فى القراء ة الدلالية؛ نجد أن جوهر ما يدفع إليه مشروع الشيخ الجليل عبدالله بن بيه، رئيس "منتدى أبو ظبى للسلم"؛ منذ انطلاقته الأولى، إنما هو نشر أو رفع "خيمة السلم العالمي" على أعمدة راسخة من المحبة الإنسانية الخالصة، التى بالقطع واليقين؛ سوف تؤسس أسباب النجاح والفلاح العلمية العقلانية، والمشاركة الأخلاقية الوجدانية الصافية؛ لتحتضن البشرية فى إطار من الدفء الحميمي، الذى يضمن الإخاء والنماء والرخاء الإنسانى المستدام. فالجذر اللغوى "سلم" من سلُم أى نجا، ومثلها السلامة. أما السلام فهو الأمان، كما هى تحية الإسلام. ما يعنى أن "سلم" فى كل دلالاتها تحيل إلى الراحة والخلاص أو السعادة، وهى غاية الحكمة والعقل، كما هى روح أو جوهر الدين؛ سواء فى المصادر الأولى، أو فى ما تعلمناه وحفظناه من أمثولات ومجازات النقل.
لا تخفى على أحد حقيقة أن الحروب - بما أتاحه العلم والتقنيات الحديثة من أسلحة دمار شامل – قد تنتهى إلى الإبادة الجمعية والفناء الكوني، أى تدمير الحياة على كوكب الأرض، أو على أقل تقدير؛ فإن الحروب حتى العادية منها أو المحدودة؛ تزرع الرعب أو الخوف فى النفوس. والخوف يحط من قدر الإنسان، ويجعله يستحيل إلى فأر يلوذ بجحر ذاته، أو جحر قطيعه الثقافي، فلا يعود يرى من الآخر أقل من عدو يتهدده أو منافس شرس له على لقمته وسعادته. وهكذا يتسلط الخوف على تفكير الإنسان، فيؤسس الكراهية والحقد الذى يؤدى مباشرة إلى المغالاة فى القسوة والعنف. والأخطر من ذلك أن يعطل قدرة الإنسان أو يشل فاعليته الإبداعية الخيرية المقدرة له؛ بمقتضى الخيرية الوجودية الأولى فى أصل الخلق.
ليس هناك من شيء أفضل أثرا على الإنسان من الإحساس بالأمان، الذى تتيحه "خيمة السلام العالمي"، التى يتغيّاها خطاب الشيخ عبدالله بن بيه؛ من خلال "إمكانية اجتماعية عقلانية واقعية" أو علمية، تتيح الوسيلة لتوطين الفضيلة فى النفوس؛ كضرورة للسعادة والإشباع المادى والمعنوي. فالشراكات أو "المشاركة الوجدانية" التى يتقصدها الخطاب، إنما تروم الدفع باتجاه إنشاء نظام دولي، أو بنية مجتمعية كونية، أو نُظم مؤسساتية عالمية (سمها ما شئت)، فالمهم أن يكون لديها سلطة التدخل فى مختلف البلدان؛ بغرض إعادة هيكلة النظم الاجتماعية والحقوقية أو القانونية والدستورية؛ بمعيارية أخلاقية/وجدانية، متوافق عليها عالمياً. وبالضرورة يجب تمثيل الدول فى هذه الهيئة بصفة رسمية (تتيح صلاحيتها المنشودة)، على أساس مشهود من الكفاءة أو المعرفة الأخلاقية. بمثل هذه الشراكات الفاعلة، يمكن أن نقضى على الخوف ونطلق فاعلية الإنسان من أسارها الشريرة. والمؤكد حينذاك أن التحسن فى تفكير الناس؛ حتى العاديين منهم؛ سيكون هائلا وسريعاً؛ بالمعنى الإبداعى الخلاق فى مقصود الخير الإنساني؛ على أساس المشاركة الوجدانية الحق.
إن المشاركة الوجدانية لها أساس مكين فى الذات الإنسانية، يقوم على دافع لا زيف فيه، تؤكده التجارب البشرية على مرّ التاريخ، فهى التى أنتجت ألوان التقدم الإنساني.
