الأوقاف: تحصين العقل من الأفكار المتطرفة يضمن حياة مستقيمة

عقدت وزارة الأوقاف ندوة للرأى تحت عنوان "مخاطر الإلحاد وسبل المواجهة" بمبنى الإذاعة والتليفزيون، تحدث فيها الدكتور بكر زكى عوض عميد كلية أصول الدين والدعوة بالقاهرة الأسبق، والدكتور أيمن على أبو عمر وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة. وفى كلمته وجه الدكتور بكر زكى عوض الشكر لوزارة الأوقاف على هذا التوجه فى مناقشة القضايا الملحة والمطروحة على الساحة الفكرية، داعيًا إلى أن تتسع هذه الندوات لأماكن أكثر ليكون العائد أنفع أن شاء الله تعالى. وأوضح زكى، أن النفوس كلها فُطرت على الإيمان بالله تعالى، كما فى قوله تعالى: " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ"، وقوله تعالى: " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ"، وهنا يقول ربنا سبحانه وتعالى: " الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا "، ولم يقل التى فطر الإنسان عليها ليدل على أن كل نسل سيدنا آدم (عليه السلام) فُطر على هذا الإيمان بالله تعالى، وفى الحديث القدسى: " وَإِنِّى خَلَقْتُ عِبَادِى حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أن يُشْرِكُوا بِى مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إلى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ"، ويقول النبى (صلى الله عليه وسلم): " مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُشَرِّكَانِهِ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ ؟ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ"، فمن مجموع هذه الآيات والأحاديث ندرك أن الله قد فطر كل الناس بلا استثناء على الإيمان بمُصدر ومنشئ وموجد لهذا الكون، تم العلم به من طريق الوحى، وسمى نفسه (الله)، فهو منشئ هذا الوجود فمن أنكر ذلك فقد عدل عن الفطرة التى فُطر عليها، وهذا معنى الإلحاد فهو عدول عن الحق إلى الباطل، وعن الفطرة التى فُطر عليها إلى ضد الفطرة. وأوضح زكى، أن هناك عوامل تلعب دورًا كبيرًا وتؤثر تأثيرًا مباشرا على هذه الفطرة، من هذه العوامل: الصراع بين الشيطان والإنسان، فلقد توعدنا الشيطان كما ذكر القرآن الكريم قال تعالى: " فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ"، ويقول تعالى: " وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا"، ومن العوامل: البيئة المحيطة التى يولد فيها الإنسان سواء البيئة الكبرى أو البيئة الصغرى، ومنها: أن العقل يحتاج إلى انضباط فى التفكير لأنه كالفرس يحتاج إلى من يرد جماحه، فإذا لم ينضبط العقل ذهب إلى الإلحاد والإعراض عن سبيل الله، مشيرًا إلى أن الإلحاد فى المنطقة العربية والإسلامية ليس بالكثرة التى يتصورها البعض، ولكن الملحد بفعله يقلق المكان أو المدينة كلها، مختتمًا حديثه بأن الأمة لا تزال بخير، فالإلحاد شيء عارض. وفى كلمته أكد الدكتور أيمن على أبو عمر أن تحصين العقل من الأفكار المتطرفة يضمن حياة مستقيمة، لأن العقل غير المنضبط يصبح شاردًا منحرفًا، والعقل المنضبط المستقيم هو الذى عرفنا بالله تعالى، وكان خطاب الله تعالى واضحًا للعقل عندما خاطب المنكرين والجاحدين بألوهيته - تبارك وتعالى - يقول - سبحانه وتعالى -: " أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ"، فهذا خطاب للعقل، وحوار بين الله تعالى وبين خلقه، والحقيقة الناصعة ليست فى حاجة للتدليل عليها وقد قالوا: "نظرك فيك يكفيك"، فهو سبحانه وتعالى أوجد هذا الكون الذى يسير بهذه الدقة والحكمة، يقول تعالى: " لَا الشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَا أن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"، كما أنه سبحانه وتعالى يعطى ويمنع ويحيى ويميت ويعفو ويصفح، وأحوال الناس تتبدل وتتغير، فكل هذا الكون لابد له من مدبر وخالق، يقول تعالى: " اللَّهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لِأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ"، ويقول تعالى: "وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ". وأشار أبو عمر إلى أن المنتمى للفكر الإلحادى يريد أن يزن الأمور بميزان المادية البحتة، وكيف له ذلك ولا يستطيع أن يدرك أشياء فى نفسه شخصيًا، فالروح إذا خرجت مات الإنسان، ترى أين هى ؟ وما هى ماهيتها ؟ وهذا العقل الذى ندرك به الأشياء أين هو ؟ فهو لا يستطيع أن يدرك كنه نفسه، فكيف يستطيع أن يدرك الذات العلية ؟ يقول تعالى: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "، ويقول تعالى: " أَلَمْ تَرَ أن اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ"، ففى الآية الكريمة عندما جاء الكلام عن الإنسان قال: " وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ"، مؤكدا أنه من الواجب علينا أن نعى جيدًا أن حروب الجيل الرابع والخامس حروب ممنهجة، قد تأتى من باب التدين الشكلى، أو من باب الانفلات الأخلاقى، أو من باب هدم الدين ونشر الإلحاد بكافة أنواعه، فإذا انتشر الإلحاد فلا دين ولا ضمير يحول بين الإنسان وبين نشر الفساد فى الأرض، وستصبح حياة الإنسان أضل من حياة الأنعام، يقول الله تعالى: " وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ"، ويقول تعالى: " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ". وأوضح أبو عمر أن جميع مؤسسات الدولة تتضافر جهودها فى مواجهة انتشار ظاهرة الإلحاد بصوره المرفوضة، فوزارة الأوقاف عقدت العديد من البروتوكولات مع كافة مؤسسات الدولة المعنية بالأمر، كالتعاون مع وزارة الثقافة مثلًا، والذى أثمر عن كتاب "مخاطر الإلحاد وسبل المواجهة"، وبالتعاون بين وزارة الأوقاف والهيئة العامة للكتاب تم إصداره مرة أخرى بحجم أصغر ليكون فى متناول أيدى الشباب، ومضمون هذا الكتاب يتحدث عن نشأة الإلحاد ومخاطره، وعن دور مؤسسات الدولة فى مواجهة هذا الفكر المنحرف، وبالتعاون بين وزارة الأوقاف وبين وزارة التربية والتعليم تم الانتهاء من المرحلة الأولى من سلسلة "رؤية" والتى تتناول جانبا كبيرا من بناء الوعى عند الشباب وغيرهم، وعن تفنيد ضلالات الإرهابيين والرد عليها، وتم توزيع آلاف من هذه السلسة لمديريات التربية والتعليم، والتعليم العالى، ومراكز الشباب والرياضة، فضلًا عن الدورات التدريبية للأئمة وتأهيليهم لإعطائهم الدور الكبير فى التواصل مع الناس، فضلًا عن النشاط الملحوظ فى وزارة الأوقاف من ندوات وقوافل وخطب الجمع لنشر الوعى وخلق الحوار البناء بين أطياف الشعب، ناصحًا الشباب بعدم الانحراف فى الفكر والبحث عن أهل الاختصاص لمعرفة الفكر الوسطى المعتدل.



الاكثر مشاهده

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

رابطة العالم الإسلامي تُدشِّن برنامج مكافحة العمى في باكستان

جامعة القاهرة تنظم محاضرة تذكارية للشيخ العيسى حول "مستجدات الفكر بين الشرق والغرب"

;