علا الشافعى تكتب: البحث عن الإنسان فى "القضية23".. هل نستطيع خلع رداء العنف والطائفية وماذا نفعل عند فقد إنسانيتنا.. وما الذى يتبقى من أرواح محملة بإرث ثقيل من التخوين والتكفير؟" أسئلة داهمتنى وأنا أش

ماذا نفعل عندما نفقد إنسانيتنا؟ ما الذى يتبقى من أرواح محملة بإرث ثقيل من التخوين والتكفير ونفى للآخر؟ كيف يكون الحال عندما نصير سواء شئنا أم أبينا جزءا أصيلا من صراعات سياسية ومصالح دول أو أشخاص؟ هل يحق لنا أن نتساءل فى هذه اللحظة عن آدميتنا المهدرة؟ هل نملك الجرأة أن نفتح الجراح، وننكى كل ما يؤلمنا رغم إصرارنا على أنه غير موجود؟ ماذا يفعل الضحايا والذين لا يدركون أبدا أنهم قطع شطرنج عندما يقفون وجها لوجه؟ قف طويلا وانظر لنفسك فى المرآة، وتأمل كيف أصبحت والثمن الغالى الذى دفعته من حياتك وروحك وآدميتك عندما تبنيت قضية كنت تعتبرها قضية عمرك، بل أكثر هى الوجود بالنسبة لك وتخلت عنك كل الأطراف أو تلاعبت بك.. تأمل نفسك مليا. واسأل عن الإنسان الذى تم إهداره.. كل هذه الأسئلة داهمتنى وأنا أشاهد فيلم زياد دويرى المثير للجدل- القضية ٢٣ الذى يعرض فى المسابقة الرسمية بالدورة الأولى لمهرجان الجونة السينمائى لست فلسطنية أو لبنانية، ولا أملك إرث الصراعات والفتن الطائفية بهذا العمق والتعقيد، ولكننى أنتمى أيضا لواقع لا يزال مرتبكا أو ضبابيا، مثل ما تشهده لبنان وغيرها من الدول العربية، إلا أننى بالتأكيد أملك واقعا يختلف فى تفاصيله، ولكنه بات يعرف أيضا نفى الآخر أو يؤكد ضرورة إقصائه، وأعرف أيضا أن تتحول إلى ضحية بعد أن تخذلك كل الأطراف. أرى أنه الإنسان هو أكثر ما يجب أن نفتش عنه فى فيلم «القضية ٢٣».. الذى تحوله الصراعات والفتن الطائفية والنزاعات العنصرية إلى ضحية، ويستكين هو للفكرة، وهو ما نراه من خلال العنف والغضب المكتوم الذى يتصاعد فى دراما متوازية داخل نفسيات البطلين، كأن كل منهم يعزف الكريشندو الخاص به، لتصاعد أيضا دراما الفيلم من خلال البطلين، طونى المسيحى وأحد ضحايا مذبح دامور فى لبنان، وياسر الفلسطينى ابن القضية التى يعلن الكل تبنيها، ولكن الكل يتخلى ويتاجر طبقا لمصالحه وهو المهندس خريج الجامعة الأمريكية فى القاهرة وارتضى أن يعمل رئيساً لعمال إحدى الشركات لأنه لاجئ فلسطينى لا يحق له العمل. ‎طونى «عادل كرم» صاحب مرآب لتصليح السيارات وزوج ينتظر مولد طفلته الأولى يقيم فى منطقة فسوح ذات الأغلبية المسيحية فى بيرو. ‎ونعرف من خطب بشير الجميل، السياسى الراحل الذى كان قائدا عسكريا للقوات اللبنانية، التى يستمع إليها طونى بصورة شبه دائمة فى ورشته، انتماءه الحزبى والسياسى وتعصبه لهذا الانتماء. ‎ذات يوم يتم تكليف المهندس ياسر «كامل الباشا»، الذى يعمل فى شركة كلفتها إدارة الحى بترميم المنازل، بتفقد المخالفات فى الشارع حيث يقيم طونى. ‎ياسر فلسطينى يقيم فى مخيم للاجئين الفلسطينيين فى لبنان. ‎ويتصادف مرور ياسر مع سقى طونى للزرع فى شرفته ويتساقط الماء من الشرفة، ليغرق ثياب ياسر. ‎قد يبدو الأمر حادثا غير متعمد أو صدفة، وفوزك