عكس العقود السابقة التي كانت تشهد وضع حجر أساس المشروعات دون تواجد حقيقي علي أرض الواقع.
والرسالة الخامسة، هي إشارة الرئيس السيسى بأن خوف المسئولين في السابق من خسارة المنصب، أدي إلي "الخراب"، رغم أن المنطق والحق يقولان إن الأيادي المرتعشة لا تبني أوطانًا وأن القرارات الخاطئة خوفًا علي هاجس "الشعبية" تضر بالبلد والمواطن، وكلها أسباب أدت إلي تدهور الخدمات وهددت مستقبل الشعب المصري، وجعلت الدولة "هشة" تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، حتي كادت تنهار في 2011.
هذه رسائل- أراها من وجهة نظري التي كونتُها عن قرب من خلال تواجدي في صعيد مصر لحضور "أسبوع الصعيد"- يجب أن تُوثّق ويتم التعاطي معها في المناهج وتتبناها منابر العلم وأكاديميات إعداد القادة؛ إذا كنا حقيقة نحلم بالجمهورية الجديدة التي دشنها وخطط لها الرئيس السيسى، فهي وثيقة عمل تستحق منا جميعًا البناء عليها.
ولكي تُتَرجم هذه الرسائل وتؤتي ثمارها علي أرض الواقع، يجب أن تتضافر مع دعوة الرئيس السيسي مؤسسات الدولة وخصوصًا وزارة التعليم العالي بتنظيم زيارات ميدانية لطلاب وطالبات الجامعات والمعاهد المصرية للمشروعات القومية التي تم افتتاحها منذ تولي الرئيس السيسي المسئولية، وهي كما قال الرئيس أفضل رد علي حملات التشكيك ضد قدرة الدولة المصرية، وهي الحملات التي يقودها ويمولها "أهل الشر" كذبًا وبهتانًا عبر مختلف منصات "السوشيال ميديا".
أقول، إذا كان الدكتور جمال حمدان قد صاغ بعبقرية شديدة كتابه العظيم "شخصية مصر" بكل أبعادها الإقليمية والبشرية والزمانية؛ فإن "السيسي" صاغ أيضًا بعبقرية شديدة تصل إلي حد الإعجاز مجلد "إنقاذ مصر" بعد أمواج عاتية كادت أن تتلاطمها وتقذف بها في بحر لجيّ إذا بحثتَ عنها لم تكد تراها!، لكنه (السيسي) لم يكتف بانتشالها إلي الشاطئ في محاولة لإنقاذها، بل أعاد إليها روحها وشبابها وحيويتها لتتقدم بخطوات متسارعة نحو التنمية والريادة علي كافة المستويات؛ حتي أيقن أعداء الأمس والمرجفون في المدينة أن مصراستفاقت بعد غفوة وأن كل السيناريوهات المسمومة التي رسموها وخططوا لها، ردّت سهامًا واستقرت في صدورهم!