آية محمد نابت تكتب: الواقع العربى بين مشاهد لا تنسى وأخرى لا تذكر

وكأن روحى احترقت وتناثر رمادها بين موج الريح فى دواماته الغاضبة؛ حينما وقعت عينى على طفل صغير أخذ من وصفه نقش الحروف ومرادها ودموعه تتساقط من محجر واسع يزيلها بكفيه الصغيرين، تباين ترهل ثيابه من علوته إلى أدناه، يأخذ الطريق بين عينيه كأنه يخشى أن ترى دموعه أو يستشعر ألمه، حتى توقف فجأة ناظرا إلى السماء، استطال فى هيئته ولم أستطع أن أرسل نفسى بعيدا عن متابعته، إلى أن اكتسحت بجسدى جمود الصدمة لأقترب من ذاك الصغير، فيهرب بعيدا حتى ابتلعه السراب وأسدلت عليه الطيور المحلقة ظلالها. لتتسارع إلى ذاكرتى مشاهد أخرى ترجمت هذا المشهد وأضافت عليه من واقعها، وكأنه يعكس ما تمر به مجتمعاتنا العربية وأى حال وصلت إليه فما تلعثم الخطى وصمت العجز الذى يعتريهم إلا تفسيرا عن كونهم دمى يحركها من يمسك بخيوطها، فيعاقب من لم يأثم ويحاسب من لم يغنم ويجازى من استباح وهدم. اليوم.. تصاعد دخان الصراع الذى نشب بين مفترق الطرق، ما هز أركان مملكتنا وفرق عقائد مجتمعنا دون الانتباه إلى الصالح العام، وسلوك المفخخ منها وتناسى الآراء الإنسانية لتتصدى قسوة القلب وتحجر العقل مقاليد الحكم. واأسفاه على قوم أسكتهم الباطل وفضحهم السؤال على حضارات لم تثمن أو تغنى من حاضر الآل، على قلوب شابها ضعف الهمم وسوء المآل. كأن خارطتنا العربية أزيلت خطوطها، ومحيت آثارها، وتهاوت أعمدتها، وسحق أهلها، حتى أحيلت لتستعير من الدماء لونها ومن الظلام حالها، لتتعثر الخطوات وتتبعثر الكلمات، وتتهاوى الدعائم وتثار الفتن، وتتبدل القيم وتنهار الأخلاقيات، وتتفكك المعتقدات وتتأذى الأرواح، ومن هنا إلى اللا نهاية توجد الإيحاءات ووحى التضادات وعذاب أحرف الكلمات. فما سفك الدماء وتشريد الأهل والأبناء إلا نهج لصوص الحرية وعمداء العبودية وناهجى سياسة الغدر ومستبيحى الحرمات، وما دموع الأطفال ونحيب النساء إلا أسواطا تلهب ظهور العرب وتؤرق نوم المتواطئين، وما سرد تلك الكلمات إلا لإخماد نيران تصاعد لهيبها، حتى خارت قوتى ولم أعد أقوى على الاحتمال، لتتصادم أحداث الواقع مع ترهات المجتمع الدولى وصمت مثيله العربى. لترتسم حروف أشبعها التساؤل، ما القرار؟! ومن صانعه؟! وكيف يكون؟! ولم نستنصره؟! ومع ما ذكر وما استنكر وما فعل وما لم يفعل، تبقى تلك المشاهد لتحكى عبء الحقيقة وتسرد أقاويل الحدث، لتسطر تاريخا اعتزل السعادة وانعزل إلى الغربة، لكن ما يثقل القلب أحزانا هو تكرار تلك المشاهد، وموالاة من أشبعونا إذلالا، وازدراء من احتضنونا إشفاقا، وتناسى الأعداء، وتعدد من للنفاق أنصار، وذم من مدحو فينا أشعارا. لتتصارع أحداث أدانتها الإنسانية وحرمتها الديانات السماوية من ما نشهده وماشهدناه، تمثل العديد منها فى ما ارتكبناه وما تجاوزناه بالصمت فقط دون رفع كلمة حق أو إنصاف، لنتجاوز الشكوى ونعترف بالخطيئة فتكون ذنوبنا كفيلة أن تجعلنا فى موطئ واحد مع عذاب ضميرنا وحين السؤال فى ظلماء قبورنا. فيا ليتنى لم أولد فى عصور انتابتها الخيانة، ويا ليتنى لم أنس كيف تكون الابتسامة، ويا ليت لماضى قومى أن يعود من غفلة الندامة، ويا ليت كونى عربيا لا أهان من اللئام، ويا ليتنى أقول يوما: أخيرا وجدت السلامة، لتصل حيرة قلبى إلى أوجتها وعقلى بالمجنون يدان، هل أبقى على الاعتقاد فى ذلك الرابط الذى يجمع وطننا العربى؟! هل أصدق ما يرسله ذلك الشعاع الصغير إلى لوحتى الكئيبة ؟! ما يضفى عليها ضوء قد يعيد الصفا ويبشر بالأمل ويزيل التشاؤم ويزكى بالعمل، لتنهار أبراج الظلم، فتشيد قلاع الحرية ويشتنشق عبير الديمقراطية! لتصبح هل وما بعدها نارا لا تنطفئ.



الاكثر مشاهده

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

;