قبل صدور رواية "المثيرة".. قصة عشق بوريس باسترناك وأولجا والدكتور زيفاجو

لا يخفى على أحد أن ممن قرأ الأدب الروسى، وتحديدًا، للأديب العالمى بوريس بسترناك، أن عشيقته أولجا إيفنسكايا، هى مصدر إلهامه لكتابة روايته الشهيرة "الدكتور زيفاجو". هذه الرواية أصبحت محط الأنظار حاليا، بعدما حصلت الكاتبة الأمريكية لارا بريسكوت، لأول مرة على ربح يزيد عن مليونى دولار أو 1.5 جنيه إسترلينى عن روايتها التاريخية "المثيرة"، والتى استلهمت فيها كافة الملابسات التى أحاطت برواية "الدكتور زيفاجو" منذ كتابتها وحتى نشرها، وما تلى ذلك من وقائع تاريخية. ومن هذه الملابسات، هو تركيز الكاتبة لارا بريسكوت، على دور إولجا إيفنسكايا، عشيقته، والتى ألهمته لكتابة هذه الرواية، وقصة الحب التى خلدتها الرواية فى الأدب العالمى، والتى جاءت بناءً على قصة الحب الواقعى بينها وبين "باسترناك". تفاصيل قصة الحب بين بوريس باسترناك وأولجا كشفت عنها آنا باسترناك، ابنة شقيق بوريس، من قبل للصحف الأجنبية. التقى بوريس باسترناك مع أولغا إيفينسكايا فى يوم جليدى فى أكتوبر عام 1946 فى مجلة نوفى مير، المجلة الأدبية السوفييتية حيث كانت تعمل. كان بوريس باسترناك يتصل بها هاتفياً كل يوم فى مكتبها، وهى كانت قالت "تموت من السعادة" إلا أنها كانت تخشى أن يكون الأمر فى نهاية المطاف محض لقاء أو حديث مع شاعر شهير، لهذا كانت تقول لبوريس دائماً إنها مشغولة. كانت أولجا، أرملة، ولمرتين، وتعيش مع ابنتها إيرينا، وابنها ديمترى، بينما كان بوريس بسترناك متزوجًا من زوجته الثانية زينايدا، ولأن كلاهما كانت لديه أسرة، فقد أمضيا أيام الرومانسية الأولى فى المشى فى شوارع موسكو. بعد ستة أشهر من اللقاء الأول، عندما قدمت أولجا بوريس إلى طفليها الصغيرين، شعر بوريس باسترناك بالتمزق بين ولائه لزوجته وطفله وحبه لأولجا. فلم يستطع ترك زوجته، كما لم يستطيع أيضا التفكير فى التخلى عن أولجا. كان بوريس يلبغ من العمر 56 عاما حينما التقى بـ أولجا التى كانت تبلغ من العمر 34 عامًا، ولهذا كان من الطبيعى بل والبديهى، أن تتعرض أولجا لمضايقات من أمها التى كانت تحلم لابنتها بأن تجد الأمان، ولهذا وصفت علاقة ابنتها مع بوريس بأنها تشبه التوقيع على مذكرة الوفاة، نظراً لتواتر وشراسة الاعتقالات لكل من يعتبر "عدواً للشعب". ففى ذلك الوقت تعرض العديد من أصدقاء بوريس إلى النفى فى معسكرات الاعتقال أو التعذيب، كان لدى ماريا، سببا مقعنا يجعلها تحذر ابنتها من الاستمرار فى علاقتها مع بوريس، وخوفها من القمع الستالينى، لأنها قضت ثلاث سنوات فى معسكرات العمل القسرى خلال الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من أن بوريس حذر أولجا وأكد لها أنه لن يستطيع ترك زوجته، إلا أن أولجا لم تتركه، بل أصرت على البقاء معه، لأنها شعرت بالتعاطف مع محنته. عاش بوريس الحياة المزدوجة، مع زوجته التى تعيش خارج موسكو، وعشيقته أولجا التى تنتظره فى العاصمة. كان يعمل بجد على كتابة رواية "الدكتور زيفاجو" وكان فخورًا بها بشكل غير عادي. كان حلمه مدى الحياة أن يكتب رواية عن جيله ومصيره التاريخى، ولم يكن من الممكن أن يجعل استهزائه بالنخبة السياسية أكثر وضوحاً. نظرًا لمعرفتها الواسعة بقضية بوريس، كانت أولجا هى التى استقبلت زيارة من الشرطة السرية مساء 6 أكتوبر 1949. وكانت الشرطة آنذاك تريد أن تطعن بوريس فى قلبه، من خلال ضربها لأولجا أمامه، وإرسالها إلى معسكر السجن للتعذيب بدلا منه. فى وقت سابق من ذلك اليوم، جلس بوريس مع أولجا على مقعد فى حديقة عامة، وكان يود أن يقرأ لها فصلًا آخر من كتابه، تقول أولجا: فى هذا الوقت، كانت علاقتنا قد استقرت بسبب الحاجة إلى إكمال رواية الدكتور زيفاجو وأثناء الحديث لفت نظرى أن رجلًا قد جلس بالقرب منا وكان واضحا