ملكة سرور معبودة الجماهير الحقيقية فى نهاية القرن الـ 19.. مطربة سورية صاحبة أوّل تسجيل لأغنية عربية 1893 فى أمريكا وأول امرأة تغنى على المسارح المصرية 1897 كاشفة الوجه.. كيف جاءت إلى القاهرة.. وماذا

هل سمعت من قبل عن الفنانة ملكة سرور، إنها معبودة الجماهير فى نهاية القرن الـ 19، يكفى أن أنقل لك خبرا نشر فى جريدة المقطم بتاريخ 30 أغسطس فى سنة 1897 يقول "مثَّل جوق الأديب المتفنن الشيخ أبى خليل القبانى أول أمس رواية (إسكندر ذى القرنين)، فأجاد الممثلون والممثلات فى تمثيل أدوارهم، ثم جلست حضرة المطربة المبدعة ملكة سرور وإلى جانبها بقية المطربات، وشنَّفن الآذان بالألحان الشجية، فصفَّق لها الحاضرون استحسانًا واستعادوها مرارًا، ثم انصرفوا وهم يُثنون ويشكرون". ويكفى أن تعرف أن ملكة سرور ة وهى مطربة من حلب، صاحبة أوّل تسجيل لأغنية عربية حدث ذلك في مديمة شيكاجو بأمريكا فى عام 1893، والأغنية عنوانها "تشيح يا يوم حبيبى" من ألحان الشيخ أبو خليل القبانى. ويكفى أن تعرف مما قيل فيها "مطربة حلبيّة تجعل الناس فى مصر سكارى و ما هم بسكارى، و لكنه الصوت الحَسن و الجمال الرائع و الأداء الفنيّ." لكن كيف جاءت ملكة سرور إلى مصر وماذا حدث لها فى المحروسة؟ فى كتاب مهم بعنوان "سيرة الأجواق المسرحية العربية فى القرن التاسع عشر" لـ تيسير خلف، يتناول مذكرات الممثل المصرى عمر وصفى ومذكرات الفنانة مريم سماط" وفيه تطل علينا ملكة سرور وجها جميلا وصوتا بديعا وحضورا طاغيا. فى الوقت الذى بدأ فيه الشيخ أبو خليل القبانى يستعد لموسم 1897 واجه منافسة كبيرة من فرقة فرح إسكندر التى كانت تضم الشيخ سلامة حجازى، وكان المسرحان قريبان فيشهد الناس التمثيل مع القبانى ثم يذهبون لسماع الغناء عند الشيخ سلامة حجازى. يقول الكتاب على لسان عمر وصفى: فكر الشيخ أبو خليل طويلاً فى أمر أولئك الذين يقضون سهرتهم بين المسرحين، وأخيراً وُفق إلى أن يذهب إلى سوريا، ويحضر إحدى مطرباتها لتغنى للجمهور خلال الفصول، وبذلك تشغلهم عن الذهاب إلى مسرح إسكندر فرح وتغنيهم عن سماع الشيخ سلامة. وعرض هذا الأمر على شريكه عبد الرزاق بك، فوافق عليه، واتفقوا معاً على دعوتى للسفر مع أبى خليل حتى يأمنا عودتى إلى إسكندر فرح، ويأمن عبد الرزاق بك عودة أبى خليل حتى لا يعيد قصة العام الماضي، وأسرَّ لى عبد الرزاق أن أكون على أبى خليل رقيباً، وكانت رحلتنا إلى الشام ممتعة شيقة. وبعد رحلة طويلة يستعرضها "عمر وصفى" يكتشفا أن المطربة التى ذهبا لإحضارها قد ذهبت إلى بيروت فيرسلان إليها برقية عاجلة. يقول "عمر وصفى": ملكة سرور هذا هو اسم المطربة التى حيرتنا كل هذه الحيرة، وعندما وصلنا بيروت وجدناها مقبلة علينا، وأفراد فرقتها وعلى ظهر الباخرة