قبل خمسة شهور تقريبًا، أطاح البريطانيون برئيس وزرائهم السابق ديفيد كاميرون، بشكل غير مباشر، عبر تصويتهم فى استفتاء "بريكست" الذى جرى فى أواخر يونيو الماضى، على خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبى، لتحل محله وزيرة الخارجية السابقة، تريزا ماى، والتى يبدو أنها بدأت مبكّرًا البحث عن حضن دافئ وتجمع سياسى واقتصادى واسع يغنى "لندن" عن عضوية الاتحاد الأوروبى الذى ودعته بإرادة البريطانيين، وأنها لم تضع وقتها فى النظر للتحالفات العالمية القائمة فى أوروبا والعالم الغربى، أو التأسيس لتحالف وتجمع دولى جديد، وإنما وجهت بصرها مباشرة إلى منطقة بكر، غنية بالثروات والفرص والإمكانات، ويمكن أن تكون سوقًا مفتوحة وواعدة لمنتجات بريطانيا وشركاتها.
فى تطور مفاجئ، وانفتاح على دول مجلس التعاون الخليج هربًا من الأزمات الداخلية، وفى مقدمتها ملف الخروج من الاتحاد الأوروبى عبر الاستفتاء الشعبى الذى شهدته البلاد فى يوليو الماضى، أكدت رئيسة الوزراء البريطانية "تريزا ماى"، أن أمن الخليج من أمن بريطانيا، مضيفة فى تصريحات لدى مشاركتها فى قمة "المنامة": "أمن الخليج الآن هو أمننا، لذا نحن نستثمر هناك، ولا يتعلق الأمر بالقوة العسكرية فقط، إذ ينبغى علينا العمل معًا للرد على التهديدات المتنوعة، ولذلك سنتوصل إلى اتفاقات تعاون جديدة لمنع التشدد ومعالجة الإرهاب".
وقبل ختام قمة "المنامة" لدول الخليج العربى، أمس الثلاثاء، قالت رئيسة الوزراء البريطانية: "سنؤسس مجموعة عمل مع دول المنطقة لمكافحة تمويل الإرهابيين، وستمد بريطانيا دول الخليج بثلاثة من الخبراء فى مجال الإنترنت، لمساعدتها فى التعامل مع التطرف"، كما أعلنت أن بريطانيا ستنفق 3 مليارات جنيه استرلينى على مشروعات دفاعية فى منطقة الخليج، وذلك على مدار السنوات العشر المقبلة.
وفى كلمتها أمام الجلسة الختامية للقمة الخليجية، أكدت "تريزا ماى" أهمية تعزيز التعاون العسكرى مع دول الخليج، التى تواجه عددًا من التحديات، من خلال مشاركتها المباشرة فى حرب اليمن ضمن التحالف العربى الذى تقوده المملكة العربية السعودية، أو من خلال دورها البارز فى الأزمة السورية، إضافة إلى مشكلة تنامى الدور الإيرانى فى المنطقة، معربة عن قلقها من التهديدات الإيرانية لمنطقة الخليج، ومشدّدة على ضرورة التوصل إلى اتفاقات تعاون جديدة لمنع التشدد ومعالجة الإرهاب.
الحكومة البريطانية: شركاتنا أمامها فرص فى الخليج تصل لـ30 مليار جنيه استرلينى
تريزا ماى هى أول رئيس وزراء بريطانى، وأول سيدة، تحضر قمة لدول مجلس التعاون الخليجى، وقد حملت مشاركتها عددًا من الدلالات، لا سيما بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى، وسعى "لندن" لإيجاد شركاء تجاريين جدد، بعيدًا عن السوق الأوروبية الموحدة.
وقالت الحكومة البريطانية، فى بيان صادر عنها على هامش مشاركة "ماى" فى القمة، إن هناك فرصًا للشركات البريطانية تقدر قيمتها بـ30 مليار جنيه استرلينى، للاستثمار فى 15 مجالاً مختلفًا فى الخليج، خلال السنوات الخمس المقبلة، إذ تحاول بريطانيا تأمين اقتصادها وعلاقاتها التجارية مع اقتراب خروجها من الاتحاد الأوروبى، وفى هذا الإطار زارت "ماى" الهند فى شهر نوفمبر الماضى، وتسعى لعقد اتفاقيات تجارية مهمة مع كندا.
وكانت رئيس الوزراء تريزا ماى قد قالت قبل بدء زيارتها لمملكة البحرين، إن "الإنفاق العسكرى فى الخليج أكثر من أى منطقة أخرى بالعالم"، إذ بلغ إنفاق العام 2016 فى المملكة العربية السعودية وحدها 87 مليار دولار، أى ما يعادل 13.7% من ناتجها المحلى، لتحل بهذا الرقم ثالثًا بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
الخليج يستثمر 200 مليار دولار فى بريطانيا ويستورد منها بـ16.5
وكانت تحليلات لاقتصاديين وخبراء، قد أشارت إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى سيعود بالفائدة على دول الخليج، بسبب سعيها لكسب ود المستثمرين هناك، وقالت شركة "مجموعة سيلكت بروبرتى" العقارية، التى تنشط فى كثير من الأسواق الأوروبية والخليجية، فى دراسة لها: "إن خروج بريطانيا سيمثل فرصة العمر للمستثمرين العقاريين من الخليج، للاستحواذ على أصول فى بريطانيا، خاصة مع خسارة الجنيه الاسترلينى كثيرًا من قيمته".
وقال تقرير لقناة "سى إن بى سى عربية" الاقتصادية، إن الصادرات البريطانية لدول الخليج فى العام 2014 بلغت 13.6 مليار جنيه استرلينى (نحو 16.5 مليار دولار)، كما تبلغ قيمة الاستثمارات الخليجية فى بريطانيا 200 مليار دولار، حصة العقارات منها 45 مليارًا بما يمثل 40% من الاستثمارات الخليجية فى العقارات بكل دول القارة الأوروبية.