حسام حسين يكتب: شخصيات لها تاريخ ... إبراهيم باشا


فى واحد من أجمل ميادين القاهرة الخديوية " ميدان الأوبرا " يقف شامخاً تمثال أحد رجال الدولة المصرية الحديثة ممتطياً حصانه شاهراً سيفه .

أنه أحد القلائل اللذين تُدرس تكتيكاتهم الحربية حتى الأن ، قل عنه أبو الجيش المصري الحديث أو سمه أبو المدفعية المصرية أنه المحنك والقائد العسكري الذى لم يُشق له غبار ومن أعلى أسم الجيش المصري الحديث فوق رؤوس الأمم كما كان دائماً منذ أجدادنا القدماء المصريين

إنه مير ميران الجيش المصري " إبراهيم باشا "

ولد إبراهيم باشا عام 1789 في قولة إقليم روملي على حدود مقدونيا وتراقية باليونان والتى كانت تقع تحت الحكم العثمانى فى ذلك الوقت وهو الأبن الكبر لمحمد على وساعده الأيمن والمصنف عالمياً من أحسن قائدي الجيوش فى القرن التاسع عشر فهو قائد عسكري لا تفوته صغيرة ولا كبيرة فى فنون الحرب حيث أنه درب الجيش المصرى طبقاً للنظم الأوروبية وبني المدفعية المصرية على غرار المدفعية الفرنسية بل تفوق عليها فقد أكسبته الخبرات الميدانية الكثير فأعلى راية الجيش المصري وأكسبه التفوق والأمتياز .

إتصف إبراهيم باشا بالذكاء والقوة والعدل وحب النظام والبُعد عن المظاهر
ويُعد من القادة واسعي الأطلاع فى التاريخ بجانب إلمامه بالعلوم والفنون فهو يتحدث عدة لغات منها " العربية ، الفارسية ، الألبانية ، التركية " .

لم يكن إبراهيم باشا مصرى المولد ولكنه كان مصري الهوي والهوية فهو يفضل مصر والمصريين عن أي بلد وعندما سُأل كيف تكون مصرياً وانت لم تولد بها فاجاب " لقد جئت مصر صبياً ، ومنذ ذلك الحين مصرتني شمسها وغيرت من دمي وجعلته دماً مصرياً " .

عندما بلغ إبراهيم باشا السابعة عشر من عمره عينه والده على قلعة القاهرة وبعدها أرسله لتأديب المماليك والبدو فى صعيد مصر وقد أستطاع اخضاعهم بنجاح وفي سنه 1887 عينه دفتر دار " أى مفتش عام " للحسابات

أهتم إبراهيم باشا بشئون مصر الأدارية وخاصة الزراعية لأهميتتها فى حياة المصريين فأدخل بعض الزراعات التي يمكن نجاحها فى مناخ مصر من فاكهة وخضروات واشجار ونباتات زينه واكثر من زراعة الزيتون والتوت وقصب السكر كما عنى بتطوير الثروة الحيوانية وساعد والده فى شق الترع والقنوات وانشا صحيفة أسبوعية لنشر أخبار الزراعة والتجارة
وفى عام 1847 أنشا المجلس المخصوص برئاسته " مايشبه مجلس النواب " للنظر فى شئون الحكومة الكبري وسن اللوائح والقوانين وإصدار التعليمات لجميع المصالح الحكومية

أرسله والده بناء على أوامر السلطان العثماني بحملة عسكرية ضخمة للقضاء على الدولة السعودية الوهابية واللذين كانوا يطلقون على انفسهم الموحدين والتى أشاعت الفوضي فى شبة الجزيرة العربية وقيامها بالسلب والنهب وقتل من يخالفهم أرائهم وعقائدهم الفكرية ومنعهم من الحج فقضي عليهم وأرسل عبد الله بن سعود ومعاونيه إلى القاهرة ومنها إلى الأستانة التى قامت بالطواف بهم بالأسواق لمده ثلاثة أيام ثم أعدامهم ورمي جثثهم بالبحر وهذ ما ورد فى تقرير السفارة الروسية بالأستانة .

