أحد أبرز الكتاب والشعراء المنتمين إلى مدرسة المحافظين وهى مدرسة شعرية تابعة للشعر الكلاسيكى، هو مصطفى صادق الرافعى، الملقب بمعجزة الأدب العربى، الذى تمر اليوم ذكرى رحيله، إذ رحل فى 10 مايو عام 1937، عن عمر ناهز حينها 57 عاما.
مصطفى صادق الرافعى، أول من أطلق صرخة اعتراض على الشعر العربى التقليدى فى أدبنا، حيث قال "إن فى الشعر العربي قيودًا لا تتيح له أن ينظم بالشعر كل ما يريد أن يعبر به عن نفسه"، وهذه القيود هي الوزن والقافية، كانت وقفة الرافعي ضد قيود الشعر التقليدية أخطر وأول وقفة عرفها الأدب العربى في تاريخه الطويل، ولعل ذلك جعله يدخل فى معارك كثيرة مع عدد من الأدباء والمفكرين، واليوم نستعرض إحدى هذه المعارك وهو مع الكاتب الكبير عباس محمود العقاد.
كانت بداية شرارة أول معركة عندما اتهم العقاد الرافعى بأنه وضع رسالة لزعيم الأمة سعد زغلول، يصف فيها محاسن ومزايا كتاب الرافعى "إعجاز القرآن" حيث ذكر أن سعد زعلول قال عن الكتاب إنه "تنزيل من التنزيل أو قبس من نور الذكر الحكيم" لينتشر الكتاب بين القراء، مما جعل "العقاد" يقول "هذه العبارة من اختراع الرافعي وليست من يراع الزعيم "سعد زغلول"!".
وبالطبع دفع كلام الأديب الكبير عباس محمود العقاد ، الراحل مصطفى صادق الراعى إلى الرد، قائلا بكل هدوء "هل تظن أن قوة فى الأرض تستطيع أن تسخر سعدًا لقبول ما قال، لولا أن هذا اعتقاده"، ولفت إلى أن سبب هجوم العقاد عليه من الممكن أن يكون بسبب أن "العقاد" كان كاتب الوفد الأول، مما جعل سعد زغلول يطلق عليه "جبار القلم"، وهو ما جعل العقاد لا يقبل أحد ينافسه فى حب زعيم الأمة.
لم يترك عباس محمود العقاد يمر مرور الكرام فعندما كتب الرافعى نقدًا لنسيد أمير الشعراء أحمد شوقى الذى مطلعة "بَني مصرٍ مكانكمُ تهيّا ** فهيّا مَهِّدوا للمُلكِ هيّا"، فى عام 1920م، تصدى العقاد له وكتب مقالة بعنوان " ما هذا يا أبا عمرو؟!"، ونشرها فى الجزء الثاني من "الديوان في الأدب والنقد"، واتهمه بسرقة ما كتبه فى الجزء الأول من "الديوان" في نقد نشيد شوقي، وكانت المقالة شديدة اللهجة قاسية، وساخرة من شخص الرافعى.
لم تتوقف المعركة عند هذا الحد بل كتب العقاد كتابه "الديوان" عام 1921م، ليشين هجومًا كبيرًا على الرافعى، وتناول من خلال الكتاب أدب وكتابات "الرافعى" ليجرده من كل مميزاته، مما دفع بالطبع إلى قيام الرافعى بكتابة العديد من المقالات تحت عنوان "على السفود" خصيصًا للهجوم والرد على كلام عباس محمود العقاد.
وبالطبع رد الرافعى على العقاد من خلال كتابه سبع مقالات ساخنة نشرت فى مجلة العصور، لنقد لديوان العقاد، ليكون انتقامًا كبيرًا من الأديب الكبير عباس محمود العقاد.
وبعد مرور عدة سنوات، أخمدت نيران المعركة، نشر أحمد حسن الزيات فى مجلة الرسالة رأى الرافعى الحقيقى فى العقاد، فقد قال "الزيات" للرافعي وهو يحاوره: يا صاحب (تاريخ آداب العرب) .. هل تستطيع أن تجرد نفسك من ملابسات الخصومة وتجمل لنا رأيك الخالص في العقاد"؟
فأجاب الرافعي: "أقول الحق، أما العقاد أحترمه وأكرهه لأنه شديد الاعتداد بنفسه قليل الإنصاف لغيره، ولعله أعلم الناس بمكاني في الأدب .. وأحترمه لأنه أديب قد استمسك أداة الأدب وباحث قد استكمل عدة البحث فصَّير عمره على القراءة والكتابة فلا ينفك كتاب وقلم".
وعندما علم "العقاد" ما قاله الرافعى فى مجالة الرسالة، رد عليه ولكن بعد رحيل الأخير، بثلاث سنوات، بقوله: "إني كتبت عن "الرافعي" مرات أن له أسلوبًا جزلاً، وأن له من بلاغة الإنشاء ما يسلكه في الطبقة الأولى من كتاب العربية المنشئين".