سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 14 يوليو 1854.. اكتشاف مقتل عباس باشا الأول «والى مصر» فى قصره بمدينة بنها

لم يستيقظ «عباس باشا الأول» فى موعده صباحا يوم 14 يوليو «مثل هذا اليوم» عام 1854، وكان فى قصره بمدينة بنها عاصمة محافظة القليوبية، فدخلا عليه أحمد باشا يكن وإبراهيم باشا الألفى ووجداه قتيلا، حسب تأكيد الدكتور زين العابدين شمس الدين نجم فى كتابه «مصر فى عهدى عباس وسعيد» «دار الشروق- القاهرة»، فكيف سارت الأحداث نهار هذا اليوم؟ وكيف تم قتل عباس ابن طوسون، حفيد محمد على باشا وحاكم مصر أربع سنوات من عام 1850 إلى عام 1854، خلفا لعمه إبراهيم باشا. هو طبقا لوزيره «نوبار باشا»: «كان يعيش بحق فى عزلة ووحدة يدبر كل شىء بمنتهى الاستبداد من داخل أعماق قصره، يطاع بشكل تام طاعة عمياء من الجميع، كان القصر الذى أنشأه لنفسه فى صحراء العباسية قد تم تأثيثه بذوق مرهف على أيدى كبار الفنانين، لكن على الرغم من هذا كان القصر وأثاثه كئيبا، ويمكن أن أقول: إنه كان مغلفا بالسكون ويهيأ لك فى أى لحظة أنه يمكنك سماع ذبابة وهى تطير. كنت فى بعض الأحيان أحس بالانقباض وأنا أسير داخل القصر وبداخلى إحساس بالبرودة العارمة لا نهاية لها. كانت مصر كلها على مدى أربع سنوات من حكمه تشبه سراى عباس، حيث لم يكن الناس يتزاورون أو حتى يدعو بعضهم بعضا، وكان كل فرد يعيش منطويا ومنعزلا فقد كان رجلا قاسيا إلى حد التوحش» «راجع مذكرات نوبار باشا- دار الشروق- القاهرة». حياته على هذا النحو وفقا لشمس الدين: «اكتنفها الغموض وأحيطت بالأسرار وكانت وفاته أيضا على المنوال نفسه»، ويذكر «شمس الدين» روايتين حولها، الأولى تشير إلى أن عمته الأميرة نازلى هى التى دبرت قتله، حيث «أنفذت من الآستانة «عاصمة الدولة العثمانية» مملوكين من مماليكها، وكانا على قدر كبير من الجمال بحيث يغريان وكيل عباس على شرائهما، وعندما رآهما الوكيل فى سوق الرقيق قام بشرائهما، وأحضرهما إلى قصر عباس فى بنها «عاصمة محافظة القليوبية»، فلما رآهما عباس أعجب بهما وعهد إليهما بحراسته ليلا، ولما جاء دورهما فى الحراسة اقتحما غرفة نومه وهاجماه أثناء نومه، وقتلاه خنقا، ثم نزلا إلى الاسطبلات وتظاهرا بطلب جوادين لقضاء حاجة لمولاهما، فلم يشك السائس فى الأمر، وانطلقا فارين إلى القاهرة ومنها إلى الآستانة، حيث منحتهما الأميرة نازلى مكافأة سخية»، ويضيف «نوبار باشا» على هذه الرواية: «يقال إن نازلى هانم أغرت الاثنين بجسدها ليلة «10 أو 11 يونية 1854»، صحيح أنه ليس هناك ما يعطينى الحق فى تصديق مثل هذه الراوية، لكن لا يوجد ما يمنعنى من الأخذ بها». يذكر «شمس الدين» الرواية الثانية، وهى الأكثر شيوعا حسب تأكيده، وهى أن حاشية عباس استطالوا بالغمز واللمز على رئيسهم خليل درويش بك، لأنه أساء معاملتهم، وهو أحد غلمان عباس الأخصاء وكان يعرف بـ«حسين الصغير» لأن عباس قربه إليه، ومنحه عن غير جدارة رتبة قائمقام رغم حداثة سنه، وصار كلما مر عليهم يرمونه بأقوال قبيحة وألفاظ شائنة، فشكاهم إلى عباس فأمر بجمعهم، وأمر «حسين بك» بجلدهم وتجريدهم من نياشينهم وألبسهم لبدا وزعابيط «ملابس خشنة» وأرسلهم لخدمة الخيول فى الإسطبلات، فعز ذلك على مصطفى باشا أمين خزينة عباس، لأنهم أتباعه المقربون حيث التمس من الوالى العفو عنهم، لكن عباس لم يقبل شفاعته، فسعى لدى أحمد باشا يكن وإبراهيم باشا الألفى محافظ القاهرة عندما حضرا إلى قصر عباس فى بنها، واستجاب عباس لطلبهما، وأمر بالعفو عنهم وردهم إلى مناصبهم». تقدم المعفو عنهم بالشكر إلى عباس لكنهم وفقا لـ«شمس الدين» كانوا يضمرون له السوء ويريدون الفتك به، فتآمروا مع غلامين من خدم السراى هما عمر وصفى وشاكر حسين «وقيل: عمر وصفى فقط» واتفقوا جميعا على قتله، ويقول «شمس الدين»: «كان من عادة عباس عند نومه أن يقوم على حراسته غلامان من مماليكه، وفى يوم الخميس 13 يوليو ليلة الجمعة 14 يوليو 1854 تولى الغلامان المذكوران حراسته، وفى غسق الليل فتح الباب للمتآمرين، فدخلوا عليه وهو مستغرق فى نومه، ولما أرادوا الفتك به استيقظ وحاول النجاة، ولكن عمر وصفى منعه وأعاده إليهم فتكاثروا عليه وقتلوه، وأوعزوا إلى الغلامين بالهرب، وكتم المتآمرون الأمر إلى صبيحة اليوم التالى «14 يوليو»، ولما لم يستيقظ فى ميعاده استبطأ أحمد باشا يكن وإبراهيم باشا الألفى فدخلا عليه، ووجداه مقتولا وكتما الخبر»، وتواصلت دراما الحدث حتى اليوم التالى.



الاكثر مشاهده

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

;