فنال إبراهيم باشا من السلطان مكافأة ونصب واليا على مكة فعمل على كسب ود القبائل فأغدق عليهم الأموال كما قام بتحصين المواقع الحربية المهمة ووضع أساس الأصلاح الزراعي فأمر بحفر الآبار وعنى بتنظيم التموين فى مكة والمدينة وحرص على توفير الأمن على طريق الحج ، كما وزع المرتبات والغلال على فقراء مكة والمجاورين وذلك بجانب أنشاؤة للتكية المصرية بمكة فنال لقب الباشاوية من السلطان العثماني كمكافأة على نجاحاته فى أتهام المهام التى وكلت إليه .

عاد إبراهيم باشا منتصراً إلى القاهرة عام 1819 وبعد ذلك بقليل ولاه السلطان على جدة بالإضافة لولايته على مكة فأمره والده الذهاب للسودان بإمدادات عسكرية كبيرة لدعم أخيه فى حملته على السودان

وفى عام 1824 طلب السلطان العثماني أخماد ثورة اليونان حيث هُوم الجيش العثماني من الثوار فقاد إبراهيم باشا الجيش المصري والذى تألف من 51 سفينة حربية و 146 ناقلة جند بحرية لأخماد الثورة ونتيجة لإنتصارة فى أخمادها تدخلت الدول الأوروبية ( انجلترا – فرنسا – روسيا ) وفرضت هدنة بين الجانبان وعقدت معاهدة مع الجيش المصري في لندن ومن شروطها خروج أساطيل الحلفاء خارج مياة نافارين ولكن تم خيانة إبراهيم باشا وكأن الخيانة عقيدة متأصلة فى دماء تلك الدول على مر العصور فأنتظروا فرصة غياب إبراهيم باشا والتفوا حول الأسطول المصري ودمروه وأجبروه على ترك اليونان .

فى عام 1831 تولى إبراهيم باشا قيادة الجيش المصرى المتوجه لمعاقبة والي عكا عبد الله باشا الجزار بقوة قدرها 30 ألف مقاتل مع مايقارب الــ35 سفينة حربية وسفن إمداد، وذلك لإمتناعه عن وفاء دين سابق لمصر وعرقلة وصول أخشاب الشام إلى مصر، وحماية المصريين الفارين من الجندية فتحركت القوات البرية بإتجاة سيناء فبلغت العريش وأحتلت خان يونس ثم غزة ثم يافا ليُضرب الحصار بعدها على عكا وأستمر فى حصارها لمدة ثلاثة شهور أستغلهم فى إحتلال صور وصيداء وبيروت وطرابلس والقدس وشدد الحصار عكا لتسقط بين يديه ومن بعدها دمشق التى جعلها مقر حكومة أبيه في الشام

وهنا داخل القلق فى قلب الأمبراطورية العثمانية فحشدت جيشاً من عشرين ألفاً بقيادة عثمان باشا فأنتصر إبراهيم باشا على الجيش العثماني في موقعة الزرّاعة بين حمص وبعلبك ثم عاد لينتصر ثانيةً عند حمص على طلائع الجيش العثماني ودخل حمص وحماة وزحف على المواقع العثمانية في مضيق بيلان حيث تحصن حسين باشا قائد الجيش العثماني وهناك وقعت المعركة الحاسمة بين إبراهيم باشا وحسين باشا عام 1832م وإنتهت بهزيمة منكرة للجيش العثماني وقائده حسين باشا الذي هرب على إثرها، ومضى إبراهيم في الزحف فأحتل الإسكندرونة وبانياس وسُلمت له أنطاكية واللاذقية، ولم يلبث أن احتل أضنة وأورفة وعينتاب ومرعش وقيصرية ، وأنتصر في قونية على الجيش العثماني وأسر قائده الصدر الأعظم " رئيس الوزراء " رشيد باشا ، وغدا الطريق إلى العاصمة أسطنبول مفتوحاً أمام قوات محمد علي بفضل تفوق الجيش المصري ومستواه العسكري الممتاز، وبفضل مواهب إبراهيم باشا القيادية، ولما وصل إبراهيم باشا لكوتاهية في أيار 1833 تلقى أمراً من أبيه بالتوقف بسبب تهديد الدول الأوربية بالتدخل وإحتلال مصر .

