سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 25 يونيو 1879.. الخديو إسماعيل يعد مرسوما برفع عدد الجيش إلى 150 ألفا ويناقش إغراق أراضى الاسكندرية لعرقلة طلب تنحيته عن الحكم

قرر الخديو إسماعيل أن يقابل القوة بالقوة، وألا يخضع بسهولة لأمر الدول الكبرى بعزله عن الحكم، واعتقد أنه يستطيع مواجهة فرنسا وإنجلترا وألمانيا، والتى أجمعت على خلعه، كان إسماعيل يعيش فترته الأخيرة على قلق دائم، فالخزانة خاوية، بوصف مستشاره نوبار باشا فى مذكراته: و«الدائنون لايشعرون بالأمان اللازم»، وهكذا قررت إنجلترا وفرنسا خلعه، وتولى ابنه توفيق، واستخدمت الدولتان معه أسلوب الترغيب والترهيب. يذكر إلياس الأيوبى، فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد الخديو إسماعيل باشا»: «فى 19 يونيو 1879 ذهب السير فرنك لاسلز، قنصل إنجلترا إلى قصر عابدين ليبلغ الخديو رسالة آتية من حكومته وهى: اتفقت حكومتا فرنسا وإنجلترا على أن تشير على سموكم بالتنازل عن العرش ومغادرة مصر، فإذا ما أصغيتم سموكم إلى هذه النصيحة تعمل الحكومتان المذكورتان معا على أن تضمنا لكم مخصصات سنوية لائقة، وألا يحدث أى تغيير فى نظام توارث العرش الذى يقضى بأن يكون الأمير توفيق باشا خلفا له، ولا ينبغى أن نخفى على سموكم أنه فى حالة رفض التنازل عن العرش أوإذا أرغمتم حكومتىّ لندن وباريس على مفاتحة السلطان رأسا، فليس يسعكم الاعتماد على نيل المخصصات أو على صيانة نظام التوريث بحيث يكون الأمير توفيق خلفا لكم». طلب «إسماعيل» مهلة للتفكير، فأعطيت له 48 ساعة، وفى 21 يونيو 1879، أبلغ الخديو قنصلى فرنسا وإنجلترا أنه أحال المسألة إلى علم السلطان العثمانى، وأنه ينتظر أمره حتى إذا جاء الرد سيدعوهما لمقابلته لإخبارهما بالنتيجة، إذ أنه لايستطيع أن يتخلى عن تبعية حكم البلاد بدون أمر جلالته، ووفقا لكتاب «تاريخ مصر من عهد المماليك إلى نهاية حكم إسماعيل» تأليف جورج يانج، تعريب على أحمد شكرى، فإن القنصل الفرنسى تغيظ من هذا الرد غير المنتظر، فسأل الخديو: «منذ أى زمن كنتم سموكم الخادم المطيع للباب العالى؟ فأجابه الخديو فورا: منذ ولادتى ياسيدى»، ويؤكد «يانج» أن قنصل ألمانيا جاء فى اليوم التالى وكذلك القائم بأعمال القنصلية النمساوية وطلبا منه التنازل، وحذا حذوهما القنصل الإيطالى. هكذا بدا مطلب عزل «إسماعيل» مطلبا دوليا، وأن القناصل لجأوا إلى الضغط، بل إلى التهديد، لحمل الخديو على التنازل قبل وصول جواب السلطان العثمانى، وتهددوه فى حالة الامتناع سيتم حرمانه من المخصصات وتولى عمه حليم باشا، ويعنى ذلك أن وراثة الحكم تنتقل من ذريته، لكنه كان يلعب على الوقت، ويؤكد عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الثانى من كتابه «عصر إسماعيل»: «كان يأمل أن تختلف الدول فى طلب خلعه، وأن تنجح مساعيه الشخصية لدى السلطان عبدالحميد، حيث أوفد إليه فى الآستانة طلعت باشا أحد رجال حاشيته وزوده بالمال والرشاوى والهدايا. فى 24 يونيو 1879 وحسب رواية القنصل الأمريكى لحكومته وينقلها «يانج»، ذهب القنصل الألمانى البارون دى سورما، والقنصل الفرنسى المسيو تريكو، إلى سراى عابدين فى الساعة الثانية صباحا وطلبا إيقاظ الخديو، فأحدث مجيئهما ذعرا بين سيدات القصر، وخشين أن تكون هناك نية مبيتة لاغتياله، وذكرا أنهما جاءا لإعطائه آخر فرصة للتنازل لابنه عن العرش، وإلا فلن تمضى بضع ساعات حتى تتم تولية الأمير حليم، فأخبرهما الخديو أنه يرى أن الوقت لا يزال فسيحا للتنازل، وأنه سيقابلهم فى الصباح ثم حياهم وانسحب إلى مخدعه»، ويتحدث «الأيوبى» عن هذه اللحظات قائلا: «لما عرف فى دار الحريم أن الأوروبيين يطلبون مقابلة الخديو فى تلك الساعة من الليل، وقع الصوت وقامت القيامة، وعجت الدار بمن فيها عجا لا يوصف، وخافت سمو الوالدة أن تكون هناك مكيدة ضد حياة ابنها، فرجته بعدم الخروج، ولكنها لما علمت أنهم قناصل ألمانيا وإنجلترا وفرنسا، ومعهم شريف باشا، رضيت أن يقابل إسماعيل زائريه»، ويضيف الأيوبى: «كان سموه منفعلا جدا، وظهر كأنه لا يدرى ما النبأ، فلما ألح عليه القناصل بوجوب الاستقالة، أظهر تكدرا من أنهم أقلقوه فى ذلك الوقت غير المناسب، وأصر على الرفض». فى 25 يونيو، مثل هذا اليوم، 1879 اهتدى إسماعيل إلى أن «يقابل القوة بالقوة»، وفقا لما يذكره الأيوبى، مضيفا: «أعد مشروع مرسوم يرفع عدد الجيش المصرى إلى 150 ألف رجل، وناقش أمر إغراق الأراضى المحيطة بالإسكندرية لمنع الأعداء من التقدم داخل البلاد، ثم استدعى كبار ضباطه واستوثق من إخلاصهم وولائهم، ولكنه وجد منهم فتورا، وقرأ التردد على وجوه معظمهم، وأكد له أحد المخلصين إليه بألاينتظر أن يقوم الجند بنصرته، إذا كان العزل بإرادة سلطانية، فأدرك أن اللعبة ضاعت، وأقبل يستعد للرحيل».



الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;