"الانفتاح المر".. إصلاحات روحانى وثمار الاتفاق النووى تصطدم بالاقتصاد الموازى لـ"الحرس الثورى".. و"نجاد" ورقة المرشد الانتخابية لضمان استمرار دعم المليشيات الشيعية وتنفيذ مؤامرات إيران بالدول العربية

ليس سهلاً أن تكون رئيساً فى ظل عباءة المرشد.. يتأمل حسن روحانى، دوائر السلطة فى بلاده الراسخة منذ ثورة الخوميني، عام 1979، ويدرك أنه ليس أكثر من موظف عام منتخب، يحتاج للسؤال قبل الخطوة التالية، ومُطالب دائماً بتبرير الخطوة السابقة.. يعلم الرئيس الإيرانى أن أى برامج مقترحة للإصلاح الاقتصادى لن تعرف طريقها للتنفيذ إلا من خلال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، ولن تنال الاستحسان ما لم يرض عنها "الحرس الثورى". يراقب روحانى عقارب الساعة التى تشير إلى اقتراب ولايته الرئاسية الأولى على الانتهاء، وتنبئه بالاستعداد لطرح اسمه مجدداً على الناخبين بحلول مايو 2017. يتذكر كيف تصدر عناوين وسائل الإعلام العالمية قبل عام وبضع شهور حين وقع مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية الاتفاق النووى الذى وصف بـ"التاريخى". يتذكر كيف تحدث المراقبون والمحللون حينها عن "إيران الجديدة" القادرة على منافسة الدول الصناعية الكبرى ما إن يدخل قرار رفع العقوبات الاقتصادية عنها حيز النفاذ.. وكيف تبدد ذلك كله أمام شبكة المصالح المشبوهة للحرس والمرشد. "إيران الدولة" تواجه "إيران الثورة" كان صيف 2015 محملاً بالمفاجآت، وقعت إيران فى الرابع عشر من يوليو الاتفاق النووى، ووقفت على بعد خطوة من رفع العقوبات الاقتصادية التى كبدتها على مدار 10 سنوات خسائر بلغت 160 مليار دولار من عائدات النفط المجمدة، وساهمت فى رفع معدلات البطالة لـ13.5% من تعداد السكان.. كانت إيران على مشارف صفحة جديدة، لا تحتاج فيها سوى أن تقدم الدولة على الثورة ، لكن روحانى أدرك ولو متأخراً أن المؤامرات مقدمة على الإصلاحات، وأن زعزعة استقرار دول الجوار، مقدماً على بناء الاستقرار فى الداخل الإيرانى. وبعد عام وبضع شهور من توقيع الاتفاق النووى، أظهرت الملفات أمام روحانى بطلان الحسابات، فى الوقت الذى كان ينتظر فيه دخول قرار رفع العقوبات حيز التنفيذ، فوجئ بصدارة بلاده قائمة مؤشر بازل لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب لعام 2016، والتى تضم 149 دولة، وصدمته تقارير لدورية فوربس الأمريكية قبل ما يقرب من شهر والتى تحدثت عن استمرار شركة "ماهان إير" الإيرانية للطيران، والمقربة من الحرس الثورى فى تنظيم رحلات سرية لتهريب السلاح والمقاتلين إلى سوريا والعراق عبر أرقام رحلات مزيفة. فى الطريق إلى "إيران الدولة"، كان صدام روحانى مع "إيران الثورة"، القابعة خلف عباءة المرشد وداخل معسكرات الحرس الثورى، حتمياً. للأخير جذور ضاربة فى عمق الاقتصاد ومفاصل الجهاز الإدارى تعود إلى تسعينيات القرن الماضى، حين أسند الرئيس الإيرانى الأسبق هاشمى رفسنجانى آنذاك مهام إعادة إعمار البلاد بعد الحرب الإيرانية ـ العراقية، إلى شركات تابعة للحرس.. ومنذ ذلك الحين تشعبت النشاطات وتعددت المجالات التى دخلها الحرس ما بين الإنشاءات وقطاع النفط والتعدين والزراعة والنقل، وحتى الاتصالات وشركات الإنترنت. وفى عهد الرئيس السابق محمود أحمدى نجاد، حصلت شركة "خاتم الأنبياء" للإعمار التابعة للحرس على عدد غير مسبوق من العقود التى تم منحها دون مناقصات وفازت بعشرة آلاف مشروع فى الفترة من 2006 لـ 2013.. ويعد عام 2006 هو العام الذهبى للحرس الثورى فى مجال الاقتصاد، حيث أصدر المرشد علي خامنئى حينها مرسوماً بخصخصة 80% من القطاع العام، وهو ما فتح الباب أمام الحرس والشركات التابعة له للاستحواذ على نصيب الأسد من شركات القطاع