أنه يراقب أحاديثنا وظل يتابعنا. فى تمام الساعة الثامنة من مساء ذلك اليوم، انفجر الباب مفتوحًا ودخل 12 رجلا من رجال الشرطة شقة أولجا واستولوا على "الكتب العديدة التى أعطاها لها بوريس وكل رسائلها ومذكراتها، ثم تم القبض عليها وإلقائها فى سجن لوبيانكا المشهور فى موسكو. بينما كانت أولجا تعيش فى خوف دائم داخل السجن، كان بوريس يعانى فى الخارج، كان يعيش على الخوف والألم والكتابة، معبرا عن حالة عاطفية شديدة الثراء، ظنا منه أن الرواية لن تنشر فى روسيا. وبعد أسبوعين من اعتقال أولجا، بطلب منها فى السجن أن تكتب تقريرا تصف فيه ما يكتبه بوريس فى روايته الجديدة، فكتبت ملخصًا عن الدكتور زيفاجو، وصفت فيه الرواية بأنها قصة فكرية، حول طبيب، كافح بين الثورتين 1905 و1917. كان رجلاً ذا طابع فني، وشاعر، موضحة أن لا يوجد شيء فى الرواية يدين الاتحاد السوفيتى، فالرواية ما هى إلا تدوين شهادة كاتب على العصر. بعد أن انتهت من كتابة التقرير، اعترض المحقق على ما ذكرته، وطلب منها أن تكتب نصا تقر فيه بأن رواية الدكتور زيفاجو تشكل افتراء على الحياة السوفييتية. فى الخامس من يوليو 1950 تم غلق قضة أولجا، حيث أصدرت المحكمة عقوبة "معتدلة". وبموجب المادة 58 من القانون الجنائى السوفيتى، الذى تناول الجرائم السياسية، كان على أولجا أن تقضى خمس سنوات فى معسكر عمل لإعادة التثقيف من أجل "الاتصال الوثيق مع الأشخاص المشتبه فى قيامهم بالتجسس". كانت متوجهة إلى Potma، على بعد أكثر من 500 ميل من موسكو. خلال هذه السنوات كان بوريس هو بمثابة الواصى على أفراد أسرة أولجا، والقائم على رعاية شئونهم متحملاً كافة متطلبات الأسرة ماديا ومعنويا، وهو ما ذكرته ابنة أولجا من قبل، حيث قالت: "بفضله تمكنا من مواجهة البؤس والاستمتاع بطفولة طبيعية إلى حد معقول.. ذكرياتى ليست فقط عن الثياب النظيفة ولا عن حساء البازلاء... يمكننى أيضا أن أتذكر أشجار عيد الميلاد والكتب والرحلات إلى المسرح.. بفضل باسترناك كنا قادرين على العيش".. فى 5 مارس 1953، توفى ستالين وعفا عن بعض السجناء، وتمكنت أولجا من العودة إلى موسكو. وكان بوريس قد عانى من نوبة قلبية فى العام السابق، وكانت قوية بما فيه الكفاية لتجعله غير قادر على تسلق السلالم من أجل الوصول إلى شقة أولجا فى موسكو. وفى صيف 1953، قامت أولجا باستئجار شقة قريبة من منزل بوريس، الذى كان يستغرق 20 دقيقة فى المشى ليصل إليها، الأمر الذى مكنه من زيارتها مرتين فى اليوم، وخلال هذه المرات يصطحب معه الأوراق التى كتبها ليقرأ لها، وفى هذا الوقت كانت أولجا تعمل على روايته، فهمى من قامت بتحرير المخطوطات، وعملت كسكرتيرة له، وكانت تعيد كتابة مخطوطة رواية الدكتور زيفاجو كاملة مرتين. فى عام 1960، بعد أن كان قد احتفل بعيد ميلاده رحل سقط بوريس، ورفضت زوجته أن تدخل أولجا غرفته لتقوم بوداعه، وبعد جنازة بوريس والتى حضرتها أولجا، استولى الشرطة "الكى جى بى" على مخطوطات وخطابات بوريس، وتم اعتقال أولجا وابنتها فى أغسطس، وفى هذه المرة، حُكم على أولجا بالسجن لمدة ثمانى سنوات كحد أقصى بسبب ارتكاب جرائم ضد الدولة، بما فى ذلك التهريب. وحكم على ابنتها بالحبس لمدة ثلاث سنوات. وتم إرسالهما إلى معسكر عمل سيبيري. أُطلق سراح إيرينا فى عام 1962 وأولغا بعد ذلك بسنتين، وعمرها 52 عامًا. لم تتم إعادة تأهيلها إلا فى عام 1988. وفى سنواتها الأخيرة، حاربت السلطات السوفيتية والروسية بسبب الرسائل والقصائد التى كتبها بوريس لها. رحلت أولجا فى عام 1995، عن عمر يناهز 83 عامًا، فى موسكو. وقبل وفاتها، كتبت رسالة أخيرة إلى بوريس يلتسين، الرئيس الروسي، تطلب فيها إعادة جميع رسائل الحب لبوريس إليها. وهو الطلب لم يتم تنفيذه.
















الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;