الشباشب والمقصات أساطير النحس عند المصريين المقص المفتوح يجيب "الغم" والكنس بالليل يقلل البركة أساطير حولها المصريون لمبررات الحظ السيئ علم الاجتماع: المصريون يعلقون مشاكلهم على شماعة النحس

«إنما للنحس قواعد أخرى» تصف هذه الجملة سيكولوجية المواطن المصرى فى التعامل مع النحس، بعد أن وقف علم الطب النفسى وعلم الاجتماع عاجزاً عن تفسير معتقداته عند الحديث عن النحس، فالمصرى يختلف عن غيره من أبناء الكرة الأرضية فى التعامل مع هذه المعتقدات، له بعض القواعد التى وضعها بنفسه لنفسه وورثها لأبنائه وأحفاده والأجيال التى تلته دون أن يدرى مدى حقيقتها أو مصداقيتها أو حتى القصة التى وراءها أو على أقل تقدير الأمر والحدث السبب فى إيمانه بها.

ويعتبر «النحس» أو التشاؤم من أهم هذه المعتقدات التى يؤمن بها المصرى الأصيل حتى إن لم يكن لوجودها أى دليل، فبين الامتناع عن ترك المقص مفتوحا وقص الأظافر ليلاً وعدل «الشبشب» إذا وجد مقلوبا ورفض لعب الكوتشينة فى وقت باكر، والنهى عن الكنس فى وقت متأخر مهما كانت الأسباب التى خلقت وشكلت بعض التحذيرات التى حفظها المصريون عن ظهر قلب، وسعوا جاهدين لنقلها إلى الأجيال من بعدهم، خوفا من أن يرافقهم الحزن والاكتئاب والنكد المزمن، وأن تصاحبهم الأخبار السيئة ويكون الفقر والنحس خير صديق لهم. لذلك تحولت هذه النصائح إلى أساطير وخرافات ليس لها أساس من الصحة، ولا يوجد لها تفسير منطقى لكن آمن بها المصريون وفقا لبعض القصص الأسطورية والتراثية التى ربما احتوت مواقفها صدفة بحتة بين حدوث هذه الأشياء بالتزامن مع خبر أو أمر سيئ، وقرروا منذ ذلك الحين السير على منهج «هذا ما وجد عليه آباءنا الأولين». المقص المفتوح بيجيب النكد يعد هذا المعتقد من أشهر أساطير النحس عند المصريين، فطالما حذرنا آباؤنا عن ترك المقص مفتوحاً خوفاً من أن تنقلب الأحوال وتتبدل الفرحة أو السعادة إلى النكد الحتمى، وتقول الأسطورة إن وظيفة المقص هى القطع والفصل، وإن فكرة فتحه تعنى أنه فى حالة استعداد إلى قطع صلة ما أو علاقة ما، ومن هنا إذا ترك مفتوحا تتصاعد المشاكل بين أفراد الأسرة بحثا عن إتمام وظيفته ومهمته الأولى وهى القطع والفصل، حتى يغلق وتغلق معه المشاكل وتتحل الأزمات بأبسط مجهود ممكن، وتناقلت هذه القصة بين المصريين فى عصور قديمة حتى وصلت لنا وأصبحنا ننفذها دون أن نعلم حتى المعتقد الذى وراءها. الشبشب المقلوب.. حرام شرعاً أما هذه المقولة التى طالما دفعتنا لتعديل وضع «الشبشب» أو الحذاء المقلوب إلى أعلى، فهى أيضا من أشهر أساطير النحس عند المصريين، وهنا الأمر يختلف قليلا لأنها ترجع إلى عدة معتقدات، بعضها دينية تؤكد أن الحذاء إذا قلب نعله لأعلى بذلك يكون موجها إلى السماء، وفى هذا الفعل إهانة للذات العليا، الأمر الذى يحول هذا السلوك إلى عادة مرضية تدفع أى شخص إلى تحريك هذا الحذاء خوفا من عقاب الله، أيضا هناك تفسير آخر ينص على أن هذا الوضع المقلوب للحذاء كان يستخدم قديما فى أعمال العكوسات والسحر لجلب الشرور وانقلاب الأحوال من السعادة للحزن وهكذا، ومن هنا خشى المصريون من الشبشب المقلوب واعتبروه حرام شرعا.

