سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 17 إبريل 1909.. «شيخ الإسلام» يصدر فتواه بخلع عبدالحميد الثانى سلطان الدولة العثمانية قبل عشرة أيام من خلعه الفعلى

ترقب الأتراك وسائر بلاد الدولة العثمانية فتوى شيخ الإسلام حول مصير السلطان «عبدالحميد الثانى» فى الحكم، وفى 17 إبريل - مثل هذا اليوم - 1909 صدرت الفتوى التى قادت إلى خلعه بعدها فى 27 إبريل، حسبما يذكر صبرى أبوالمجد فى كتابه «عزيز المصرى وصحبه - بناة الوحدة العربية والإسلامية». كان عبدالحميد المولود فى عام 1842 سلطانا للدولة العثمانية منذ 31 أغسطس 1876، ويذكر أبوالمجد، أنه فى سنوات حكمه «كانت الامبراطورية العثمانية امبراطورية هرمة، تحمل فى داخلها كل عوامل الفناء والدمار، وكانت الدول الأوروبية التى تحاول وراثتها وهى على قيد الحياة تستعجل اليوم الذى ستعلن فيه نهاية تلك الدولة الهرمة». يختلف تقييم حكم السلطان عبدالحميد، غير أن هناك حقائق ثابتة، منها ما يذكره «أبوالمجد» نقلا عن الكاتب الألمانى «داجوفيون ميكوش» عن قصر «يلدز» الذى كان يقيم فيه عبدالحميد.. يقول «ميكوش» فى كتابه «مصطفى كمال المثل الأعلى»: «بنى السلطان عبدالحميد مقره الملكى فى ضواحى استانبول، وكان قصر يلدز مملكة قائمة بذاتها متعددة المبانى والقصور، منها الكبير ومنها الصغير، مصنوعة من الأحجار والرخام وتحيط بها الأشجار الباسقة». يضيف: «خصص السلطان لموظفيه وضباطه وخدمه قصورا خاصة تفصلهم عن العالم الخارجى، ولا يؤذن لهم بالخروج إلا بإذن خاص من جلالته، حتى أن الأتراك أنفسهم كانوا يجهلون ما يجرى وراء هذه الأسوار العالية، وأعد السلطان القصور إعدادا كاملا بحيث أصبحت مستوفية كل وسائل وأسباب النعيم والرفاهية.. هنالك صناع للسلطان يزاولون شتى الصناعات، وفى مزارعه وحدائقه واسطبلاته الخاصة الحاوية مئات الخيول الأصلية، ألوف من الزراع والخدم وكان شديد العناية بالحيوانات مولعا بها كل الولع، وكان تحت أرض «يلدز» سراديب ملأى بالكنوز والتحف الأثرية الثمينة كما كان للسلطان مرصد خاص، وكان عدد الطباخين الذين يشتغلون فى قصره الملكى ثمانمائة طباخ، وكان جلالة السلطان نفسه - ظل الله على الأرض - يسكن هذا المعقل الحصين سجينا بمحض إرادته، وكانت دلائل الشيخوخة قد ظهرت عليه بعد أن مر عليه فى الحكم أكثر من ثلاثين سنة». تميزت فترة حكم عبدالحميد الثانى باستبداده وكثرة جواسيسه، حسبما يؤكد إبراهيم المويلحى فى كتابه «ما هنالك - من أسرار بلاط السلطان عبدالحميد» ويسجل فيه مشاهداته بحكم قربه من قصر السلطان ومعرفته ما يدور فيه، ولهذا صادر عبدالحميد الكتاب، وبعد سنوات طويلة أمد حفيد المويلحى نسخة منه إلى المحقق التراثى أحمد حسين الطماوى فدرسه وحققه وأصدره، ورغم اعتراف «الطماوى» بحيرته فى تقييم السلطان عبدالحميد، فإنه يذكر: «الثابت أنه سلطان كان يحكم على طريقة سلاطين القرون الوسطى، لذلك كانت دولته تنطوى على أسباب انحلالها واضمحلالها».. أما عن استفحال حالة الجاسوسية، فيلخصها «المويلحى» بقوله: «كان إنسان الآستانة له طريق إلى العلياء مختصر ينال الإثراء والعلياء وشهرة العلم فى يوم واحد، وليس عليه الوصول إلى مطلبه إلا أن يكتب تقريرا ملفقا يتهم فيه الأبرياء والأمناء والصادقين الغافلين فتسال عليه الدنانير ويطلع فى صدره قمر الوسام بازغا وتخاطبه الدولة بالفضيلة والسعادة». نمت المعارضة ضد عبدالحميد يوما بعد يوم، ففى عام 1898 تشكلت جمعية «الاتحاد والترقى» لعزله، وانتشرت فروعها فى ولايات منها مصر، ومضت الأحداث حتى يوم 23 يوليو 1908 حيث تمرد الجيش الثالث فى «سالونيك»، وأعلن الثورة وانضم إليهم أنور باشا ومصطفى كمال، وجولة بعد أخرى كان «عبدالحميد» يخسر أمام معارضيه، وجاءت النهاية بفتوى شيخ الإسلام «محمد ضياء الدين» فى 17 إبريل 1909، ويذكر أبوالمجد بأنها كانت الفتوى الثالثة مع ثلاثة سلاطين متعاقبين مما كان يؤكد قرب نهاية تلك الدولة الهرمة، كانت الأولى مع السلطان عبدالعزيز وتم خلعه بها يوم 29 مايو 1876، ومبايعة السلطان مراد خان الخامس، والثانية للسلطان مراد، وتم خلعه بها يوم 30 أغسطس 1876 وتولى بعده السلطان عبدالحميد خان الثانى، وكان مصدر الفتوى الأولى والثانية شيخ الإسلام «حسن خير الله». أما الفتوى الثالثة لشيخ الإسلام «محمد ضياء الدين» فكتبها يوم 17 إبريل 1909، ونصها: «إذا اعتاد زيد الذى هو إمام المسلمين أن يرفع من الكتب الشرعية بعض المسائل المهمة الشرعية، وأن يمنع بعض هذه الكتب ويمزق بعضها، ويحرق بعضها، وأن يبذر ويسرف فى بيت المال، ويتصرف فيه بغير مسوغ شرعى، وأن يقتل الرعية، ويحبسهم وينفيهم ويعذبهم بغير سبب شرعى وسائر أنواع المظالم، ثم ادعى أنه تاب وعاهد الله وحلف أنه مصلح حاله ثم حنث، وأحدث فتنة عظيمة جعلت أمور المسلمين كلها مختلفة، وأصر على المقاتلة، وتمكن منعة المسلمين من إزالة تغلب زيد المذكور.. ووردت أخبار متوالية من جوانب بلاد المسلمين أنهم يعتبرونه مخلوعا، وأصبح بقاؤه محقق الضرر وزواله محتمل الصلاح، فهل يجب أحد الأمرين: خلعه أو تكليفه بالتنازل عن الأمانة والسلطنة على حسب ما يختاره أهل الحل والعقد وأولو الأمر من هذين الوجهين؟..الجواب: «يجب».



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;