وفى عام 1833 عُقدت معاهدة كوتاهية بين الباب العالي ومحمد علي، نال فيها الأخير حكم بلاد الشام وأضنة، ومنح إبراهيم باشا لقب محصل أضنة ، وبذلك دخلت الشام في حكم الدولة المصرية، وصار إبراهيم باشا حاكماً عاماً للبلاد السورية معيناً من قبل والده، إضافة إلى تجديد ولايته على جدة ومكة .

وقام إبراهيم باشا كعادته دائماً بتنظيم بلاد الشام ساعياً إلى تجديد أحوالها وتحديثها في جميع المجالات الإدارية والاقتصادية والمالية وقامت سياسته على مبدأ المساواة في الدين والمساواة أمام القانون وحاول إدارة البلاد على أنها قطر واحد يسكنه شعب واحد، فاصطدم بالفروق والخلافات القائمة بين الطوائف بجانب التدخل الأجنبي وتغذيته القلق والأستياء والتحريض للثورة ضده وخصوصاً بعد توقيع معاهدة ( هنكار أسكله سي ) الدفاعية بين الدولة العثمانية وروسية 1833 لوقف الزحف المصري وخاصة عندما أحتكر تجارة الحرير وأخذ ضريبة الرؤوس (الفردة) من الرجال كافة على اختلاف مذاهبهم، حيث كانت سابقاً لا تؤخذ إلا من أهل الذمة كما قام بمصادرة السلاح من الأهالي في جميع أنحاء البلاد،وهذا ما أعتبره أهل الشام أنتقاص حقوقهم وتجريدهم من القوة وقد غذت الدول الأجنبية والعثمانيين هذة المشاعر لدي أهل الشام .

ونتيجة لمحاولة السلطان العثماني إسترداد بلاد الشام قامت معركة " نزيب" فى عام 1839والتي إستطاع ابراهيم باشا بعبقريته العسكرية أن يسحق الجيش العثماني ، وهنا أصبحت الامبراطورية العثمانية على وشك الانهيار وهرعت بريطانيا والنمسا ودول أوروبية أخرى للتدخل واجبار مصر على قبول معاهدة لندن وأنسحبت الجيوش المصرية من بلاد التي فتحتها وأكتفي محمد على بولايته على مصر .

عين إبراهيم باشا نائباً لوالده عن حكم مصر عام 1848 ، وكان والده فى ذلك الوقت مريضاً وقد حكم إبراهيم باشا مصر لمدة 7 أشهر وفى عام 1848 مات مسمواً ولم يتحاوز الستين من العمر .

وعلينا كمصريين أن نفتخر أن يكون أبو الجيش المصري الحديث مثل ذلك الرجل الذى مازالت تكتيكاته العسكرية تُدرس على مستوي العالم .

رحم الله إبراهيم باشا ميرميران الجيش المصري وأسكنه فسيح جناته فمثل تلك القادة لا نملك أمامهم إلا الترحم عليهم حباً وعرفاناً بجميلهم .






الاكثر مشاهده

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

رابطة العالم الإسلامي تُدشِّن برنامج مكافحة العمى في باكستان

جامعة القاهرة تنظم محاضرة تذكارية للشيخ العيسى حول "مستجدات الفكر بين الشرق والغرب"

;