أوقفوا بورصة المزايدات وعودوا إلى فطرتكم.. مفارقة غريبة جمعت بين انتحار البطلة ريم مجدى للتخلص من العنف وبين إحياء العالم لليوم العالمى لمناهضة العنف ضد النساء.. وانقذوا الأب من اتهامه بـ"دراكولا"

صدفة غريبة تلك التى جمعت بين إحياء ذكرى اليوم العالمى لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات فى الخامس والعشرين من نوفمبر، وبين تطورات قضية البطلة ريم مجدى، وكأن الصغيرة أرادت لنفسها- دون قصد- أن تكون أيقونة هذا اليوم الذى يدعو فيه العالم لمناهضة العنف ضد المرأة، فقدمت روحها أضحية لتكون صرخة فى وجه كل أب وأم، كى ينتبهوا إلى أن كلمات تعنيف بسيطة على مدى أعوام قد تتسبب فى ضغط وانفجار كبير. الفتاة الصغيرة التى لم تكمل عامها الخامس عشر، استطاعت بمهارتها وجهدها تحقيق بطولات عالمية، وفى نفس الأعوام القليلة أيضًا تعرضت - على ما يبدو - لضغط وعنف كبيرين، دفعاها للتخلص من حياتها دون تفكير، إذا أردنا أن نكون أكثر دقة، فهى أرادت التخلص من الضغط والعنف الذى مارسه والدها ضدها على مدى أعوامها القليلة، وهى تتقبل وتتحمل وتحقق بطولات لا نعلم أن كانت حققتها لترضيه، أم كان ذلك حلمها بالفعل، لكنها وفى لحظة لم تعد تتحمل كلمات والدها العنيفة، لأن مستواها فى التمرينات لم يرضه، فعنفها وصفعها على وجهها، وحتى لو كانت الضربة خفيفة، لكنها نزلت كالصاعقة فى جسدها وعقلها على منطقة مليئة بالألم، فلم تتحمل الصغيرة، وقفزت من السيارة لتنهى هذا التعنيف وتنتهى معه حياتها. لن أدافع هنا عن والد البطلة الشهيدة بإذن الله تعالى، وأيضًا لن أتهمه، فهو أب يحب ابنته أكثر من أى مخلوق، ويريد لها الكمال، ويريدها أن تكون أفضل من على الأرض، وأيًا كانت طريقته للوصول إلى هذا، فهى الطريقة التى استقر ضميره لأنها الأمثل والأصلح لها، وهنا يجب التأكيد على أنه لا يحق لأحد أن ينصب نفسه قاضيًا أو محللًا أو فيلسوفًا، ويزايد على الرجل وطريقته فى تربية ابنته حتى لو كانت خاطئة، وحتى لو أدت لوفاة الطفلة. بالطبع هو أخطأ لأنه لم يستطع التحكم فى انفعالاته، ولم يدرك متى كان عليه التوقف عن تعنيف الصغيرة، والرجل هنا سيحاسبه القضاء وفقا للقوانين، لكن هل يستطيع أحد منكم تخيل ما يشعر به الأب الذى ماتت ابنته بسببه.. أنا أتخيل أنه يود أن يدفع عمره كاملًا مقابل أن يعود بالزمان لأيام، ليقبل رأس ابنته ويحتضنها، ثم يموت بعدها، هو قطعًا لا يهتم بما سيواجهه حتى لو كان الإعدام، لأن الموت أهون عليه ألف مرة مما يشعر به بسبب فقدان ابنته البطلة، الغالية على قلبه، والتى فعل ما فعل بها لتكون امتداده على الأرض. لا تلوموه، فهو أب محب، أراد لابنته أن تكون بطلة وقوية وصامدة ومتحققة، وقام بتربيتها وفقًا للطريقة التى رأى أنها الأصح والأفضل، وهذا شأن كل أب، يعنّف فى موقف يرى أنه يجب فيه التعنيف، ويحتضن فى موقف آخر لا يرى سبيلًا للتعامل معه سوى الاحتضان، يستخدم القسوة والحنية وفقًا لفهمه، والمقصد من الاثنين هو الأصح من وجهة نظره للطفل، وهذا شأن كل أب وكل أم، لكن يجب أن يكون هناك درس مستفاد، وهنا الدروس كثيرة، أولها يجب أن يفكر كل أب وأم بطريقة الابن أو الابنة، بعقل صغير، بالطبع يجب ألا يملى عليكم أحد طريقة محددة للتعامل معهم، لكن راقبوا أنفسكم جيدًا، واعلموا أن قلوبهم وعقولهم لم تنضج بالشكل الكافى، ولا تضغطوا عليهم لتنضج، لا تدفعوهم غصبًا لتحقيق ما فشلتم أنتم فى تحقيقه، ولا تجبروهم على شىء مهما كان فيه الصالح لهم «من وجهة نظركم»، دعوهم يختارون رياضتهم المفضلة، ومهنتهم التى يريدون، وأصدقاءهم، ونمط حياتهم، دعوهم يختارون لأنفسهم الوقت والمكان المناسبين لفعل ما يحلو لهم، وتدخلوا فقط فى أوقات الخطر. أغلقوا باب المزايدات التى حولت الأب لدراكولا وقاتل محترف يستحق الشنق فورًا، لتتطور المزايدات على الآباء عمومًا، والطريقة الخاطئة التى يربون بها الأبناء، ووصلت إلى المزايدات بأن المجتمع جاهل ومتخلف، الذى يتكاثر فيه الرجال والنساء كالحيوانات، وينجبون الأطفال دون دراية بالطريقة الصحيحة للتعامل معهم، دون تفهم لنفسيتهم، لذا فنحن مجتمع مريض لا يصلح لتربية الأطفال.. توقفوا عن المزايدة، وتذكروا أن الله عز وجل حينما خلق آدم وحواء لم يعطهم «كتالوجًا» جاهزًا يشرح الطريقة المثلى لتربية الأطفال، وتركهما لفطرتهما، فهما بشر ونحن بشر، نصيب أحيانًا ونخطئ أحيانًا، وندفع ثمن أخطائنا كبيرًا وباهظًا، مثلما سيدفع هذا الأب.




الاكثر مشاهده

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

;