القارئ محمود حمدون يكتب: "موج الحياة"

انقطعت أخباره قرابة شهرين كاملين، حتى خلتُ أنه غاضبُ منيّ، كلما أردت مهاتفته شغلنى أمر، حتى التقيته مساء الأمس، كان يُجدُّ فى سيره بخطوته النشطة المعهودة عنه، بطوله الفارع حتى أن هامته تنحنى قليلًا تواضعًا منه أو بتأثير جاذبية الأرض التى لا ترحم قيمة أو قامة. لمحنى بطرف عينيه من بعيد، كان يحاذى فى مشيته كورنيش بحر "يوسف" ينظر بعمق إلى لا شيء، تنسدل ذراعاه بجواره كأنما يُسلم زمامه لمجهول . أومأت إليه برأسى أن انتظر قليلًا، ثم فرغت سريعًا من حديث مع زميل كان يسايرنى فى بعض كلامى دونما اهتمام حقيقى بما أقول أو ربما دون أن أهتم أنا بشرح مقصدى .. لمّا فرغت ممّا فى يدي، أقبل يقطع الطريق السريع بقامته المديدة، نظرت بعينيه وجدته غائبّا كمسافر ضل طريقه من زمن.. سألته: آخر مرة التقيتك منذ أسابيع، ثم حال بيننا موج الحياة، فأين كنت؟. هل أغضبتك فى شيء؟ "أبو على" صديق قديم كنت أتكئ على كتفه لسنوات طويلة، كلما عصفت بى الحياة أركن إليه ليحمل بعض همومي، ثم لا ينفض اجتماعنا إلاّ وقد خفّ الحمل قليلًا عن كاهلي، تلك الليلة بدا أن حمله يفوق طاقته، فهُرعت إليه: مالك؟ تبدو من بعيد كأنك صاحبي، فلمّا وقفت أمامى الآن وجدت بقايا لآخر أعرفه، بضعة أيام تفعل هكذا بك؟ أين صلابتك تلك التى كانت تتحطم عليها أوجاعى وآخرين، نلجأ إليك فلا تتركنا إلاّ بعد أن نُنفّض عن أرواحنا غبار القلق؟! و"أبو على" أمير الإصغاء، ينُصت إلينا بكل جوارحه، كلماته قليلة رقيقة مثله، هذه المرة أصغى لحديثى ووجهه يموج بأحاسيس كثيرة لم أتبيّنها من شدة العتمة التى أحاطت بنا، غير أن سيارة قادمة ألقت فجأة بضوئها الأمامى علينا فبدت عيناه وقد توطّن حزن عميق بهما، تراجعت صفحة وجهه للوراء قليلّا، وقتها أقسمتُ عليه أن يبوح بما يعتمل بنفسه وقلت له: لن أبرح الأرض حتى يفيض بئرك ببعض سرّك.. شدّ على يدى كما يفعل دائمًا وقال: حلّ الظلام سريعًا يا صديقي، آوان الرحيل أزف، ينبغى أن أذهب، ما بيننا لن ينقطع أبدًا، ثم تسرّبت أصابعه من بين يدى وانطلق إلى شأنه وأنا أتبعه بعينى.



الاكثر مشاهده

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

;