خالد صلاح يكتب: الألمانى مارتن شولتز والمعارضة السياسية فى مصر.. أقنع حزبه بالتحالف مع ميركل رغم اختلافهم فكريا لإنقاذ ألمانيا من سيطرة اليمين المتطرف.. ولم يتعامل بـ"مكايدة" على حساب مصلحة بلاده ولتب

فرق هائل بين البناء الفكرى والنفسى والسياسى لتيارات المعارضة فى مصر، وبين ما هى عليه المعارضة فى الديمقراطيات الغربية، هذا الفرق هو الذى يؤخر «فى تقديرى» عمليات التحول الديمقراطى المأمولة فى بلادنا، وهو الذى يعطل مسارات العمل السياسى الطبيعى، ويسد شرايين البلد أمام التطور الذى يقود إلى التداول السلمى الطبيعى للسلطة، فأحزاب المعارضة الأوروبية مثلا تستطيع أن تجد طريقها للعمل مع الحكومات المنتخبة وأحزاب الأغلبية دون أن تشعر بحرج من هذا التعاون، ودون أن تقطع طريق التقدم على بلدانها عبر افتعال موجات الغضب أو تعطيل الاقتصاد أو إطلاق الشائعات المريضة أو التحالف مع دول أجنبية ضد مصلحة أوطانها، أما فى مصر فلا ترى تيارات المعارضة سبيلا للوصول إلى السلطة إلا بهدم الآخر، وهدم كل إنجازات الحكومات المتعاقبة، وتخوين القائمين على السلطة، والتحالف الساذج مع بلدان معادية ضد مصلحة مصر. سأعطيك مثالا واحدا لتقريب هذه الفكرة، انظر ماذا حدث فى ألمانيا هذا الأسبوع، وكيف تعاملت المعارضة مع عمليات تشكيل الحكومة التى تقودها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فالحزب الاشتراكى الديمقراطى الألمانى المعارض بقيادة «مارتن شولتز» قاد حوارا صاخبا ساخنا واسعا فى مدينة بون، لإقناع أعضاء حزبه بالتحالف مع الحزب المسيحى الديمقراطى لتشكيل حكومة بقيادة ميركل، ورغم المعارضة من شباب الحزب الاشتراكى الذين يقودهم «كيفن كونارت» فإن شولتز استطاع الحصول على موافقة الحزب على هذا التحالف، وإنقاذ حكومة ميركل، ووصل شولتز إلى هذه النتيجة بأغلبية هزيلة، حيث صوت 362 عضوا فى المؤتمر العام لصالح أفكار شولتز والتحالف مع ميركل، فيما عارض ذلك 280 مندوبا فى المؤتمر. انظر إلى هذا المشهد من فضلك، فالمعارضة الاشتراكية تخوض حوارا داخليا للتحالف مع حزب مختلف معها فى منظومة الأفكار، والحزب الاشتراكى يواجه شبابه المتحمسين لإسقاط حزب ميركل ويدافع عن قيادتها للحكومة المرتقبة، لأن سقوط ميركل سيضر بالمصلحة العليا لألمانيا، إذ سيؤدى إلى صعود حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليمينى المتطرف، وهو ما سينعكس سلبا على مستقبل ألمانيا داخل وخارج القارة الأوروبية. المعارضة الألمانية لم تطبق نظريات «المكايدة» السياسية مع المسيحيين الديمقراطيين الذين هزموا الاشتراكيين هزائم قاسية فى معركتين متتاليتين، لكن هذه المعارضة واجهت حماس شبابها بالحوار، ولجأت للتصويت، ودافعت عن بقاء حكومة يقودها المنافس التقليدى للاشتراكيين وهو الحزب المسيحى الديمقراطى، لا ضرب تحت الحزام، ولا عقاب للحزب المنافس يؤدى إلى عقاب البلد بالكامل وسقوطها فى فخ التطرف، ولا انشقاقات داخل الحزب الاشتراكى بعد هذا التصويت، ولا تخوين لقيادات الحزب التى قررت التحالف مع ميركل وتشكيل حكومة تقود ألمانيا نحو المزيد من التقدم والازدهار الاقتصادى والسياسى. المعارضة أنقذت البلد، هل تفهم ماذا أقصد؟ المعارضة ساندت حزب الأغلبية لتبقى ألمانيا قوية، هذا أساس الدور الذى تلعبه هذه المعارضة الوطنية، لا تسعى لأن ترث السلطة على جثة البلد، ولا تضرب فى إدارة الحكومة حتى تنهار الأمة وينهار الاقتصاد وتعم الفوضى، لكنها معارضة تقاوم الفوضى، وتشارك الحكومة فى القيادة، وتحمى المؤسسات الدستورية من الانهيار. هل فهمت مقصدى هنا، قارن أنت بين ما فعله مارتن شولتز فى بون الأسبوع الماضى وبين ما يقوم به معارضو المكايدة السياسية والأهواء الخاصة هنا فى بلادنا، أنت لا تسمع معارضا إلا ويريد إعدام كل من هم فى السلطة، ولا يرى مستقبلا لأفكاره إلا بهدم البلد على أصحابها وإعادة بنائها من جديد، ولا يرى صوابا إلا وحاربه، ولا خطأ إلا وبالغ فى تضخيمه لمصالحه الخاصة. المعارضة الحقيقية هى التى تؤمن مسارات التداول الديمقراطى للسلطة، وتنحاز إلى استقرار الأوطان، وليس إلى اعتلاء كراسى الحكم فقط على حساب البلد. إصلاح المعارضة من نفسها هو بداية الطريق للتداول السلمى الحقيقى للسلطة. والله أعلى وأعلم. مصر من وراء القصد.










الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;