قدمنى الأستاذ القبانى إليها، وأبدت سرورها بمعرفة الممثل المصرى، أما المطربة فآية من آيات الجمال الفتان رقة وعذوبة وظرفا، تحوطها عائلة فنية فريدة وجميلة، زوج شقيقتى ملكة هما عازف على القانون وآخر، حاولت أن أسمع صوت ملكة وعبثا حاولت فإنها أبت كل الإباء أن تطربنا، أما تختها فكان أفراده يعزفون ليلا، وكنت أود لو أسمع صوتها حتى أبلغ المدير المالى عبد الرازق عناية بك رأيى فيها فلم أجد السبيل إلى ذلك. وتحت عنوان "امتحان" قال عمر وصفى: لم يرق لى ما سمعته من التخت من أدوار شامية وطقاطيق أهل بغداد ومحاولتهم غناء الأدوار المصرية تقليدا لمن يسمعونهم من مطربى مصر، كل هذا لم يرق لى ولم يعجبنى، فلم أرد مفاتحه الأستاذ القبانى فى الأمر، وعرضت عليه أن يستدعى المدير المالى من مصر ليصحب معه أحد الموسيقيين الخبراء، ليرى رأيه فى المُطربة قبل المجازفة بحضورها إلى مصر، وظُهورها أمام الجمهور الذى يتذوَّق الغناء السُّوريَّ. ولما وصلنا الإسكندرية أرسل الأستاذ أبو خليل إلى شريكه المالى عبد الرازق عناية بهذا الرأى وحضرت فعلا لجنة الامتحان مؤلفة من المدير المالى والأستاذ محمد بركات العواد وانعقدت جلسة الامتحان وصدرت النتيجة أن تظل السيدة ملكة سرور بالإسكندرية حتى تتعلم فن الطرب بمعرفة أحد الأساتذة الموسيقيين المعروفين وتلقينها أصول الغناء المصرى، أما صوتها فقد أعجبت به اللجنة كل الإعجاب، وتقرر أن تبقى فى الإسكندرية، وهناك تعد التجارب حتى افتتاح الموسم التمثيلى، ولما كان الوقت صيفا فلا بأس من إقامة بعض الحفلات التمثيلية بالإسكندرية. ومر بنا شهران فى الإسكندرية والفرقة تعد معداتها من تدريب الممثلين لروايات جديدة تفتح بها الموسم وتقيم حفلات تمثيلية والمطربة يعلمها أحد رجال الفن المصريين هى ورجال تختها وبعد انتهاء هذه المدة عدنا إلى القاهرة استعدادا لافتتاح موسم 1897. ملكة سرور فى القاهرة وفى ذلك الحين، تألفت لجنة أخرى لامتحان المطربة أيضا بعد تدريبها شهرين حتى يروا مبلغ تقدمها. وتقدمت إلى اللجنة. وأنشدت ما تلقته حديثا، فلم يرق غناؤها للجنة ورأوا أن أستاذها الأول أهمل فى تعليمها، وانتخبوا لها معلما آخر هو المرحوم محمد سليمان، وهو من كبار رجال تخت المرحوم محمد عثمان. واستطاع هذا الموسيقى أن يقوم فى شهر واحد بما لم يستطعه المدرب الأول، وما كان الشهر ينقضى حتى كانت على أتم استعداد للظهور أمام الجمهور، وقد استكملت الآن ما كانت فى حاجة إليه من فن، وفى وسعها أن تتملك الجمهور بصوتها الساحر العذب. وكانت الليلة الأولى وشاهد الناس لأول مره ملكة سرور وسط المسرح سافرة الوجه مشرقة الجبين بسامة الثغر وأمامها القانون تمر عليه عازفه بأنامل صغيره بيضاء، ومن حولها حسان سافرات الوجوه يشاركنها