فتحى سرور ليس الأول..أشهر قضايا "التأديب" فى تاريخ نقابة المحامين



الواقع والحقيقة يؤكدان أن وتيرة الأزمة، قد تصاعدت داخل نقابة المحامين، عقب ايقاف الفقيه الدستورى الدكتور فتحى سرور عن العمل، ازاء احالته لمجلس التأديب بالنقابة، لمخالفته قرار الإضراب، وتعليق العمل أمام محاكم الجنايات على مستوى الجمهورية أول أمس، وذلك بعد صدور حكم بسجن 7 محامين في محافظة المنيا بتهمة إهانة القضاء، حيث شهد عدد من المحاكم، إضرابًا جزئيًا عن العمل، لعدد كبير من المحامين، بإستثناء المحامين المخالفين للقرار.

العديد من الشخصيات الهامة فى تاريخ نقابة المحامين التى تُعد أحد القلاع النقابية المصرية، قد واجهت قرار الإحالة للتأديب، حيث أن الدكتور فتحى سرور لم يكن الأول، فكان منهم مصطفى باشا النحاس وويصا واصف وجعفر فخري فى القضية المعروفة اعلامياَ بـ"قضية المنسحبين"، فضلاَ عن منتصر الزيات، المرشح الخاسر على مقعد النقيب، على خلفية واقعة شكوى المدير المالى السابق للنقابة .

يرصد "انفراد" فى هذا الشأن الواقعة الأهم والأبرز داخل النقابة منذ تأسيسها 30 سبتمبر 1912، حسب ما جاء في كتاب مجدى المهدى المحامى بعنوان (سجل الخالدين فى قضية المحامين المنسحبين) فيما يتعلق بإحالة المحامين الى مجلس التأديب.
فى عام 1927 توفى زعيم حزب الوفد سعد زغلول باشا (المحامي)، وفى تلك الأثناء حل محله رئيسًا للحزب مصطفى النحاس باشا (المحامي)، وشكَل مصطفى النحاس وزارة ائتلافية لم تدُم إلا شهور قليلة (17/3/1928 – 25/6/1928)، حيث تنكر الملك فؤاد والإنجليز للديمقراطية وقام الملك بإقالة وزارة النحاس باشا، وتم اسناد تشكيل الوزارة لزعيم الأقلية محمد محمود باشا، والذي عٌرف بصاحب القبضة الحديدية في عامي 1928 – 1929 .

كلف الملك فؤاد حينها محمد محمود باشا بتشكيل الوزارة في 25/6/1928، على اثرها قام الأخير بحل مجلس الشيوخ والنواب وتعطيل دستور 1923 وصرح بإنه سيضرب بيد من حديد على كل عابث بالأمن أو مسبب لإضطراب النظام وهي السياسة التي سميت بديكتاتورية اليد الحديدية.

في ظل هذا المناخ السياسي وبعد إقصاء حزب الوفد عن السلطة والعداء له وفي ديسمبر من عام 1928 يُقدم ثلاثة من كبار المحامين ومن قيادات الوفد لمجلس التأديب (مجلس تأديب المحامين) وهم مصطفى النحاس وويصا واصف وجعفر فخري – وذلك بدعوى إخلالهم بشرف مهنة المحاماة – لاتفاقهم في فبراير سنة 1927 مع والدة الأمير أحمد سيف الدين على أتعاب باهظة لرفع الحجر عنه وتسلمه أمواله وأنهم اتفقوا على المرافعة دون التثبت من ظروفها وبدون اتصالهم بصاحب الشأن نفسه، وأن الاتفاق قد روعي فيه ما لهم من المراكز السياسية وما لهم من نفوذ، وقد أمدت الحكومة الصحف المناوئة لحزب الوفد بوثائق من أوراق هذه القضية وهي عقود الاتفاق على الأتعاب، وقد صاحب نشرها دعاية شديدة على نزاهة النحاس باشا وصحبه .

وأصدر مجلس تأديب المحامين حكم في سنة 1929 ببراءة النحاس باشا وزميليه وقد أثبت في أسباب الحكم وحيثياته تزييف بعض عبارات الترجمة العربية التي نشرت لبعض الوثائق المحررة أصلا باللغة التركية، كما ثبت الشهادة الزور لمصلحة الإتهام وبعد صدور حكم البراءة وإزاء غضب حكومة محمد محمود فقد أقدمت ولأول مرة – منذ إنشاء نقابة المحامين – على القيام بتعديل قانون المحاماة دون موافقة النقابة وذلك في 24 فبراير 1929 بإصدار المرسوم بقانون رقم 16 لسنة 1929 بتعديل بعض أحكام قانون المحاماة رقم 26 لسنة 1912.

