قديمًا قالوا: " البعيد عن العين .. بعيد عن القلب"، وللأسف، تواترت هذه العبارة، وذلك المفهوم عبر الأزمان، حتى صار قاعدة مسلم بها الجميع بدون تفكير، ولكنني أختلف مع هذه العبارة تمامًا، فالعكس هو الصحيح.. البعيد عن القلب ... بعيد عن العين، فلو رأيت شخصًا طول الوقت، ولكنه لم يمس قلبك وإحساسك، ولم يتوافق مع عقلك وأفكارك، لن تراه عيناك، حتى لو ظل رابضًا أمامك طيلة الوقت، في حين أنك لو تعايشت بمشاعرك مع شخص ما، وتجاذبت أفكاركما، حتى صرتما شخصًا واحدًا، ستظل عيناك تراه، حتى لو غاب عنك طيلة الدهر،ولذا، كثيرًا ما نُفارق أشخاصًا، إما بالبُعد، أو بالموت، أو بأي صورة يرسمها القدر، ورغم ذلك نظل نراهم بقلوبنا، ونتذكرهم على الدوام.
وبالمناسبة، هذا الأمر لا ينطبق فقط على العلاقات العاطفية، ولكنه ينطبق على جميع العلاقات الإنسانية، فالقلب هو الذي يرى، وأكبر دليل على ذلك، أن الكفيف يرى بإحساسه وقلبه، ما لا يراه المبصر، حاد النظر.
وحاولوا أن تتذكروا معي كم من أشخاص نراهم كل يوم، وربما نعيش معهم في مكان واحد، ورغم ذلك لا نراهم؛ لأن قُلوبنا ليست معهم، وكم من شخص يعيش بعيدًا عنا آلاف الأميال، ورغم ذلك، لا تُفارق صُورته مُخيلتنا على الإطلاق، مهما أخذتنا الحياة في دوامتها، نظل مشغولين به، ومتعايشين معه بأحاسيسنا.
فالروح هي الباقية، فإذا تآلفت الأرواح، لن تسمح بأن تكون تحت رحمة لغة الجسد، فالروح هي أساس الإنسان، لذا، سُبحان من يُؤلف القُلوب والأرواح من غير ميعاد.
فحاولوا الخُروج من عباءة المفاهيم القديمة المغلوطة، وقبل أن تُكرروا تلك العبارات، فكروا فيها أولاً، وطبقوها على حياتكم وتجاربكم، فربما تكتشفوا أن السابقين لم يدرسوها على الوجه الأكمل، وحتى لو كانت لهم وجهة نظر فيها، فلا تجعلونها قاعدة راسخة تسيرون عليها، ودعوا قُلوبكم هي التي تحكم؛ لكي تتيقنوا أن القلب استطاع أن يأسر العين، فالعين قد ترى في البداية، ولكن القلب هو الذي يُثبت نظرها إلى الأبد، أو يُحوله عن ذلك المسار أبد الدهر.