حراس التاريخ فى قلعة صناعة الفخار بالدقهلية.. عم "محمد" 50 عاما من الإبداع فى تحويل الطمى لأوان فخارية وتحف فنية.. احترف صناعة القلل وطواجن الطعام منذ الصغر.. ورث الحرفة لأبنائه للحافظ على إرث الأجداد

على أطراف مدينة أجا بمحافظة الدقهلية، قبو صغير يمكث فيه رائد صناعة الفخارمحمد الدجلة مع أبنائه، يطوعون بلمساتهم الساحرة ومهاراتهم الفائقة وابتسامتهم الراضية التى لا تفارق قلوبهم النقية الطمى النيلي، ليصنعوا منه أوان فخارية وتحف فنية غاية فى الروعة والجمال. خمسون عاما، شاهدة على تاريخ "عتاولة المهنة" فى صناعة الفخار، تلك المهنة اليدوية العريقة التى تعبق بالتراث والأصالة والجمال، وعكف صناعها بإبداعهم وفنهم على التمسك بها والحفاظ عليها لسنوات طويلة معتمدين على خبرات الأجداد ومهارة الأبناء وأدوات عتيقة يعود عمرها لعشرات السنين تشكل التحف الفخارية بدقة وإتقان سواعد فتية. وبينما كانت خبطات يده المتجانسة تشدو بضرباتها ونغماتها المهندمة وهى تصنع الأوانى الفخارية بانسيابية وليونة فى قلعته الصغيرة، قال محمد الدجلة صاحب الـ60 عاما لـ"انفراد"، إنه احترف صناعة الفخار منذ نعومة أظافره، حيث تعلم الحرفة من والده وأجداده الذين عكف على مراقبتهم وهم يتفننون فى تحويل الطين لتحف فنية مختلفة من قلل وطواجن ومساقى ومحاضن وأبراج حمام، مشيرا إلى أنه مع مرور الوقت احترف المهنة وأصبح يجيد فن تشكيل الفخار بكل أشكاله وأنواعه، وورثها لأبنائه الثلاثة ليحافظوا سويا على تاريخ الأسرة فى صناعة الفخار. وتابع أن طبيعة علاقته بالفخار، هى حالة عشق وهيام من نوع خاص بدأت معه وهو لا يزال طفلا صغيرا لا يتعدى عمره الثلاث سنوات، كبر وترعرع فى أسرة تقدر الحرف اليدوية ويعمل كل من فيها فى صناعة الأوانى الفخارية، فلم يرى حوله سوى الطمى والأوانى الفخارية التى تأخذ أشكالا مختلفة وجذابة، كان يلهو بجانب والده وهو يصنع الفخار حتى أحب الحرفة مع مرور الوقت وتعلمها واكتسب مهارة تصنيعها من خبرة والده، مشيرا إلى أن الحرفة بالنسبة له ليست مجرد مهنة يكتسب منها قوت يومه، بل فن وتراث يعشقه ويهواه ويبدع ويتفنن من خلاله. وأضاف أنه استقر للعمل فى صناعة الفخار بمحافظة الدقهلية منذ أكثر من 25 عاما، مشيرا إلى أن بداية عمله فى صناعة الفخار كانت مع والده فى فاخورة التصنيع الخاصة بهم فى مسقط رأسه بمدينة سمنود التابعة لمحافظة الغربية، وبعد وفاة والده قرر أن يستكمل مسيرة عمله فى الحرفة مع أبنائه الثلاثة الذين علمهم أصول وأسرار المهنة وأكسبهم مهاراة تصنيعها بفاخورة فى طريق أجا سمنود بمحافظة الدقهلية. واستطرد أن صناعة الفخار تمر بعدة مراحل تبدأ بتجميع الشِرب النيلى "الطمي" ووضعه فى الخلاط "أحواض تصفية" لتذويبه وتصفيته من الشوائب، ومن ثم نقعه لفترة فى أحواض مائية كبيرة حتى يتحول إلى طين متماسك يسهل تشكيله وتطويعه يدويا، ثم يتم تخزينه داخل بيت الطين الذى يعد بمثابة مخزن يستخدم للاحتفاظ بالطمى الجاهز والمؤهل للتشكيل، وبعدها يتم تشكيل الطمى الناتج يدويا باستخدام آلة "الدولاب" التى تتكون من اسطوانة متصلة بعمود مثبت على طبلية، تدور فى حركة دائرية لتشكيل الفخار فى أشكاله وتصميماته المختلفة بمجرد أن تضغط قدماه على الطبلية بشكل متتالى وتلمس أنامله عجينة الفخار بمرونة وانسيابية، حتى تتحول العجينة الطينية لأوان فخارية مختلفة الأشكال والأحجام، تترك لتجف قليلا ومن ثم يتم طلائها باستخدام الطمى الأسوانى الأحمر الذى يحافظ على تماسك الأوانى الفخارية ويكسبها القوة والصلابة، وبعدها يتم إدخالها لفرن الحرق الذى يتكون من بيت النار وغرفة الرص والمدخنة، وتترك فيه للتدفئة لمدة ثلاثة أيام ومن ثم يتم إشعال النيران على الأوانى الفخارية للحرق لمدة أربع ساعات حتى تجف وتتماسك، وفى صباح اليوم التالى يتم إخراج جميع الأوانى الفخارية لترتيبها داخل الفاخورة وعرضها للبيع. وأوضح أن كل محافظة من محافظات مصر متخصصة فى صناعة أنواع محددة من منتجات الفخار، تتميز وتبدع فى صناعتها دون غيرها من الأشكال والأنواع، مشيرا إلى أن مدينة سمنود التابعة لمحافظة الغربية يتخصص أبناؤها فى صناعة القلل الفخارية، وقرية الفرستق بمحافظة الغربية تتخصص فى صناعة الطواجن، أما أبناء الصعيد فيتخصصون فى صناعة بلاليص المش والجبنة والعسل. وأشار إلى أن حرفة صناعة الفخار من المهن الصعبة والشاقة التى تحتاج لصبر ومهارة وتقدير وحب ورغبة فى التعلم، موضحا أن لا يمكن لأى فرد أن يتعلم صناعة الفخار على كبر، حيث يكون التعليم منذ الصغر وعمر الطفل لا يتجاوز الثلاث سنوات، حيث يبدأ التعليم معه بالمراقبة وملاحظة التفاصيل وحب الاستطلاع للفهم والمعرفة، ومن ثم حب المهنة والرغبة فى تعلمها، وبعدها تستكمل مرحلة التعليم بالممارسة والتجربة ومساعدة كبار صناع الفخار حتى يكتسب الفرد الخبرة وأصول الحرفة ويصبح قادرا ومؤهلا لصناعة كافة أشكال التحف والأوانى الفخارية بدقة وتمكن، حيث تستغرق فترة التعليم والتدريب سنوات طويلة قد تمتد لثلاثين عاما، يكتسب خلالها الفرد المهارة والخبرة لإتقان عمله بالشكل المطلوب وتصنيع الفخار بكل دقة وإتقان.
































الاكثر مشاهده

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

;