العزف على آلات الطرب فهذه فريدة وفى يدها الرق، وهناك جميلة تدق على الطبلة وأنشدن جميعا الدور الأول، فكان نجاحا كاملا وضج الجمهور مهللا لمغردته الجديدة الحسناء وعلا هتافه فدوى فى أنحاء التياترو. وكان هذا المظهر كله حقا مفاجأة سارة لا عهد للجمهور المصرى بمثلها، إذ لم يتعود من قبل أن يرى مطربة تظهر على المسرح سافرة الوجه وعهده بالمطربة تجلس وسط التخت محجبة، وعلى وجهها البرقع الأسود الكثيف وملتفة بملاءة تستر سل جسمها، ويسمع بعد ذلك صوتها خارجا من وراء هذا الحجاب، أما الآن فهو يرى أمامه وجها مشرقا، فكان لهذه المفاجأة أثرها وكان استحسانه بالغا. وتحت عنوان "معبودة الجماهير" يقول عمر وصفى: أصبح الناس لا حديث لهم إلّا المطُربة الجديدة الحسناء، ذات الصوت الساحر الرخيم التى تظهر على المسرح سافرة الوجه الفتاَّن ... ومرَّت الأيام، واسم ملكة سرور يزيد ذُيُوعا بين الناس، وما هى إلا أسابيع حتَّى تردَّد اسمها فى كُلِّ مكان، وطبَّقت شهرتها الآفاق، وأصبحت ملكة معبودة الجماهير. وكان الشيخ أبو خليل القبَّانى داهية، رجل واسع الحيلة لا يُؤخَذ، فقد استطاع أن يُخضِع المُطربة لإرادته خُضوعاً تامَّا، وعرف كيف يمدُّ المُطربة بالنصائح المُفيدة له هو بالطبع، وعرف كيف يُحذِّرها من الناس جميعاً، وأن أوَّل واجب عليها أن تُقفِل بابها دون أى كان، فلا ترى أحداً، ولا يزورها إنسان. وإلَّا ضاعت الشهرة العظيمة التى تتمتَّع بها. وتحقيقاً لهذه الغاية، أسكنها معه هى وأهلها فى منزل خاص، تنزوى فيه عن الناس، وعن الكُتَّاب، وعن أصحاب الجرائد. وهكذا انصرفت ملكة سُرور إلى فنِّها وحفْظ الأدوار فى عُزلة تامَّة رَغْمَ شهرتها الواسعة، فلم يكن لها هالة من المُعجبين، ينتقلون فى رِكابها أين سارت، ويحيطون بها أين جَلَسَتْ، ولا نُقَّاد فنِّيُّون يختصُّون باستلام كُلِّ صورة من صورها لنَشْرها فى صُحُفهم. وكانت فى موعد العمل تدخل المسرح خِلْسَة من باب خلفي، فلا يراها إنسان غير المُمثِّلين، ولم تكن المسارح كما هى اليوم تغصُّ فيما بين الفُصُول بالعدد الوفر من طوائف النُّقَّاد والهُواة والمُؤلِّفين والمُترجمين والمُعجبين، وما كان يسمح لأحد بالدُّخُول غر المُمثِّلين فقط، وهكذا تمَّت عُزلة ملكة سُرور عن الناس، وتمَّ بذلك رضا القبَّاني، واطمئنانه على مُطربته. عبده الحامولى لم يتمكن من لقائها حتى أن عبده الحامولى، وكان أشهر اسم فى مصر فى ذلك الوقت، سعى للتعرف على ملكة السرور لكن خليل القبانى لم يمكنه من ذلك. الحب .. وبداية الأزمة وتحت عنوان "شرك الغرام" قال عمر وصفى: لكن الحب رب المعجزات، كان للسيدة ملكة زوج وابنه هما كل سعادتها فى الوُجُود، ولهما كُل ما ضم قلبها من حُب، فكانت هنيئة مسرورة إلى جانبها، لا