العام، حيث تشير التقديرات إلى أن 13.5% فقط من الشركات المملوكة للدولة انضمت فعلياً للقطاع الخاص، فيما استحوذ الحرس على النسبة المتبقية، والتى تبلغ إجمالى قيمة أصولها 70 مليار دولار، ويقدر الدخل السنوى للحرس الثوري من مجمل أنشطته التجارية بما بين 10 و12 مليار دولار. إصلاح القطاع المصرفى.. أم المعارك فور توقيع الاتفاق النووى، وجه روحانى فى يوليو 2015 رسالة مفتوحة إلى نائب الرئيس الأول إسحق جهانجيرى، مبدياً رغبته فى إجراء إصلاحات جوهرية بالاقتصاد الإيرانى بما يرسخ الأسس اللازمة لتعزيز الاستثمارات الخارجية. وأوضح حينها أن برنامجه الإصلاحى سيتركز بشكل عام على القطاع المصرفى وتعديل إطار العمل القانونى للاستثمار فى إيران والانضباط المالى، إلا أن الحرس واجه تلك المحاولات بحجة أن الاستثمارات الخارجية تحمل تهديدات للأمن القومى، وذلك لضمان استمرار سيطرته على قطاع البنوك. ويرتبط 12 بنكاً ومؤسسة مالية كبرى داخل إيران بعلاقات مباشرة وغير مباشرة مع الحرس الثورى، وتفتح تلك البنوك بدورها ما يزيد على 30 مليون حساباً وهمياً على الأقل يتم استخدامها فى صفقات التسليح والتمويل المشبوهة التى يتم إبرامها مع مليشيات العنف والإرهاب فى الدول العربية وفى مقدمتها سوريا والعراق ولبنان، ومؤخراً المملكة العربية السعودية واليمن. وعلى طريق "الانفتاح المر" على العالم، وتقديم مفهوم الدولة على طموحات الثورة، يظل إصلاح القطاع المصرفى وخروجه من عباءة الحرس، بوابة إيران الوحيدة للتعامل مع المؤسسات الإقليمة والدولية فى أى استثمارات خارجية محتملة، فى الوقت الذى يتطلع فيه روحانى الذى تنتهى ولايته منتصف العام المقبل إلى استقطاب من 100 لـ185 مليار دولار استثمارات خارجية فى قطاع النفط والغاز، وكل ذلك لن يتم ما لم يكن هناك قطاع مصرفى مقبول على المستوى الدولى. وعلى الطريق نفسه، تسعى قلة من البنوك الخاصة إلى فك العزلة عبر الانضمام إلى بعض الهيئات والمنظمات الدولية، وتفادى التعامل مع بعض شركات الحرس الثورى، كما تسعى كذلك إلى فتح فروع لها فى الخارج، وهو ما أقدم عليه بنكا "ملي" و"صباح" برفضهما تقديم خدمات مصرفية لشركات وأفراد ينتمون للحرس، لمخاوفهما من تهم غسل الأموال، خاصة فى أعقاب الجهود التى يجريها البنك المركزي الإيرانى لتحسين علاقات القطاع المصرفى الحكومى مع منظمة "مكافحة غسيل الأموال ـ إف أيه تي إف"، الكائنة فى باريس. وفى خطوة جريئة، وقع روحانى اتفاقاً مع مجموعة العمل المالى الدولية "FATF"، والذى يتضمن التعهد بتقديم ضمانات على عدم تورط القطاع المصرفى فى عمليات غسيل أموال أو دعم وتمويل الإرهاب، الأمر الذى دفع النواب الموالين للحرس والجناح المتشدد الموالى للمرشد إلى التقدم بمشروع تصويت فى البرلمان على قرار يلزم الحكومة بـ"الحفاظ على مصالح إيران العليا"، وعدم قبول الاتفاق الذى وصفه النائب المحافظ جواد كريمى قدوسي بـ"الانتحار". ويأتى تعنت معسكر المحافظين المقربين من خامنئي بسبب استمرار إدراج 170 اسماً وشركة حكومية إيرانية على صلة بالحرس، على قوائم العقوبات الاقتصادية الأمريكية والدولية بسبب تهم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وهو الأمر الذى ظهر واضحاً فى تعليق علي أكبر ولايتى مستشار المرشد الأعلى على الاتفاق، حيث اعتبر أنه لا يعود بالنفع على إيران وأن الرابح هو "من يتمكن من استمرار الممانعة"، وقال: "نحن غير ملزمين بقرارات غير مشروعة كتلك التى تصدرها المنظمات المالية الدولية ضد المسئولين الإيرانيين". وبلغ تعنت معسكر المحافظين مداه، فى سعيه وبشكل دؤوب إلى قطع الطريق أمام أى استثمارات أجنبية بغرض إفشال حكومة روحانى، وهو ما ظهر واضحاً فى تصريحات سابقة لرئيس نقابة