بالصور.. الأرشيفيجى "محمد صادق" موسوعة متحركة لتاريخ مصر وثقافتها.. رحلته مع الورق بدأت منذ 35 عامًا.. ويحلم بإقامة معارض مفتوحة لتعريف المصريين على تاريخ بلدهم عبر الكتب والجرائد والصور القديمة

وسط أطنان من الورق الأصفر القديم يتجول بخفة وكأن قدميه تحفظان المكان شبرًا شبرًا، يبحث وسط الأعمدة الكبيرة من الكتب والأوراق المتراصة باهتمام وعناية عن شىء يعرفه جيدًا، ربما كتاب يحتوى فقرة أو سطرًا يحتاجه أحد الباحثين، أو خبرًا قديمًا منذ عشرات السنين عن شخصية عامة لم تكن بهذه الأهمية فى الماضى، ولكنها علقت فى ذهنه وهو يطالع هذه المجلة أو ذلك الكتاب قبل سنوات تمهيدًا لترتيبها إلى جوار الأعداد الأخرى من نفس السلسلة. هذه الذاكرة الحاضرة دائمًا التى تجعل "محمد الصادق" الأرشيفجى الأربعينى أشبه بموسوعة متحركة، تأتى على رأس المميزات التى تدفع الباحثين من كل حدب وصوب إلى البحث عنه ولو فى آخر الدنيا لمساعدتهم على إتمام أبحاثهم ودراساتهم بالاعتماد على وثائق حقيقية من الطبعة الأولى، وأحيانًا الوحيدة من كتبٍ نادرة، جنبًا إلى جنب مع الصحفيين أو الكتاب الذين يفتشون فى تواريخ شخصيات عامة، أو يريدون توثيق أحداث هامة مرت على مصر، فضلاً عن العاملين فى السينما الذين يقدم لهم كنزًا من الصور القديمة والإلهام والوثائق التى تخص مصر منذ العشرينيات وحتى الآن. داخل "مغارة الذكريات" وبين أطنان من الكنوز التراثية التى توثق تاريخ مصر بالصورة الفوتوغرافية والكلمة والكاريكاتير والأفلام أيضًا تحدث الأرشيفيجى "محمد صادق" إلى "انفراد" عن بداياته بهذه المهنة التاريخية، والتى ورثها كغيره أبًا عن جد، ولكن ميزته عن غيره هى تلك القدرة الكبيرة على التصنيف والفرز. وقال "صادق" لـ"انفراد" باعتزاز: "ورثت المهنة عن أبى الذى ورثها عن جدى، وأعرف منهما أن عائلتنا تعمل بها منذ ما يقب من 110 أعوام، حيث كانت هذه المهنة تسمى بمهنة الوراقين، أى الذين يعملون فى كل ما يتعلق بالورق من كتب قديمة ووثائق ومخطوطات وصور، وكان جدى يمكث فى تكية قديمة بشارع الخليج المصرى". يؤمن "صادق" بأن عمل الوراقين أو الأرشفة ليست مجرد مهنة وإنما "رسالة" وقال "أحزن عندما أجد الناس تتخلى عن مكتبة قديمة ورثوها عن الأجداد من أجل المال، فهذه ليست مجرد أوراق وإنما تاريخ كامل له قيمة كبيرة، لهذا السبب كنت أحرص طوال عمرى ألا أبيع ورقة نادرة واحدة حتى وإن مررت بضائقة مالية، وقتها أبيع ذهب زوجتى ولا أبيع وثائق نادرة لن يمكن تعويضها". قضى "صادق" جزءا كبيرا من حياته وسط الورق، ومن عمره الذى يبلغ 45 عامًا قضى 35 عامًا كاملة بين الورق، وقال "منذ سن العاشرة بدأت الاهتمام بالورق، وكنت أساعد والدى فى عمله حتى دون أن يطلب ذلك، وفى سن العشرين توليت العمل بنفسى لظروف مرض والدى، ومن وقتها وأنا أحمل حلمًا كبيرًا بتطوير هذه المهنة، وألا أكتفى بأن أكون تاجرًا للورق القديم". أضاف "صادق": منذ عشرين عامًا بدأت أفكر بشكل عقلانى أكثر فى المهنة، أبحث عن طريقة لحفظ الأوراق والوثائق والكتب بحيث تكون أكثر تنظيمًا، وبدأت أرتب كل ما أقتنيه من كتب حسب تصنيفها، والمجلات حسب أسمائها وتاريخ إصدارها، ومع الوقت أصبح لدى الآن مكانًا مستقلاً لكل تصنيف، فلدى غرفة كاملة لكل ما يخص تاريخ السينما، وغرفة أخرى للأدب والثقافة، وثالثة للجرائد والمجلات، ورابعة للتاريخ". بشغف كبير يتحدث "صادق" عن