يعُكِّر صفو هذه السعادة إلَّا أمر واحد، هو إدمان زوجها العزيز رحمين على الخمر، فقد كان سِكِّيرا، لا تفارق الكأس شَفَتيَه، ولا تراه إلَّا وهو يترنَّح سُكْراً، فكان هذا الأمر هو الوحيد الذى نغَّصَ عليها حياتها، ولطالما كانت الخمر سبباً للشجار بن الزَّوجَينْ. وهكذا مرَّت الأيَّام والأسابيع والزوجان فى بيتهما مُنعزلان عن العالم، فالزوج يمضى إلى خمَّرته، والزوجة تذهب إلى مسرحها، وفى البيت يلتقيان فى عشِّهما، فلا يراهما أحد إلَّا خال رحمين أفندي، وكان هذا غاضبا على ابن أُخته لانصرافه إلى الخمر، ولكنه ما إن سمع بسيرة ملكة وعفافها واحتجابها عن العالم حتَّى رضى عن ابن أُخته، وأصبح يزورها فى منزلها، بل وكثيراً ما كان ينصب نفسه حَكَمًا لِمَ ينشأ بينهما من خلاف. وهكذا سارت الأُمُور والسعادة والهناء يُرفرفان على هذه العائلة الفرحة الطروبة. ولكنْ! تعرف الشَّاب الظريف الثّرَى جاك سيون إلى رحمين أفندي. وجاك سيون غنى من أعرق الُأسر اليهودية حَسَبَاً وثروة. كان والده من كبار المُتعهِّدين لتوريد الأدوات لقناة السويس، من عهد إسماعيل باشا. وفى إحدى الليالي، رأى جاك سيون معبودة الجمهور ملكة سُرور، وَسَحَرَه جمالها الفتَّان، وأصبح يتردَّد على التياترو، وسرعان ما تحوَّل إعجابه إلى حُب، شغل الفؤاد، فأصبحت ملكة شُغله الشاغل. ومرَّت الأيَّام، ولا يشغل رأسه إلا محبوبته الجديدة، يفكِّر بكُلِّ ما أُوتي من ذكاء فى أى الوسائل يتقرَّب بها إليها، حتَّى وَجَد وسيلة التَّقرُّب رحمين أفندي، وهكذا استطاع أن يتعرَّف إليه، وأصبح صديقه الحميم ورفيقه الذى لا يفارقه، فكان يصحبه إلى أرقى المشارب وأفخمها، ويُقدِّمه إلى أثرى الناس وأرفعهم منزلة، بل بَلَغ من حُبِّه لرحمين أفندى أن خَلَعَ عليه معطفاً ثميناً من الفرو خوفاً عليه من البرد. إلَّا أن ذلك ضاع سدى .. وبقى جاك سيون كما كان لم يخط خُطوة واحدة فى التَّقرُّب من ملكة، وكأنها نَفَرَت منه، فكان إذا خَاطَبَها زوجها فى شأنه أو أثنى عليه أمامها نَهَرْتْه، وعنفته، وكثراً ما كانت تنصحه أن يبتعد عنه. إذنْ، فَلْيَعْمَد إلى حيلة أُخرى، وهى أن يتقرَّب إلى خال رحمين أفندى، وليُكلِّمْهُ باللغة التى يعشقها الجميع، وهى لغة المال! فَأفْهَمَهُ أن المُرتَّب الذى يدفعه القبَّانى ضئيل جدَّاً 71 جنيها لجميع التخت، وأنه إذا انفصلت ملكة عنه، واستقلَّتْ فى عملها، فإن الأرباح تتدفَّق عليها، وأنه على أتم استعداد بأن يُقدِّم البرهان على ذلك، وأن يُنشِئ لها مسرحاً خاصا، يجعله أمام تياترو القبَّاني، وأن يكون لها شركة كبرة، تضمُّ سراة الأعيان، وما زال بالرجل حتىَّ ملأ رأسه غُرُورا وطمَعَا، ويهمس الخال فى أذُن ملكة، فتصغى إليه، وتتسَّع أمامها الآمال، ويكثر