الصناعات الكهربائية، علي رضا كلاهى، المقرب من الحرس الثورى، والتى قال فيها إن السماح للصينيين بالاستثمار فى مشاريع انتاج الكهرباء يهدد الجبهة الداخلية، برغم العلاقات الوثيقة بين طهران وبكين، وبرغم مواقف الحكومة الصينية الداعمة لإيران منذ انطلاق مشروعها النووى بداية القرن الجديد. معارك التشويه ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، تتزايد حدة الصراع بين روحانى والحرس الثورى على كافة الجبهات بما فيها معارك التشويه، حيث أقدم الحرس الثورى على إلقاء القبض على شقيق الرئيس الإيرانى ومستشاره الخاص نهاية الشهر الماضى، فى قضية وصفتها الصحف الموالية للمرشد بـ"قضية فساد كبرى". وقالت تقارير إعلامية إيرانيه إن "حسين"، شقيق الرئيس الإيرانى، ومدير صندوق التنمية الوطنية فى وزارة التعليم الإيرانية، اختلس ما قيمته 200 مليون يورو بحسب ما روجته كتلة برلمانية محافظة ـ موالية للحرس ـ مكلفة بالتحقيق فى مكافحة الفساد، وتم استدعاء وزير الاقتصاد علي طيب نيا للاستجواب أمام البرلمان، وقال متحدث باسم اللجنة البرلمانية حينها : "إذا لم ترضينا الإجابات سوف نستدعى الرئيس نفسه.. رئيس الجمهورية مسئول عن أنشطة أخيه"، واللافت فى الأمر أن من أقدم بإلقاء القبض على شقيق روحانى لم يكن الأجهزة الأمنية وإنما قوات الحرس الثورى. ويتهم التيار المتشدد في إيران حكومة روحاني بتلبية المطالب الغربية من دون الحصول على مقابل، والتهم الموجهة لحكومة روحاني، تشمل محاباة الغرب على حساب المصالح الوطنية، وهى تهم سيتم استخدامها بشكل مكثف مع اقتراب الانتخابات الرئاسية خاصة بعد حرمان شركة "خاتم الأنبياء" التي يملكها الحرس من العديد من عقود الإنشاءات الكبرى، بعد مطالبتها صراحة بالمشاركة فى 10 مشاريع ضخمة منذ فبراير 2016، الأمر الذى ردت عليه الحكومة بالرفض. نجاد.. البديل الآمن لحماية مصالح الحرس وبالتزامن مع حملات التشوية التى تلاحق روحانى، واستمرار وقوف معسكر الحرس أمام آمال الرئيس الإيرانى فى خلق بيئة جاذبة للاستثمارات، والعبور من "إيران الثورة" إلى "إيران الدولة"، تتزايد تحركات الرئيس السابق محمود أحمدى نجاد، الذى عاد قبل أسابيع للأضواء بزيارات أجراها لعدة محافظات، ألقى خلالها خطابات تهاجم الحكومة الحالية، الأمر الذى ردت عليه وزارة الداخلية فى حكومة روحانى بالتحذير من إطلاق أى حملات سياسية قبل الفترة الرسمية للدعاية الانتخابية. وقبل أسبوع ، هاجم نجاد فى مؤتمر حضره المئات فى العاصمة طهران ، الاتفاق النووى مع الولايات المتحدة والغرب، قائلاً إن روحانى خدع المرشد وأركان النظام وساق البلاد نحو المجهول، وأن المواطنين يلقبونه بـ"الكاذب" رداً على فشله فى الاقتصاد والسياسة، وعدم تحقيق أى انجاز. وبرغم الاعتراضات التى يطلقها العديد من رموز التيار المحافظ داخل إيران على نجاد، وتقييمهم السلبى لفترتيه الرئاسيتين، إلا أن استمرار تحركاته وتصعيده ضد الرئيس الحالى، وعدم اعتراض أى من المسئولين فى الحرس الثورى، أو المرشد الأعلى ومستشاريه ونوابه على تلك التحركات، يؤكد أن نجاد هو مرشح المحافظين الأكثر احتمالاً أمام روحانى فى السباق الانتخابى المقرر انطلاقه فى مايو المقبل. وبرغم ما تردد عن إعداد العميد قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس بالحرس الثورى، لخوض الانتخابات المقبلة، إلا أن الدفع به سيظل استفزازاً للغرب والولايات المتحدة الأمريكية، أكثر مما يحتاجه المرشد علي خامنئي، وهو ما يجعل من نجاد الورقة الرابحة ، والأكثر قدرة على ضمان مصالح المحافظين والحرس، حال فوزه وقطع الطريق أمام الولاية الثانية لروحانى.


















الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;