يوسف أيوب يكتب: قوة الدولة فى التزامها بالاتفاقيات الدولية.. مصر ليست دولة "كرتونية" حتى تتخلى عن تعهداتها.. الدولة التى رفضت الخضوع بعد 25 يناير لمطالب إلغاء "كامب ديفيد" لن تتراجع الآن عن مبادئها

ما أكتبه الآن ليس له علاقة بحكم محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، واستمرار تبعية الجزيرتين للسيادة المصرية، ورفض دفع هيئة قضايا الدولة بعدم الاختصاص، لأننى مؤمن بأهمية إعلاء قيمة أنه لا تعليق على الأحكام القضائية حتى وإن تناولت هذه القضايا أموراً سياسية من الدرجة الأولى مثل مسألة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، لكنى أتحدث عن مبدأ مهم أيضاً وهو التزام الدول بتعهداتها الخارجية والاتفاقيات التى سبق توقيعها.

مصر منذ قديم الأزل معروف عنها أنها دولة تلتزم تعهداتها واتفاقياتها الدولية، ولا تتراجع عنها مطلقاً، لأن الأمر يدخل هنا ضمن أطار هيبة الدولة ووجودها وتعاملاتها الخارجية، واذا عدنا للوراء قليلاً سنجد تطبيقاً عملياً لما قلته، فبعد توقيع الرئيس الراحل محمد أنور السادات اتفاق السلام مع إسرائيل، ورغم المعارضة الداخلية الشديدة لهذا الاتفاق إلا أن الدولة المصرية مضت فى تنفيذه، ليس تجاهلاً لصوت المعارضة وإنما لترسيخ القاعدة الأهم المعروفة عن الدولة المصرية وهى تنفيذ التزاماتها الدولية.

حتى بعد 25 يناير حينما تعالت بعض الأصوات المنادية بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد واتفاقيات أخرى سبق أن أبرمتها مصر مع دول، وقف الجميع فى وجه هذه الأصوات وأكدت مصر للعالم كله التزامها بكل الاتفاقيات الموقعة فى الماضى.. نعم التزم الجميع رغم الفوضى التى كانت تعم مصر وقتها، وعدم وجود شرعية دستورية، لكن شرعية الدولة فرضت على الجميع وقتها إعلاء قيمة ومكانة الدولة خارجياً، وتكاتفت كل قوى الدولة لترسيخ هذا المبدأ وإعلانه للجميع.

هذه هى مصر التى لم تخالف أبداً اتفاقا أبرمته ولا عهداً قطعته على نفسها، لا فرق بين حاكم وآخر، لأن المبادئ لا تتغير بتغير الأشخاص، وإنما ثابتة فى يقين كل مصرى.

أقول ذلك وفى ذهنى ما تحملته مصر من خسائر اقتصادية نتيجة أحكام قضائية صدرت وقررت إبطال تعاقدات تجارية أبرمتها الدولة مع مستثمرين وشركات أجنبية، مثل قرار بطلان بيع شركة عمر أفندى، وتصدير الغاز المصرى لإسرائيل، فنتيجة عدم الالتزام بهذه التعاقدات التجارية صدور أحكام تحكيم دولية ضد مصر حملت خزانة الدولة الكثير، بخلاف اهتزاز صورة مصر أمام المستثمرين الأجانب، مما جعل غيرهم يتردد قبل الإقدام لضخ استثماراته فى مصر، فكيف يأمن على أمواله فى دولة لديها مشكلة فى الالتزام بالتعاقدات التجارية.

السؤال الآن، هل نريد تعميم مشكلتنا فى الالتزام بالتعاقدات التجارية لتشمل أيضاً الاتفاقيات التى أبرمتها الدولة مع دول أخرى.. هل نريد القضاء على ما تبقى من سمعة مصر خارجياً، لا لشىء إلا لأن هناك مجموعة كل هدفها هو تدمير الدولة وإظهارها فى شكل الدولة غير الملتزمة بتعهداتها.

المشكلة لا تقتصر على قضية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وإنما فى الرسالة التى تريد تصديرها عن مصر خارجياً، هل نريدها دولة تحترم تعهداتها واتفاقياتها، أم نريد أن نقول بأنها دولة "كرتونية" لا تلتزم بما تتفق عليه.

بالتأكيد الرسالة التى يجب أن نعمل عليها جميعاً أن مصر دائما تعترف بكل اتفاقياتها ولا تتنكر لها، وأن قوة مصر الحقيقية ونفوذها أمام المجتمع الدولى تأتى من التزامها بكل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ولالتزامها بقواعد القانون الدولى الذى يفرض علينا أن نعيد الحقوق لأصحابه حتى وان كان بيننا من لا يريد ذلك، لأسباب خاصة به هو.

فى النهاية تبقى الرسالة الوحيدة والمهمة التى يجب أن يدركها الجميع داخل مصر وخارجها، فى السعودية ودول الخليج وكل دول العالم أن مصر ليس دولة كرتونية، وإنما دولة كبرى مثلما تحترم مؤسساتها الداخلية، فأنها تحترم أيضاً ما تلتزم به خارجياً وما وقعت عليه، حتى أن وجدت قلة فى الداخل لا تعير هذه المبادئ المهمة أى اهتمام، لأنها فى الأساس تريد أن تعيش فى دولة يغلب عليها طابع الفوضى ولا يحكمها القانون.




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;