غضب، ولكنه يحمل ثقل. أعوام طوال من الأحقاد والكراهية التى حفرتها الحروب والمذابح، فطونى علم من لهجة ياسر أنه فلسطينى فقرر أن ينفس عن غضب مكبوت. ‎ويتصاعد الخلاف سريعا بين الجانبين ويخرج عن إطار السيطرة ويصل إلى الجملة الحاسمة التى أنذرت بفيض من الغضب فى البلاد، حيث يقول طونى فى فورة غضبه لياسر: «يا ريت شارون محاكن عن بكرة أبيكن». وهى الجملة التى على إثرها يضرب ياسر الفلسطينى طونى المسيحى اللبنانى ويصيبه بكسر بضلعين فى الصدر، وهى المشاهد التى آجاد زياد رسمها ببراعة.. وأداها البطلان بمهارة وانضباط انفعالى طونى يتصرف كثور هائج الغضب يعميه عن كل شىء، وبغطرسة شديدة فهو صاحب الأرض، وياسر لا يعلو صوته، بل انفعالاته داخليه مكتومة، فهو اللاجئ والمهدد طوال الوقت.. ويتطور الأمر إلى أن يصل إلى ساحة المحكمة طونى يصر أن يأخذ حقه، ولكنه لا يستطيع أن يسيطر على غضبه، وينفجر بركان الغضب فى وجه القاضى الذى يحكم ببراءة ياسر، ويستأنف طونى على الحكم، وهنا تتداخل المصالح وتصفية الحسابات، طونى الغاضب لا يتردد فى تصعيد الأمر حتى لو قام بإيذاء نفسه، مشاهد سريعة متلاحقة، وحوار شديد الذكاء، أقرب إلى المبارزات خصوصا فى مشاهد المحاكمة الطويلة وتحديدا بين المحامى المخضرم جسد دوره بحرفية عالية « كميل سلامة» الذى بدا مثل الثعلب الذى ينتظر قنص ضحيته الذى كان يدافع عن سمير جعجع شخصيا، وابنته المحامية الشابة التى تقرر الدفاع عن ياسر الفلسطينى، وكان هى الآخرى تريد أن تثبت لوالدها خطأ اختياراته فى الأطراف التى ينحاز إليها، تلك المحاكمة التى تشعل الشارع من جديد، وتفتح الجراح وتتساءل حول المسكوت عنه، ويكاد الأمر أن يشعل فتيل الحرب من جديد، التى لاتزال جذوتها داخل بعض الأرواح.. السيناريو الذى صاغه دويرى مع جويل توما لم يلجأ إلى تنميط الشخصيات أو تقسيم الدراما إلى أشرار وأخيار، أو ضحايا ومذنبين، وهذا هو سحر الفيلم وجمالياته الأبيض يتداخل مع الأسود، الأدوار تتبدل طونى الغاضب الذى يبدو شريرا، فجأة نكتشف أنه ضحية، ياسر المسالم صاحب الغضب المكتوم، فجأة نجده مذنب لحظات ومشاعر انفعالية تتداخل وتتلاعب بِنَا ومعنا بمهارة شديدة وتكثيف درامى، يؤكد معنى واضح ومحدد أن العذاب ليس حكرا على أحد والألم لا يختص إنسانا بعينه لكل إنسان عذاباته ومبرراته ومعاناته، وأجمل ما فى السيناريو هو تتداخل الخاص بالعام، الماضى بالحاضر وخصوصا عندما تتطور القضية لتصبح قضية رأى عام. بالتأكيد فيلم زياد القضية 23 لن يرضى جميع الأطراف، لأن الفيلم يعكس تماما كيف سيتم التعاطى معه الفلسطينى سيشاهده من واقعه المرير، وقضيته المعقدة والمتشابكة، واللبنانى المسيحى أيضا من واقع معاناته، وقد يكون الفيلم خطوة أولى فى أن نملك القدرة من النظر لانفسنا فى المرآة ومحاولة استعادة الإنسان الذى تاه وسط ذلك الواقع السياسى والدينى المرعب، لنتعلم أن نخلع رداء الغضب والعنف والطائفية وهذا ما فعله بطلى الفيلم.. بعيدا عن تحميل الفيلم أكثر مما يجب.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;