الأصوات العالية فى الليل.. تجلب الشرور الضجيج واحتكاك الأشياء المعدنية مثل أغطية الأوانى والحلل أو التصفيق بواسطة الأحذية، حتى إذا كان ذلك من باب الهزار، كلها أشياء ليس لها أى نتيجة إيجابية إنما جلب الشرور هو النتيجة الحتمية والوحيدة لمثل هذه الأفعال، ويرجع البعض هذا المعتقد إلى أن الأصوات العالية والناتجة عن احتكاك الأجسام ببعضها البعض لها تأثير على العالم الآخر فربما تزعج أحدهم، وربما تستفز آخر، أو ربما تنال إعجاب الأخير، لكن فى كل الحالات فهى تجلب الشرور وتكون بمثابة نداء للجن والعفاريت لاختراق عالمنا والتدخل به، ومن هنا تأتى المشاكل التى لا حصر لها، فربما تكون سماع أخبار سيئة أو ضرر يلحق بأحبابنا أو على أقل تقدير اشتعال النزاعات والخناقات بين أفراد المنزل كنوع من الانتقام من قبل العالم الآخر ردا على إزعاجهم.

لعب الكوتشينة الصبح.. جلاب المشاكل الأرقام فى حد ذاتها كانت وما زالت مصدرا ورمزا للنحس والتشاؤم فى ثقافات مختلفة سواء ثقافتنا العربية أو الأوروبية والإغريقية، وبما أن لعبة «الكوتشينة» هى أكثر لعبة يتجمع بها هذا العدد والكم الهائل من الأرقام فتحولت بقدرة قادر إلى مصدر للنحس والتشاؤم، ومن هنا دائما ما نستمع إلى تحذيرات أجدادنا التى تحدنا عن لعب «الكوتشينة» ليلا، هذا بالإضافة إلى احتوائها على مجموعة من الرسومات كالجوكر والشايب والبنت والولد المحددة برسومات غير تقليدية تزعج البعض وتجعلهم يعتقدون أن الأرواح الشريرة تسكن بداخلها.

الخياطة بالليل بتجيب المشاكل تقول الأسطورة المصرية، إن عملية الحياكة هى مجرد صنع مجموعة من العقد المتراكمة فوق بعضها البعض، ومن هنا جاءت بعض المخاوف التى تحذرنا من القيام بحياكة أى شىء فى وقت الليل على أساس أن هذا التوقيت فى حد ذاته أفضل الأوقات التى يسيطر فيها عالم الظلمات على الكرة الأرضية، وفكرة صناعة العقد كانت من مهام بعض المشعوذين والسحرة قديما وكانوا يختارون وقت الليل ليزيد مفعولها إذا أرادوا أن يلحقوا الشر بشخص ما.

الجلوس على الكرسى مدة طويلة هيوقف حالك «الحركة بركة» من منا لم تتردد على مسامعه هذه الجملة أو هذه النصيحة من آبائه أو أجداده إذا لاحظوا جلوسه على الكرسى فترات طويلة، وعادة ما نبتعد عن هذا الوضع ونحاول أن نلبى الأمر دون أن نتساءل عن الهدف منه خوفا من أن يلحقنا الحظ السيئ، لكن فى الحقيقة هناك تفسير قديم لهذا الفعل يؤكد أن اتباعه له نهاية واحدة وهى الكسل وقلة الرزق ووقف الحال، فتقول بعض التفسيرات العلمية إن الجلوس على وضع واحد مدة طويلة خاصة إذا كان وضعا مريحا يحدث «تأكسد» للعظام ويخفض معدل الطاقة لدى الفرد، مما يجعله غير قادر على القيام بمهامه اليومية بشكل طبيعى، ومن هذا التفسير العلمى بسط المصريين هذا الوضع بأنه يوقف الحال ويقلل الرزق ويلصق الكسل بصاحبه.

