تقرير لأمانة الإفتاء العالمية يكشف مشاكل الأقليات المسلمة فى الدول غير المسلمة.. اختلاف الآراء والأقوال فى المسائل التي تحتمل الاجتهاد ظاهرة صحية.. ومطالبات بوضع ضوابط لعملية الفتوى للأقليات المسلمة

المسلم في ديار غير المسلمين يجد تناقضا كبيرا بين ما يقرره الإسلام من أحكام، وبين كثير من القوانين في البلد الذي يعيش فيه، وكذا النظم الاجتماعية، والأعراف المتغيرة"، وهنا يحتاج المسلم والأقلية المسلمة إلى فقه يخرج به من الحرج والتناقض، ويجيب عن سؤال: كيف يمكن أن يصيغ المسلم حياته وفقا للشرع ودون التناقض مع قوانين الدولة؟، وكيف يمكن أن يعيش المسلم حياة مبنية على المنطلقات الدينية المصاغة بالأحكام والفتاوى الشرعية مع عدم فقدانها لصفة القبول القانوني في الدولة؟". تقرير هام نشرته مجلة جسور الصادرة عن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، تحت عنوان إيجاد الحلول الشرعية لنوازل الأقليات المسلمة، وهذا يشمل قضايا كثيرة في أغلب أبواب الفقه في المعاملات والأحوال الشخصية، والجنايات، والأطعمة والذبائح، والنوازل الجديدة، فعلى سبيل المثال: حكم مشاركة المسلمين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية، والأحزاب السياسية المتنوعة اليسارية واليمينة؟، وحكم تعدد الزوجات مع حظرها قانونا؟، وحكم اللجوء إلى محاكم الدولة في الطلاق وصحته ونفاذه؟، وحكم ميراث المسلم من غير المسلم، ومدى مطابقة القانون لتحديد الورثة وتحديد الأنصبة الشرعية؟ وأكد التقرير أن كل هذه المشكلات والتساؤلات المتجددة تحتاج إلى إجابة تراعي واقع هذه الأقليات المسلمة وفقا للقواعد الفقهية والأصولية والمقاصد الشرعية المعتبرة، ومستهدية بما ورد عن الأئمة من نوازل وكيف واجهوها بحلول ومعالجات شرعية يمكننا استثمارها في ذلك، ولعل تعدد الآراء الفقهية التي أنتجتها خيرة العقول الفقهية عبر القرون الماضية من خلال تفعيل النصوص الشرعية في واقعها المعيش، يساهم في تقديم حلولا شرعية لنوازل ومشكلات هؤلاء، ولهذا اتسم فقه كل عصر بسمة زمانه الذي كتب فيه، وهو أحد أسباب الخلاف الذي وقع في كلام الفقهاء، ويعبر عنه بـ "اختلاف عصر وأوان"، ويجدر بكل من يتصدر للإفتاء أن يكون مطلعا على هذا التراث الفقهي العظيم، ليقطف من ثماره اليانعة ما يعينه على القيام بمهمته، محققا بذلك مقصدا من مقاصد الشرع وهو رفع الحرج عمن يستفتيه من عموم الناس، عملا بقوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6]، وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]. وتابع : إن محاولة المفتي إيجاد المخارج الفقهية لبعض تصرفاتهم، لا يرفع الحرج فقط ويبرز وجه الشريعة السمح، وإنما يشعر المستفتي أيضا بأنه متمسك بأحكام دينه لم يخرج عن مظلته، ويرفع التعارض بين أحكام الشريعة ومقتضيات الواقع، وهذا من شأنه أن يدفع اليأس عن قلوب بعض الناس الذين قد يدفعهم هذا التعارض عن الالتزام بأحكام الشرع الشريف. واستطرد؛ ولا يتبادر إلى الذهن