الهَمْس، وتتواتر الإشاعات، فتبلغ مسامع الشيخ أبى خليل، فيثور ويغضب، وتمتلئ نفسه خوفاً على كنزه الثمين، ويأمر عُمّاَل المسرح أن يمنعوا جاك سيون من دُخُول التياترو، ولكنه أتى لهم بعد ذلك وصديقه فوزى بك يحميه. فُرصة سانحة انتهزها دُعاة السوء من أولئك الذين يهمسون فى آذان المُمثِّلات والمُطربات، فيملؤون رُؤُوسهن غُرُورا وكبرياء، ويُحبِبْن أنهن يسمون إلى مقام العبقرية، ويتملَّكهن الطَّمَع، ومن هنا تنبعث الفتنة والشَّر ويدب الخلاف دَبيبَه، وهكذا أمر ملكة سُرور، فما زالت تُصغى للأقاويل الخلَّابة والمدائح الساحرة، فبدأ تمرُّدها، وأصبحتْ لها طلبات، تُقدِّمها لأبى خليل، وعليه أن يُجيبها، وأبو خليل بين عاملَين، إمَّا أن يُجيبَ، فتُرهق كاهلَهُ تلك الطَّلَبات، وإمَّا أن يرفض، فتفلت من يده الأرباح التى طالما كان يحلم بها، خصوصا بعد أن صرف ما صَرف استعدادا لهذا الموسم الحافل. ورأى أن يسير متردِّدا بن الرَّفض والقبول، وكان يُوافقها على رغباتها، ويعدُها خير الوُعُود، ولا تتعدَّى وعوده الإنجاز. واستطاع الشيخ أبو خليل بكُل ما أُوتى من دهاء وحيلة أن يمد تلك الوُعود، ويُزيِّنها لها، وتمر الأيَّام وهو يُسوِّف ويُماطل، وهى تُؤمن بوُعُوده، وتأمل الخير على يَدَيه، وتمر بها الليالى، تداعبها الأحلام الجميلة بما سوف يُمطرها به أبو خليل من ذهب وهَّاج .. وهكذا حتَّى مر الموسم، وظَفر أبو خليل. كيف هاجم أبو خليل القبانى مطربته الأولى ملكة سرور استطاع أبو خليل أن يُنقذ الموسم بما فيه من أعياد ورمضان وليالى العيد السعيد، وما تدر على أصحاب الفِرَق من ربْح جزيل، وكُل هذا وملكة سُرور هى المُفضَّلة فى عَينيه وهى صاحبة الأخلاق السامية، والصفات العالية، إلى آخر سبحة المديح والثناء التى كان يتلوها على مسامعنا ليل نهار .. ولكن الغواية كانت فعلَت فعلها فى نَفْس ملكة، ووُعود جاك سيون كانت ترق وتتلألأ أمام عَيْنَيْها، وأخيرا انتهى الموسم! وعقد أبو خليل جمعية عُمومية من جميع أفراد الفرقة، وَوَقَف فى وسطهم خطيباً وكان موضوع الخطبة يدور كُله حول ملكة سُرور، وَظَنَنا أن أبا خليل سوف يصيغ آخر حبَّة من العقد الطويل الذى صاغه فى مَدْحها، فإذا به ينثر حبَّاته فى التراب، ويقلب الثناء إلى أشنع ما تنطق به الألسنة من سوء، وإذا به يكشف عن ملكة سُرور التى كان يدعوها مَلَكا، فيُبدلها لنا شيطانا، ويرد لنا تاريخا شريرا أسود قاتم السواد، يقول إنه تاريخها فى سوريا، وهكذا ألقى بها أمامنا فى هاوية سحيقة مُظلمة، لا سبيل لإنقاذها منها. إذنْ فما هذا المديح، يا سيِّد أبو خليل؟ قال حفظه الله إنه ما كان ليمدحها إلَّا ليحول بينها وبن سُوء نَفْسها وخسّة طباعها، وأنه لو تَرك لها العِنان، لارتكبت أخس الشرُّور والآثام . ماذا جرى لـ ملكة سرور بعد انفصالها عن فرقة القبانى جَدَّ الشَّابُّ جاك سيون وعمل ما قُوَّتُهُ الهوى أبو العجائب، فأجَّرَ الليالي، وصَرفَ مبالغ فى استئجار المسارح فى بلاد القُطر، لتُغنِّى ملكة سُور، فطافت القُطر بوجهَيْه، وَخَتَمتْ مطافها بعد شهرَيْن، فإذا جَمَعَتْ من المال والربح الجزيل ما كان يستحيل عليها أن تحلم به لو ظلَّتْ مع أبى خليل عبر سنوات. كُلُّ هذا وجاك سيون أَلْزَمُ لها من ظلِّها، يتنقَّل معها من بلد إلى بلد، وكان لا بدُّ لزارع الجميل أن يجنى ثماره، ورأت ملكة أن هذا المنُقذَ الكريم هو صاحب الفضل فى ثروتها الجديدة وغِناها، فاعترفت له بالفضل، وبدأت تشعر له بمكانة فى نفسها، وتحلّه منزلة بقلبها، ووجدت فى زوجها خاملاً سِكِّيراً، لا خير فيه، فَطَرَدَتْهُ من بيتها، وأرسلت أهلها إلى بلدها، واتَّخذت هى والعاشق الولهان مُنفرداً، يقطفان فيه ثمار ذلك الحُبِّ السعيد الذى يحفُّ طريقه الذَّهَبُ الوهَّاج! وراح الزوج السكير يشكو، ويرفع أمره إلى الحاخام باشى، وللمُحافظة، والبوليس، ولكُل باب يعرف السبيل إليه، وقد تبدَّل حاله، فأصبح مُشرَّدا فى الطُّرُقات، يسير على غير هُدى، لا يجد قُوْت يومه، يبيع يوماً أوراق اليانصيب، ويتسوَّل يوماً، وهو فى هذا يمشى مُهتزَّاً يهذى بكلمات أشبه بالجُنُون، وأخيراً انتهى أمره التَّعِس بحُكْم الحاخامخانة بطلاقه. وخلا الجوُّ للعاشقَيْن، فتزوج جاك سيون من معبودته التى أحبَّها الحُب الخالص الأكيد ملكة سُرور، وكان هذا الزواج خاتم حياتها فى عالم الطَّرَب، إذ عاشت بعد ذلك زوجة أمينة مُخلصة، تعيش فى ظل الحياة الزَّوجيةَّ، بين رب عائلة كريمة، وأطفال يرتعون فى سعادة والديهم، وسافرت وزوجها إلى أوروبا. ولا أدرى إن كانا يحضران إلى مصر أم لا، ولكن الذى أذكره أنى لم أرَ ملكة من ذلك التاريخ. وأذكر فقط أنى شاهدتُ من بضع سنوات صورة فوتوغرافية للزعيم الجليل المغفور له سعد باشا والسَّيدة المصونة أُمّ المصرييِّنْ، ومعها الخواجة جاك سيون والسَّيدة عقيلته الكريمة ملكة سُرور حين نَزَل الزعيم العظيم ضيفاً كريماً عند هذه الأُسرة. وعلق المؤلف تيسير خلف على هذه الصور بأنها نشرتها مجلة المُصور القاهرية في عددها رقم 157 لسنة 1927 وهي صُور زَود المجلَّة بها جاك سيون نفسه، وتاريخ التقاطها كان في 27 مارس 1923 ، وهو موعد وُصول سعد باشا زغلول إلى محطَّة قطار مرسيليا، عائدا من مَنفاه فى جبل طارق، حيثُ أمضى مُدَّة من الزمن بضيافة جاك سيون والجالية المصرية في فرنسا وسويسرا، حتَّى عاد إلى الإسكندرية في 17 سبتمبر 1923 ، ويمكن رؤية ملكة سرور وزوجها على يسار سعد باشا زغلول.












الاكثر مشاهده

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

;