خالد عزب يكتب .. مسامرات ابن عزب المطوبسى أحلام اليقظة والواقع

حينما يكون لديك مرض القراءة فلا شك أنك تقع تحت تأثير ما تقرأ، هنا لا يكون تفكيرك كما هو، ففى كل حقبة من عمرك تراك تغير من آرائك، بل تناقض نفسك أحيانا ما بين ما كنت تعتقده قديما وما تعتقده بعد حين، وما تعتقده الآن، لذا فإن المرء لا شك أنه ليس كما هو، وآفة القراءة لها ميزة، هى أنك تكتسب فوق عمرك أعمار وخبرات من قرأت لهم، لذا فنظرتك لما هو لك تختلف عن كل من هم حولك، فأنت ترى الأشياء بعين أخرى فاحصة مدققة، أو ترى هذه الأشياء ستكون شيئا آخر فى المستقبل، هنا خيالك الواسع قد يقود البعض للشك فيك وفى تفكيرك، المهم هنا أن تكون واثقا من نفسك. الخيال الجامح قد يؤدى بك إلى بناء صور وأحلام فى اليقظة، فذات يوم كان هذا الفتى المطوبسى يفوز برحلة إلى أسوان فى العام 1982م، وهو المرحلة الثانوية من الدراسة، وكان هو الوحيد من مدرسته فى مطوبس الذى يفوز بها، فى مسابقة على مستوى المحافظة، الخيال فى هذه المرحلة توقف بعد مغادرة القطار محطة رمسيس فى القاهرة فى طريقه إلى الجيزة، ليقف الفتى عند باب القطار، ليلتقط قبة جامعة القاهرة، هنا يسرح الخيال إلى كونه سيصبح طالبا فى هذه الجامعة وسيرتبط بها ويحبها، وهو ما تحقق بعد عامين حين التحق بهذه الجامعة وقضى بها 4 سنوات، من أجمل سنوات العمر، فيها تجول الفتى بين كليات عدة يحضر محاضرات المتلهف للمعرفة، ما بين كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وكلية الإعلام وكلية الحقوق، مختلسا سويعات أراد فيها أن يعرف، ولازم الفتى مكتبة كليته ليقرأ المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام وخطط المقريزى والعديد من الكتب، لم يكتفى بذلك بل كان ملازما كل يوم خميس لمكتبة الجامعة المركزية التى كانت غنية بالمراجع والمصادر والدوريات بشكل لم يره الفتى منذ ذى قبل، فى وقت كان رفقاؤه فى المدينة الجامعية يغادرون إلى ذويهم. لكن أحلام اليقظة هذه وتحققها يظلان يلازمان الفتى طوال حياته، ففى السنة الثانية من الدراسة بالجامعة كان الفتى يصلى الجمعة بمسجد اشتهر بالشيخ حسن شحاتة الذى كان يفتن بعض الطلبة بخطبته التى كانت تحمل خرافات حول كرامات أهل البيت، وأمام المسجد عمارة سكنية من ستة طوابق، وحدثته نفسه أن شيئا ما سيربطه بهذه العمارة شيئا لا يعرفه ما هو لا يدري، لكن مه نهاية العام كان قد عرف أن السيدة/ ليلى على إبراهيم عالمة آثار فى الجامعة الأمريكية لها أبحاث ممتازة، وهى كريمة الدكتور على باشا إبراهيم الذى روت له جدته عنه الكثير خاصة عن كفاح والدته وكفاحه ورعايته لأهل فى بلدته مطوبس. ولما اتصل بها الفتى رحبت به فورا بصورة لم يصدقها، وصارت ترعاه علميا بالأبحاث والكتب، وتوجهه بما جعله فارقا عن أقرانه فى كلية الآثار بجامعة القاهرة، فهذه منهجية مختلفة، شجعته على النشر مبكرا، وأزالت هذا الحاجز من نفسه، فى وقت كان أساتذته بالجامعة يرهبون طلابهم من الأقدام على النشر، فبدأ الفتى يكتب ويعرض عليها وهى تصحح له وتضيف له أحيانا، بل