ذات يوم.. وكعادته بعد صلاة الفجر أحيانًا توجه الحاج حسن السيسى أحد أعيان الجمالية فى القاهرة للجلوس مع صديقه الخطاط خضير البورسعيدى الذى كان بيته مكان لتجمع المحبين وعشاق الفن، فلمح الحاج حسن السيسى خضير مهمومًا حزينًا وقد بدت على قسمات وجهه علامات الزمن.
فسأل الحاج خضير ما بك؟ لقد عهدتك بشوشًا مرحًا مقبلاً على الحياة، فرد صديق قائلاً: هم الوزراء يا حاج أتوا فى هذا الزمان، وهم لا يعرفون قدر فن الخط العربي؟ والله يا خضير لا تحزنى لقد كنت عندما سافرت للعمرة مؤخرًا فى مطار القاهرة، وبدلاً من أن يعرضوا حِرفًا مصنوعة بأيدى مصرية، وصل الأمر بهم لعرض قطع سجاد صغيرة جدًا بـ 150 دولار، وعندما دققت بها وجدتها مستوردة من أمريكا، فى الوقت الذى تشهد فيه مناطق كأخميم وفوه وكرداسة ركودًا فى ترويج ما تنتجه، بل أنهم يعرضون حرفًا مصنعة فى سورية والصين بدلاً من الحرف المصرية.
لكن يا حاج حسن أنت لا تعرف ما حاق بنا، لقد كان لدينا فى مصر 240 مدرسة لتحسين الخطوط أصبحت الآن 80 مدرسة والباقى أغلق نتيجة تعمد وزارة التربية والتعليم إغلاقها، فالفقراء وأبناء الطبقة الوسطى ومحبى الفن لا يستطيعون دفع الرسوم التى قررتها الوزارة لهذه المدارس فألغوا بقار منهم مجانية هذه المدارس، فيرد الحاج حسن: الله يرحمه الملك فؤاد فتح هذه المدارس ببلاش والآن صارت بفلوس عجبًا لهذا الزمن، فيتابع خضير: بل يا حاج حسن أتعرف كم يحصل مدرسو مدرسة باب اللوق شهريًا من المدرسة هم والمدير وكافة من يعملون فى مدرسة تحسين الخطوط؟ 1700 جنيه شهريًا، دون أن يطبق عليهم حتى الحد الأدنى للأجور. الحاج حسن: عجبًا أمال إزاى بيقولوا إن الدستور فرض على الحكومة زيادة موازنة التعليم، خضير: يا حاج الطامة الكبرى إن وزارة التربية والتعليم تعتبر الخط العربى ترف وشيء لا لزوم له، ألغوا كراسة الخط العربى من المدارس، ويحاربون مدرسيه، أيام الملك فؤاد كان الأتراك والإيرانيين ينظرون لنا بانبهار، الآن هم سادة العالم فى الخط العربى، ويصدرون إنتاجهم من لوحات الخط العربى بألوف الدولارات.
أمال يا حاج حسن لو حكيت لك ما فعلته بنا وزارة الآثار فى عهد أحد وزرائها السابقين، حين أردنا أن نحصل على مقعد الأمير ماماى السيفى فى أول الجمالية، ليكون متحفًا للخط العربى ومقرًا للجمعية المصرية للخط العربى، مكان يليق أن نستقبل به كبار الخطاطين ومحبى الخط العربى من كل أنحاء العالم، فكان رد الوزارة أنه خُصص لوزارة الثقافة، ومازال المقعد مغلقًا إلى اليوم يعضض به البوم.
الحاج حسن: والله يا خضير ما تفكرنى، هل تعرف أن نجارة الأرابيسك العربى مهددة بالاختفاء نتيجة أن الصينى والتايلاندى والماليزى يغرق مصر، بل أن ما ينتجه الولاد الشطار فى هيئة قصور الثقافة يدخل المخازن ولا يباع نتيجة بيروقراطية الدولة، والمصيبة كمان ركود السياحة.
خضير: يا حاج حسن كراسة الخط العربى فى المدرسة كانت تولد لدى الأطفال حب الفن والجمال، لما لغوها مع حصة الموسيقى شفنا العنف والتطرف والغباء، والحمد لله لدينا مسئولين كبار لا يستطيعون كتابة جملة بالعربى، وخطهم لا يقرأ.
الحاج حسن: على أى حال يا خضير أنا هكلم ابنى هو بيفهم، وله علاقات واسعة يمكن يسمع المسئولين له.