إلا أن سياسة محمد محمود باشا هذه وجهت بمقاومة شعبية شديدة وهاجمة الكثير من الكتاب وكان في مقدمتهم عملاق الأدب العربي وكاتب حزب الوفد الأول في ذلك الوقت وهو الأديب الكبير عباس محمود العقاد والذي قاد حرب ضروس ضد محمد محمود باشا، فبعد أن أعلن محمد محمود أنه سيضرب بيد من حديد اقرارًا لما يريد وبدأ سياسته هذه بأن منع الاجتماعات وكبل الحريات وراقب ذوى الرأي – كتب العقاد عدة مقالات في صحيفتي كوكب الشرق والبلاغ حملت عناوينها (مجنون في يده سيف) وفي عنوان آخر (يد من حديد في ذراع من جريد) .

وإزاء هذة المقاومة الشعبية البطولية تسقط حكومة محمد محمود، ويعود الوفد إلى الحكم مرة أخرى – ويعيد الدستور، وتجرى الانتخابات ولكن النحاس باشا لم يستطع التوصل إلى تفاهم مع الإنجليز فيقيل الملك الحكومة التي لم تستمر في الحكم إلا أشهر قليلة، ويكلف إسماعيل صدقي في عام 1930 بتشكيل الحكومة، والذي جاء بديكتاتورية جديدة – سميت ديكتاتورية إسماعيل صدقي الأولى والذي بموجبها تم مضاعفة سلطات الملك الاستبدادية وتأكيدها والعصف بكافة الحريات والحقوق الشعبية والفردية.

وفي عام 1931 تجرى الانتخابات في جو من القمع ويقاطعها كل من الوفد والأحرار الدستوريين وكانت نتيجتها حصول حزب الشعب الذي رأسه إسماعيل صدقي ثم عبد الفتاح يحي على 84 مقعدًا وحزب الاتحاد وهو موالي للقصر على 40 مقعدًا والحزب الوطني على 8 مقاعد والمستقلين على 18 مقعد.

وفى ظل خنق الحريات فى عهد صدقي باشا، نشأت قضايا ضد الصحفيين لما وقفت الصحف المصرية تقاتل الدكتاتورية بأقلام من نار، على اثرها حوكم الأديب الكبير عباس محمود العقاد والصحفي الكبير محمد توفيق دياب كما تم محاكم الصحفي الكبير محمد التابعي، كما تم محاكمة أحمد شفيق وحسين شفيق ومحمود رمزي نظيم وغيرهم عشرات.

لم يقف المحامون مكتوفى الأيدى فى ظل قمع الأقلام وقصفها، بل وقفوا بجانب الصحفيين كالعادة في التحقيقات والمحاكم، ومن هؤلاء المحامين مكرم عبيد ويوسف الجندي وصبري أبو علم وزهير صبري ومحمود غنام ومحمد صلاح الدين وحسين النحاس ورافع محمد رافع وعبد الحليم رافع، ومحمد شوكت التوني.

وظل المحامون يدافعون عن المتهمين طوال سنوات حكم صدقي باشا وعبد الفتاح يحي باشا إلى وزارة نسيم باشا ثم نشأت قضايا عمال العنابر الأبطال وقضايا الطلبة من طلبة الجامعة المصرية وجامعة الأزهر، كما كان للمحامين موقف المساندة بجانب المتهمين الثائرين ضد الحكم المطلق في الريف المصري.

وجاءت قضية القنابل التي اتهم فيها الدكتور نجيب إسكندر وآخرين من حزب الوفد بالتآمر على القتل والقاء القنابل وكان بطل الجاسوسية فيها إبراهيم الفلاح وفي هذه القضية أنتشر بين الرأي العام أن الحكومة تمهد لتقديم هذه القضية والمتهمون فيها أمام محكمة غير المحكمة المختصة بنظرها إبتداء.

عقب هذة الواقعة ثار كثير من الكتاب وكتبت بعض المقالات تهاجم نية الحكومة هذه وكان أشدها مقالات مكرم عبيد وعقدت جلسات المحاكمة أمام الدائرة المختصة بنظرها أصلا وأثناء انعقاد الجلسات تتنحي الدائرة فجأة عن نظر القضية لاستشعار الحرج، وتم اسناد نظر القضية للدائرة التي أشيع أن الحكومة ستسند القضية لها لمباشرتها برئاسة محمد نور وتباشر المحكمة جلسات المحاكمة وهي متأثرة بمقالات مكرم عبيد ويعتذر مكرم عبيد في إحدى الجلسات عن الحضور لعذر قهري أثناء مرافعته ويعود لاستكمال مرافعته فتطلب منه المحكمة إنهاء مرافعته، ويحدث صدام بينه وبين المحكمة يترتب عليه انسحابه وستة من المحامين الآخرين بالدعوى فتغرمهم المحكمة ثم تحيلهم إلى التأديب وتنظر دعوى التأديب أمام قاض قضاة مصر عبدالعزيز باشا فهمي ويترافع عن المحامين أمام مجلس التأديب مرقص فهمي فكانت مرافعته ومذكرته تلك التي تعد مثلا أعلى للأدب القضائي.




الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;