آخرة الكنس بالليل يقلل بركة البيت يكمل هذا المعتقد سلسلة التشاؤم والنحس بالنسبة للمصريين الذين كان لهم تفسير آخر للكنس ليلا يتلخص فى فكرة إزعاج الملائكة الساكنة بالليل من نومهم، الأمر الذى يجعلهم يهجرون البيت بحثا عن مكان آخر يجدون فيه راحتهم، ومن هنا يكون ذلك نذيرا للشؤم، وذلك على اعتبار أن الملائكة فى الأساس مثل البشر ينامون ويبحثون عن الراحة، ولكن دون محاولة لفهم تفاصيل هذه القصة استقر المصريون على شىء واحد وهو أن الكنس بالليل يجلب الهم والحزن والشقاء ويصرف البركة من المنزل. احذروا من لعبة الأولى «الحجالة» لعبة الأولى أو «الحجالة» هى أشهر الألعاب التى يدركها ويتقنها البنات فى مصر، وهى عبارة عن رسومات لمكعبات ومربعات على الأرض تقفز عليها البنت بعد الإلقاء بقطعة الزجاج أو المعدن التى تحدد له مسيرته، وعلى الرغم من شهرتها فى مصر وإقبال الأطفال عليها فإنها تمثل النحس والفقر ودائما ما ينصح الآباء أبناءهم بالابتعاد عنها، ويعود ذلك إلى أن الكهنة اليهود والسحرة فى التراث الإغريقى، كانوا يستدعون الأرواح الشريرة بلعبة سحرية شبيهة بالأولى، من خلال رسم مربعات على الأرض وتحديد ظهور الشبح أو الجن من خلال الإلقاء بقطعة معدنية على أحد هذه المربعات مع قراءة بعض التعاويذ وإذا تحركت القطعة الملقاة على الأرض هذا يعنى وجود الشبح، الشىء الذى يدفع بالكاهن أو الساحر إلى القفز فى كل هذه المربعات مع تجنب هذا المربع على وجه الخصوص.

قص الأظافر بالليل.. متبشرش على حبايبك عملية قص الأظافر كما هو متعارف عليها تعنى قص واستئصال قطعة من الظفر والاستغناء عنها، الأمر الذى يعتقد البعض أنه تخلى عن جزء أصيل من جسمنا، ومن هنا جاء معتقد أن قص الأظافر وخاصة بالليل يعنى أننا على أتم الاستعداد إلى الاستغناء عن شىء ثمين بالنسبة لنا، لذلك يخشى البعض أن يكون هذا الفعل بمثابة نداء وتصريح بأننا مستعدون وقادرون على الفقد، وهنا يأتى رد فعل الطبيعة التى بالفعل تحرمنا من شىء أو شخص غال علينا، لذلك عادة ما تأتى هذه الجملة فى حال اتباعنا لهذه السلوكية تنهينا عن الاستمرار بها حتى لا نبشر بالسوء على شخص نحبه. إيدك الشمال بتنمل.. طب هات اللى عليك أما إذا صدقت الظروف وشعر مواطن مصرى بسيط بتنميل فى يده اليسرى فهنا الأمر يستدعى القلق والتوتر، فربما يدق أحدهم على باب بيتك مطالبا بالمبالغ المادية التى سبق أن أعطاها لك على سبيل السلف، فيفسر المصريون هذا العرض، الذى ربما يأتى من تعليق اليد بالأعلى لفترة طويلة أو تحريكها فى وضع غير صحيح يؤدى إلى عدم وصول الدم إلى اليد، تفسيرا أسطوريا آخر، وهى أن أعضاء الجسد حساسة إلى أبعد الحدود واليد اليسرى لأنها يد الشيطان لا تجلب سوى الشؤم، ومن هنا إذا تعرضت إلى التنميل يعنى أنك ستستمع إلى خبر سلبى وعادة ما يكون الإمساك بالأموال وردها لصاحبها هو الحل. البومة والغراب والقط الأسود أبطال النحس يشكل اللون الأسود وفترة الليل قطبى النحس بالنسبة المصريين لذلك إذا اجتمعا فى حيوان مثل البومة أو الكلب والقطة السوداء التى تتواجد ليلا يكون ذلك نذير للشؤم والنحس، كما أن القصة التى وراء إشارة الغراب لدفن قابيل لأخيه هابيل ليخفى جريمته على حسب بعض التفسيرات تجعل من هذا الطائر مصدرا للتشاؤم والنحس، لذلك لا يرغب المصريون فى رؤيته أو سماع صوته، لأنهم يربطون بينه وبين الأحداث والمواقف المؤسفة التى تحدث للإنسان. «التصفير» بالليل استغاثة من العالم الآخر يتشاءم المصريون من الصفير ليلا على اعتباره نداء واستغاثة للعالم الآخر يستجيب لها الجان والشياطين ويحولون الاستقرار بالمنزل أو البيت الذى يطلق فيه النداء، ومن هنا تأتى المشاكل والأزمات ويأتى معها النحس، لكن مع الوقت تحولت هذه الأسطورة واجب يقوم به الفرد دون أن يعلم من فرضه وما هى نتيجته.