تذهب إلى مكتبة الجامعة الأمريكية لتصور له ما ليس متوفرا فى جامعة القاهرة من أبحاث، ووصل الأمر أن نبهته إلى أنه حان الوقت لينشر حينما بلغ من العمر 22 عاماً، فكان سابقا فى ذلك كل زملائه، هى سيدة عظيمة معطاءة، تميزت بأنها لا تنتظر منك شيئا، بل كانت كلمة الشكر حتى لا تنتظرها، وهبت وقتها وحياتها بعد اغتراب ابنتها ليلى سراج الدين وابنها إسماعيل سراج الدين وانشغال الأخرى هدى سراج الدين، وهبت وقتها لتلامذتها، فاعتبرتهم أبنائها، خاصة أنا فكنت مدللا لديها، ترى فيما لا تراه فى الآخرين، فهل كنت تخصص لكل واحد منهم وقتاً منفرداً فى المنزل، لمناقشته فى بحثه، وكثيرا ما كانت تذكر لى منهم: ناصر الرباط ودرويش أبو سيف وخالد عصفور وحسام إسماعيل وطارق سويلم وغيرهم من مصريين وأجانب، لذا أحبها تلامذتهم واعتبرها أما لهم ترعاهم بل وصل إلى حد أن زوجتهم بنفسها، وكلهم يعرفون أم وحيد الخادمة فى منزلها، والتى كانت تعرفهم، وتعد لكل واحد منهم ما يرغبه من مشروب حين وصوله، بل كانت تعرف أوقاتهم، التى كانت تتوقف عند وصول الدكتور إسماعيل سراج الدين لمصر ليقضى بعض الوقت مع والدته، هنا لا مكان للتلامذة المكان والوقت فقط للابن الذى يأتى من الولايات المتحدة الأمريكية. أحلام اليقظة عند الفتى طريفة أحيانا ذات يوم فى المرحة الإعدادية كان يشترى مجلة الفيصل السعودية وبدأ يقرأ مجلة العربى الكويتية بسبب اقتناء والده لها، وإذا بالخيال فى هذه المرحلة المبكرة يشرد شرود يبدو كالجنون، أنه سيصبح أحد كتاب هاتين المجلتين، للتسارع الأيام ويكتب فى المجلتين الفيصل ثم العربى الكويتية. لكن هى أحلام الفتى تقف عند هذا الحد، امتدت إلى أنه ذات يوم فى بداية تسعينيات القرن العشرين، كان فى حى جاردن سيتى يبحث عن عنوان، فدخل بالخطأ عمارة سيف الدين فى شارع النباتات وصعد طابقين، وأدرك بالسؤال أن هذا العنوان خطأ، لكن نفسه حدثته أن من سيتزوجها تسكن فى هذه العمارة، فيحدث بعدها بأربع سنوات ويتزوج من فتاة تسكن فى الطابق الثانى بذات العمارة. وذات يوم فى نهاية عقد التسعينيات من القرن العشرين، يحضر مؤتمراً فى الإسكندرية بقصر ثقافة سيدى جابر عن الفتح الإسلامى لمصر، ويمر على كورنيش الإسكندرية، وليشاهد بناية مكتبة الإسكندرية، وكانت حينئذ محاطة بالأسوار ولم ينته بناؤها بعد، وتحدثه نفسه سرا أنه سيعمل فى هذه البناية وسيكون له صلة قوية بهذه البناية وهو ما يحدث بعد سنوات قليلة. هذه أحلام اليقظة تتحول إلى واقع، يذهل الفتى، بل يجعله الأمر أحياناً حذراً من حكى ما يراوده من أحلام تتحقق، فقد يظنه البعض حين الحلم أن عقله ذهب، لكن هل نستطيع بدون أن تحلم، لا طبعاً فالحلم هو الأمل فى لحظة يأس، وقد يقودك إلى ما هو أفضل أحياناً، حتى وإن لم تحقق أحلامك فهى تعطيك قوة دافعه، لكننا اعتدنا أن نربط أحلامنا بالخرافة أحيانا، لذا لا أستطيع أن أنكر أننى أطلق العنان لأحلامى وأحاول أن أحقق منها ما أستطيع، وما ذكرته ما هو إلا أقل القليل... !!.



الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;