أن استعمال المفتي المخارج الفقهية هو تتبع الترخص والبحث عن الأقوال الشاذة والضعيفة، أو هو تفريغ للأحكام الشرعية من مضمونها بتطويعها للواقع الذي قد يتعارض في بعض صوره مع الأحكام الشرعية، بل المراد هو مراعاة المقاصد الكلية للشرع الشريف، واستثمار الخلاف الفقهي لتحقيق ذلك، وفق منهج فقهي منضبط ينطلق من الأصول العامة للتشريع ولا يعارضها أو يخرج عنها، فلا عبرة بفرع يكرّ على أصله بالبطلان. ضبط الفوضى الإفتائية للأقليات وأكد التقرير أنه من الطبيعي أن يوجد اختلاف في الآراء والأقوال في المسائل التي تحتمل الاجتهاد وتعدد الفتوى فيها، وهذه ظاهرة صحية، وتوسعة من الله لعباده فاختلاف الأئمة رحمة لهذه الأمة، ولكن ليس كل خلاف معتبر، وأيضا قد يكتنف النازلة ملابسات تجعلها تحتاج إلى فتوى منضبطة لأنها سيتوقف عليها وجود الإسلام والمسلمين في هذه البلاد، أو ستلحق بهم الضرر إن لم تصدر من أهلها المعتبرين الواقفين على أحوال هذه الأقلية. وأيضا سلوك المسلمين في هذه البلاد وما يختارونه من أقوال للعمل به قد يحمل في طياته مصلحة لدعوة الإسلام أو مضرة ومفسدة وتنفيرا لأهل هذه البلاد من الدخول فيه، ولذلك يقول الشيخ محمد الغزالي: "يوجد متدينون من المسلمين النازحين إلى أوروبا وأمريكا وفيهم بلا ريب من هزم تيارات الانحراف التي تجره إلى السقوط، غير أن كثيرا من هؤلاء يحمل جراثيم العلل التي شاعت في بلاده الأصلية...هناك من يحارب القباب والأضرحة في أمريكا، وهناك من يرى وضع اللثام على الوجه ويقرنه بالتوحيد! وهناك من جعل شارة الإسلام الجلباب الأبيض كأننا في صحراء نجد! وهناك من حلق رأسه وشواربه بالموسي وأطلق لحيته على نحو يشعرك بأن كل شعرة أعلنت حربا على جارتها؛ فهناك امتداد وتنافر يثيران الدهشة! وتابع: قلت في نفسي: لم يبق إلا أن يحلق حاجبه بالموسي هي الأخرى لتكتمل الدمامة في وجهه ، ولم أر مساءلته لم فعل ذلك لأني أعلم إجابته، سيقول: هذه هي السنة. واستكمل: ما عليه لو ترك شعر رأسه مرجلا معطرا وهذب لحيته لتكون أبهى من لحى أهل الفن – كما يقولون أو كما يفعلون- ثم هو عندما يفعل ذلك إنما يستكمل الشكل وما يفيده شيئا إذا لم يكن هناك موضوع! أين النفس الإنسانية وتزكيتها وأين العقل البشري وحسن إدراكه للحقائق كلها؟ ...لكن كثيرا من مسلمي العصر الحاضر جمعوا شعب الإيمان في خليط منكر كبروا فيه الصغير، وصغروا الكبير وقدموا المتأخر وأخروا المتقدم، وحذفوا شعبا ذات بال وأثبتوا محدثات أخرى ما أنزل الله بها من سلطان، فأصبح منظر الدين عجبا! لا بل أصبحت حقيقته نفسها حرية بالرفض! ومن هنا صدف الأوروبيون عن الدين لا لعيب فيه، بل في معتنقيه وعارضيه". واختتم: فلأجل ذلك لا بد من وضع ضوابط لعملية الفتوى للأقليات المسلمة تكون حاكمة ومرشدة لكل من يتصدر لهذا النوع من الفقه، حتى لا يسلك بهؤلاء إلى طريق الشدة والانعزال، أو إلى طريق التسيب والتذويب.



الاكثر مشاهده

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

;