عمله مع الورق الذى يقول باعتزاز إنه كان يتصفحه بنفسه ورقة ورقة، ما منحه قدرًا كبيرًا من الثقافة والمعرفة، ومنحه أيضًا القدرة على مساعدة الباحثين، وقال لـ"انفراد": "الباحث يأتى ويخبرنى بموضوع دراسته، وأحضر له كل الكتب التى تحدثت عن الموضوع الذى يحتاجه، وحتى لو كانت فقرة فى كتاب قديم ونادر، وهو ما يوفر عليهم شهور طويلة من البحث والمجهود والمال أيضًا". مراحل تطور عدة مر بها عمل "صادق"، ولكن اللحظة الفارقة فى عمله كانت حين صدر قرار بنقل محلات الوراقين من الأزهر إلى الأزبكية مع الباعة من وسط البلد، وقال "هناك فارق كبير بين باعة الأزهر ووسط البلد، خاصة أننا فى الأزهر كنا نركز بشكل كبير على الكتب أكثر من أى شىء آخر". وفى الأزبكية وسط مئات المحلات التى تعمل فى المجال نفسه رأى "صادق" أنه ليس هناك مفر من تطوير مهنته ليتميز عن الآخرين وقال "بدأت أوسع مجالات اهتمامى، أصبحت أهتم بالجرائد القديمة، والصور الفوتوغرافية، وهو الأمر الذى لقى رواجًا كبيرًا ونجاحًا دفع محلات أخرى لتنفيذ الفكرة، ثم جاءت مرحلة أفيشات السينما، فى البداية لم أتخيل أنها ستحقق رواجًا كبيرًا وعرضتها بالصدفة، وفوجئت أن هناك إقبالاً كبيرًا عليها، خاصة من الزبائن الأجانب العاشقين لمصر. وقال "صادق": عندما حققت أفيشات السينما هذا الرواج والنجاح أصبحت أهتم أكثر بكل ما يخص السينما، من أفيشات وصور فوتوغرافية من كواليس الأفلام، وصور للفنانين، وبدأت أتواصل مع مصورين قدامى وأشترى منهم الصور، والآن أصبح لدى توثيق كامل لتاريخ 100 عام من السينما فى مصر بالصور والكلمات والأفلام أيضًا. باب آخر على السينما انفتح أمام "صادق" حيث لم يعد يكتفِ بتوثيقها، وإنما شارك فى صناعتها بطريقته الخاصة، وقال "بدأت أتعامل مع مخرجين ومنتجين، يطلبوا منى صور فوتوغرافية قديمة للمصريين من أجل الديكور والأزياء، ويطلبوا منى أيضًا جرائد ومجلات قديمة تواكب الأحداث فى مصر، والفنان الراحل أحمد زكى اشترى منى غالبية المواد التاريخية لأفلامه ناصر 56 وأيام السادات، كما تعاونت مع المخرج العالمى يوسف شاهين فى أكثر من عمل وثائقى". إلى جانب الاهتمام بالتوثيق والسينما ومساعدة الباحثين، يساهم "صادق" بكنوزه فى تنظيم الكثير من المعارض التاريخية، وتلك المعارض الخاصة بتكريم الفنانين، كما أنه يستعد فى الوقت الحالى لتقديم قدر كبير من الصور الفوتوغرافية النادرة للفنان الراحل محمود عبدالعزيز من أجل معرض يقام لتكريمه، هذا إلى جانب معارض تخص تاريخ مصر وتاريخ الدول الأخرى، وقال لـ"انفراد": تم تكريمى من وزارة الداخلية فى احتفالها بعامها الخمسين بعد أن ساهمت بمعرض عن تاريخ الشرطة المصرية لمدة 50 عامًا بصور نادرة ووثائق تاريخية". أما الحلم الكبير الذى يتمنى "صادق" تحقيقه ويراوده كثيرًا بسبب حسه الوطنى فهو إقامة معارض تعرف الناس بتاريخ مصر، ويقول "أتمنى لو أقيم معارض مفتوحة لجميع فئات الشعب المصرى خاصة الشباب، لتعريفهم على تاريخ مصر الذى لا يعرفونه، والذى تسجله الكتب والجرائد والمجلات لحظة بلحظة، ولكننى أتمنى أن أجد مساندة من الدولة، حتى لو كانت مساندة معنوية وليست مادية، فالكثير مما نعانيه من مشاكل فى مصر الآن يرجع إلى عدم معرفتنا بتاريخها وابتعادنا عن الاطلاع عليه".
































الاكثر مشاهده

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

;