علم الاجتماع: المصرى متشائم بطبعه جاء تعليق علم الاجتماع على ظاهرة أساطير النحس المصدقة والمؤمن بها أغلبية الشعب المصرى دون أن يجدوا مبررا واضحا أو مصدرا معروفا يؤكد على صحة هذه القصص لكنها انتشرت بشكل موسع واستمرت سنوات كمعتقدات ترسخت فى أذهان المصريين بهدف تعليق أخطائهم ومشاكلهم الشخصية على شماعة النحس والعادات التى تجلب الشرور والحزن.

وقالت الدكتورة فدوى عبد المعطى، أخصائى علم الاجتماع: للأسف سيكولوجية المواطن المصرى وطبيعته النفسية وتركيبته الاجتماعية تؤكد يوما بعد يوم أنه يميل إلى الحزن والكآبة والتشاؤم فى نفس الوقت، الأمر الذى دفعه لتصديق أى شىء سلبى ونشره بكل إخلاص.

فهذه الأساطير مثلها مثل الشائعات السلبية التى تنتشر فى مجتمعاتنا بسرعة الصاروخ دون أن نرجع إلى مصدرها أو نتأكد من مصداقيتها، إنما تتحول إلى مادة مسلية ومثيرة للأحاديث، هنا الأمر ينطبق تماما على معتقدات المقص المفتوح والكنس ليلا وغيرها من العادات التى نؤمن بأنها تجلب التعاسة والحزن والأخبار السيئة، فإذا كانت قصصا وحكايات عن عادات تستدعى التفاؤل كانت انمحت واندثرت بمجرد إطلاقها.

وتضيف: ومن جانب آخر يعلق المصريون دائما أخطاءهم ونتائج كسلهم أو تراخيهم عن أداء مهمة أو عمل معين أو تسرعهم فى اتخاذ قرار والنتائج السيئة التى تلحق به على شماعة الحظ أو التقصير فى حق هذه الأساطير وارتكاب ذنب فعلها سواء كان بقصد أو بدون قصد، لذلك نحاول أن نؤمن بها كثيرا حتى نؤمن بأننا أبرياء وغير مخطئين فى حق أنفسنا وأن أى فشل المقص أو «الشبشب» هو السبب فيه.

- من "أيام سودة" لعبلة كامل.. "أيقونات" التشاؤم عند المصريين على "فيسبوك"




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;