ويذهب بعض الفلاسفة إلى أن العواطف هى أساس الأخلاق، من حيث "أن الشفقة ليست سوى شعور يجعلنا فى مكان من يتعذب (...) وهذا الشعور سيكون أكثر فاعلية كلما ازداد الطابع الوجدانى الحميم"، (جان جاك روسو – "خطاب فى أصل التفاوت وفى أسسه بين البشر، ص-103). وهذا النوع من التواصل الوجدانى لا يحتاج إلى إثبات؛ إذ "من المألوف أن يتألم المرء لآلام الآخرين، وتكرار هذا الأمر يبطل الحاجة إلى البرهان على وجود هذا التعاطف لدى الناس". لذلك من الصواب أن "لا تطلب أن تنال سوى التعاطف، ولا تفعل إلا ما يسبب رضا أقرانك واستحسان إخوانك فى الإنسانية"، كما يقول آدم سميث، (نظرية المشاعر الأخلاقية، ص-6-16).
ما يعنى أن الإنسان لديه قابلية الفضيلة، ولا خيار ولا أمل لمستقبل الجنس البشري، من دون تطوير هذه القابلية، من خلال إيجاد وسائل ترسيخها فى النفوس على أساس المصلحة العامة أو الخير العام، الذى لا يتعارض مع المصالح الذاتية أو الفئوية، لا بل هو يزيد من منسوب سعاداتها وديمومة مسراتها فى الذات الفردية. فلا ريب أن مثل هذه الوسائل؛ سوف تزيد أو توسع نطاق المشاركة الوجدانية تدريجياً؛ حتى تصبح قيمة عقلانية راسخة فى الوعى الكونى فى المستقبل القريب، تمهيداً لرفع أعمدة "خيمة السلام العالمي" على قيم المحبة والأخوة الإنسانية. فالمؤكد أن المشاركة الوجدانية؛ من خلال "إمكانية اجتماعية عقلانية واقعية" أو عملية، يدعو إليها الخطاب، هى خير الوسائل وأكثرها فاعلية؛ للتقليل من غوائل الأنانية وضغوط المصالح الذاتية أو الفئوية الضيقة. وهو الأمر الذى يتيح فرصة كبيرة، وربما غير مسبوقة؛ لخلاص البشرية من لوثة النزاعات والحروب العدمية؛ لأنها تفيء بحاضنة إنسانوية باذخة، هى دولة الإمارات العربية المتحدة، متمثلة برعاية قيادتها الرشيدة، التى منحها العلى القدير؛ دالة أخلاقية وإنسانية فاعلة على مختلف القيادات السياسية الدولية. وقد لا تتكرر الفرصة؛ كإنجاز إبداعى عقلانى إيماني؛ لأنها تصدر عن ذات جليلة وروح نبيلة، هى روح الشيخ الجليل عبدالله بن بيه، فهو رجل من أهل الكرامات، محفود، مرفود؛ بعناية رحمانية تتجاوز أسبابها المستحيلات؛ بمختلف صورها الإعجازية. فكيف لا يمكن أن يكسب الرهان فى تحديات "حرب العولمة وعالمية السلام.. المقتضيات والشراكات"؛ على أحسن ما يكون عليه الفوز، وأفضل وأكمل ما يطمح إليه أخيار العقلاء والحكماء فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الإنسانية المعاصر.
إن الله سبحانه وتعالى سوف يفتح الأبواب ويقيض الأسباب؛ لتحقيق حكمته الرحمانية المؤسسة على الخيرية الوجودية، وإنقاذ عياله من سطوة الشر وعبثيته العدمية، التى لا يمكن أن تقرر فى مصير خلقه، فله وحده القرار، وإليه وحده المصير. فسبحانه تبارك وتعالى هو القدير المتعالى على كل عزيز أو نصير. هذا ما يراهن عليه الخطاب؛ عندما يضع الناموس البشرى أمام التحدى الأكبر فى المسيرة الإنسانية. وكسب الرهان معقود على خيرية الإنسان؛ بنعمة العقل وحكمة الإيمان والثقة بالرحمن الرحيم صاحب الأديان.