حاتم الجوهرى: صون التراث اللا مادى فى مصر يحتاج برنامجا ثلاثيا.. تعرف عليه

فى سبيل البحث عن صون التراث المصرى عقدت، مؤخرا، ورشة عمل إقليمية تابعة لمنظمة اليونسكو، واستمرت أربعة أيام، شارك فيها مجموعة من المصريين والعرب لبحث كيفية تفعيل اتفاقية "صون التراث الثقافى غير المادى" الموقعة عام 2003م. وكان ضمن المشاركين الدكتور حاتم الجوهرى، المشرف على المركز العلمى للترجمة بهيئة الكتاب، والذى كان قد مثل وزارة الثقافة المصرية العام الماضى فى "منتدى التبادل الدولى لحماية التراث الثقافى غير المادى" بالصين، حيث تناقشنا معه حول نتائج الورشة وعن خطط صون التراث غير المادى المصرى. وقال الدكتور حاتم الجوهرى، شملت جلسات الورشة تناول قوائم حصر التراث الثقافى غير المادى عربيا وجهود وسبل تطويرها، وكذلك بحثت العناصر الممكن ترشيحها عربيا لتدخل ضمن القائمة التمثيلية لليونسكو لعناصر التراث الثقافى غير المادى، وكذلك ترشيح عناصر التراث الثقافى غير المادى العربية لقائمة اليونسكو للصون العاجل (وأفضل ممارسات الصون). كما سألنا حاتم الجوهرى لماذا لا ينتشر مفهوم "التراث الثقافى اللا مادى" فى مصر، وأجاب بأن "التراث الثقافى غير المادى أصبح هو المفهوم الحاوى لكل ما يتعلق بالهوية المتفردة لكل جماعة إنسانية، بما تشمله من عادات وتقاليد حية ومتوارثة تشمل الأدب الشعبى والحكايات والمرويات وفنون الأداء بما فيها الرقصات والموسيقى، وعادات الطهى وكذلك الأماكن التى ترتبط بتلك التقاليد والممارسات الموروثة، وغيرهم. أصبح المفهوم هو الوعاء الإنسانى الجديد لـ"مستودع الهوية". ولا ينتشر فى ظنى لأن الثقافة المصرية ونخبها منذ نهاية سبعينيات القرن الماضى أخذت نطاق الثقافة لمساحة الاهتمام بالذاتى والفردى والتخلى عن الجماعة ومستودع هويتها وتأثرت بحالة ما بعد الحداثة الأوربية عن التفكيك والاقتراب من العدمية والتحسر على الحال، وحين ظهر مفهوم التراث الثقافى اللا مادى لم يجد فى بنية الثقافة المصرية من يستطيع أن يواجه الأمر بشجاعة، ويطالب بعودة الثقافة لحاضنتها الجماعية التاريخية، بما تحمله من عادات وتقاليد وقيم حية ومورثة. وحول سؤال لماذا لا تحظى اتفاقية اليونسكو لصون التراث الثقافى اللا مادى عام 2003م بالاهتمام الكافى فى مصر؟ قال "الجوهرى" إن اتفاقية اليونسكو تعتمد على الحفاظ على الهوية الثقافية لدول العالم خارج المركز الأوربى وأمريكا، وتسببت لها فى كثير من الحرج السياسى فى مواجهة أمريكا، الاتفاقية إجمالا تهدف للإمساك بالذات والحفاظ عليها وعلى سماتها الموروثة الحية من الانحسار والاندثار، بسبب توحش نمط الحياة الأمريكى وسيادته منذ تسعينيات القرن الماضى وبعد الهزيمة الثقافية الناعمة للاتحاد السوفيتى. وأضاف حاتم الجوهرى، أن لب الاتفاقية هو الإمساك بالذات وبتراثها الثقافى وقوتها الناعمة الخاصة؛ لذا ستجد أن أنجح التجارب العالمية فى رأيى الخاص هى الصين، لأن المفهوم تواكب مع مشروع الصين الحضارى لتقديم نموذج ثقافى مغاير لأوربا. لكن الأزمة فى مصر أن المكون الرئيسى السائد هو الانهزام الحضارى والوجود الفردى وثقافة الذات المتعالية على الجماعة الذى تجذر منذ سبعينيات وتسعينيات القرن الماضى، فكيف تتوقع للاتفاقية أن تنتشر إذن فى أجواء مثل هذه! الكثير من هؤلاء لديه أزمة مع ذاته إن لم يكن منسلخا عنها، أو مستلب للمركز الأوربى. وعما يمكن أن تقدمه وزارة الثقافة المصرية فى هذا الشأن؟ أضاف حاتم الجوهرى فى تصورى الشخصى، وزارة الثقافة كمؤسسة يحكمها الدستور المصرى يجب أن تعود بسياساتها الثقافية الفاعلة لحاضنة "مستودع الهوية" ومكوناته، وتتجاوز أزمة سبعينيات وتسعينيات القرن الماضى التى قد تبدو حاضرة فى الخلفية وما بين الظلال. يمكن للوزارة أن تجعل من أطر اتفاقية صون التراث الثقافى اللا مادى برنامجا ثلاثيا لها، أولا: حصر وفهرسة وإعادة تبويب عناصر التراث الثقافى اللا مادى المصرى وفق تعريفات الاتفاقية (قوائم الحصر)، وتوحيد الجهود المتعددة فى هذا الشأن، ثانيا: الترويج للثقافة المصرية عالميا من خلال ترشيح مجموعة من تلك العناصر الثقافية لتدخل فى بؤرة الاهتمام العالمى (القائمة التمثيلية لليونسكو)، وثالثا: تقديم التصورات والاقتراحات لصون عناصر التراث الثقافى اللا مادى المصرى ودعم ذلك من جانب اليونسكو (قائمة الصون العاجل). كما يمكن لنا أن نبادر خارج إطار الاتفاقية وبما يناسب ظرفنا الخاص بمبادرة لإحياء مجموعة من التقاليد والعادات الثقافية المصرية التى قد تكون تآكلت واندثرت بطريقة أو بأخرى خلال الفترة الماضية، وهناك الكثير من الدول يمكن لها أن تدعمنا فى هذا الإطار إذا قدمناه جيدا. وعن نجاح مصر فى الاستفادة من بنود اتفاقية صون التراث الثقافى اللا مادى، قال حاتم الجوهرى، حتى الآن نجحت مصر فى وضع عنصرين على القائمة التمثيلية التى تستخدم للترويج للتراث الثقافى غير المادى عالميا، وهما: "السيرة الهلالية"، و رقصة "التحطيب"، لكن المجال مفتوح للتعامل مع الأمر من وجهة نظرى باعتباره تأكيدا على الذات المصرية، ودمج كل عناصر التراث الثقافى اللا مادى فى نمط الحياة مجددا، عن طريق الترويج للحرف والصناعات اليدوية للزينة والاستخدام اليومي، وتحويل مناطق "المحميات الإنسانية" المقترحة ربما فى الفيوم وسيوة والجنوب وسيناء ودلتا البحر المتوسط، لمزارات للسياحة الداخلية والخارجية، وإعادة إحياء فنون الأداء والترفية الشعبى كالأراجواز وغيره، وتقديم الأعمال السينمائية عن البطولات المصرية التراثية والاهتمام بصورة البطل المصرى عبر التاريخ لاستعادة الذات المصرية لروحها، وتجاوز مرحلة الانسلاخ عنها والتأكيد على الهامشى والعادى والتخلى عما أسموه السرديات الكبرى وعن حلم الجماعة، نحن فى حاجة لثورة ثقافية تراثية تستعيد سمات التنوع والسماحة الموجودة فى الشخصية المصرية، وتتجاوز منطق التبلد واللامباللاة والفردية والاكتفاء بالعالم الشخصي، أو الثقافة النخبوية التى تتعامل مع الذات العربية بتعال ولا ترى لها نهضة إلا من خلال ذوبانها فى النموذج الغربى السائد يمينا أو يسارا، نحن فى حاجة لإيماننا بقدرتنا على التحول لنموذج حضارى مستقل، يملك المخزون التاريخى القادر على تقديم الكثير للعالم والتعاون معه فى إطار المحبة والسلام والتسامح.



الاكثر مشاهده

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

;