صالح المسعودى يكتب: اللهم اجعله خير

فى إحدى أسفارى التى تعودت فيها أن أجوب وطنى مصر من شماله لجنوبه ومن شرقه لغربه ماراً بحضره وريفه، وسواحله وباديته رافقنى صديق كان قد طلب منى مراراً أن أصطحبه فى واحدة من أسفارى التى أكتب عنها، وأثناء سفره معى أراد أن يخفف عنا عناء السفر فأطلق إحدى النكات المضحكة فضحكت بصوت عال من تلك الطرفة الجميلة فسمعته يقول (اللهم اجعله خير) فبادرته بسؤال ما الذى جعلك تقول ذلك؟ فقال هكذا يبادر المصرى عندما يضحك، وكأن هذا المسكين يستكثر على نفسه السعادة والنشوة ولو للحظات فتحادثه نفسه مسرعة انه من الممكن أن تحدث مصيبة بسبب تلك اللحظات التى أفرط فيها (بلحظة سعادة). فما كان منى إلا أن سألت صديقى عن سبب هذا الوجوم الذى يسطر على وجوه معظم الناس كأنه حزن دفين أصاب هذا الشعب الكادح، وسألت صديقى أين ذهبت خفة دم هذا الشعب؟ هذا الشعب الذى لم تنقطع عنه خفة الظل فى أحلك الظروف التى مرت بها مصر فهو شعب كما يصفونه (ابن نكته)، لكنه هذه الأيام لم يعد كذلك من وجهة نظرى ولم يلتزم بهذه الصبغة والسمة التى لازمته طوال عمره رغم الأحمال من الهموم التى تنوء بها الجبال التى كان يحملها على عاتقه، قال لى صديقى فارق كبير بين ما كان والآن صحيح مرت على هذا الشعب الكثير والكثير من المحن والشدائد مثل الحروب العديدة، ولم يتخل عن خفة دمه لان كل تلك الظروف والمواقف السابقة كانت توحد هذا الشعب أكثر من أن تفرقه، كان النسيج المصرى يقوى ويتماسك أكثر وأكثر كلما اشتدت ألازمه ، وكانت النكات إحدى الأسلحة القوية لدفع الحزن والهم لتمد هذا المواطن بالوقود المتجدد ليجتاز الأزمة تلو الأخرى. لكن للأسف فى أيامنا هذه اختلف الوضع فقد جاء هذا الشعب الطيب ما أخل بنسيجه المتماسك فقد تم تفريق الشعب فهذا سلفى وهذا إخوانى وذاك ليبرالى وآخر علمانى ومسميات عجيبة بل وغريبة على مسامع ذلك الشعب المطحون فى آتون الحياة الصعبة. فالشعب الآن يتوجس خيفة من بعضه البعض فقد كنا فى الماضى أمام عدو خارجى يوحدنا والآن يدقق كل منا فى عيون الآخر ليكتشف صدقه من كذبه، فكل واحد منا يتهم الآخر ويخونه فلم يعد هناك وقت لتأليف النكات بل لم يعد هناك وقت للسعادة. من أجل ذلك يا صديقى تجد الوجوم يكسوا الوجوه! من أجل ذلك يا صديقى لم تشاهد الابتسامات ! من اجل ذلك يا صديقى نسى المصريون الضحكة الصافية حتى الابتسامة البسيطة. لكن لاحظت أن صديقى قد أطال الصمت فالتفت إليه فوجدته طأطأ رأسه يبكى فقلت له علمت الآن يا صديقى لماذا لا يضحك المصريون.



الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;