حــســن زايــد يـكـتـب : هذا ما يجب أن تتعامل به مصر مع إدارة ترامب

قد لا يعنينا الرئيس الأمريكى من يكون، إلا بالقدر الذى يخصنا، ويتوافق أو يتعارض مع مصالحنا، والمصالح المرتبطة بمصالحنا . ولا يصح أن نتخذ منه أو معه موقفاً فى أمر لا يخصنا، ولا يتعلق بأحد لنا معه مصالح تخصنا . تلك هى علاقات الدول فى الوقت الراهن، حيث يتم تنحية العواطف جانباً، ويتم التعامل على أساس المصالح المشتركة بين الدول . والمصالح عند اعتبارها معياراً للتعامل، يجرى احتسابها بلغة الأرقام، والرسوم البيانية، والمكاسب والخسائر المادية والمعنوية . فإن لم تكن تلك اللغة هى اللغة التى كانت سائدة فيما مضى مع الإدارات السابقة، فستعتمد لغة فى الأيام القادمة، مع انتخاب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب . فمجيئه كان بمثابة الصدمة للداخل الأمريكى وخارجه، لأنه جاء خارج أطر اللعبة التقليدية . حيث أن مجيئه قد كان فى عكس الإتجاه، الذى ذهبت إليه، استطلاعات الرأى العام المعتبرة، أو مواقع الرهان السياسى، أو تنبؤات النخبة السياسية فى أمريكا، وحول العالم . بل أن الأمر قد امتد، إلى داخل الحزب الجمهورى، الذى ينتمى إليه، على اعتبار أن الحزب بترشيحه له، شعر بأنه يسير فى اتجاه كارثة محققة، بقيادة شخص غير مهذب، ومبتذل، وسليط اللسان، استطاع أن يخدع قاعدته الحزبية . لقد استطاع ترامب التخلص من الفضائح التى لاحقته طوال حملته الانتخابية، وكانت كفيلة بالإطاحة بغيره بلا شك . لقد نجح ببراعة فى الإفلات من أسرها، مما يدل على مرونة غير عادية فى التعاطى مع الأمور . كما أنه نجح فى الوصول إلى ناخبيه فى الشوارع والحوارى والأزقة والمزارع الأمريكية، متجاوزًا البنى الحزبية التقليدية القائمة على القواعد الجماهيرية المسيسة أو المؤدلجة، والمعتاد سياسياً الاستناد إليها، والبناء على أساسها . ليس ذلك بالتواجد على أرض الواقع فى مواقع الاقتراع، كما كان سائداً، وإنما بالتواجد الفعلى على مواقع التواصل الاجتماعى، وقد قام بقصف عقول ناخبيه من خلال تغريداته التى أطلق حممها على الجمهور، فمس بها شغاف قلوبهم، البعيدة عن الاهتمامات السياسية، المنشغلة بحاجياته اليومية، والسعى إلى إشباعها . فرأى فيه ذلك الرئيس الذى يتجاوب إيجابياً مع نبضات تطلعاته، ودقات طموحاته . ورغم أن النخبة السياسية الأمريكية، وحول العالم، كانت ترى فى تغريداته، إنها متكررة، وغير منضبطة ـ أى منفلتة ـ إلا أنه استطاع كتابة قواعد جديدة للحملات الانتخابية الأمريكية . وماذا يعنينا فى مصر بكل هذا ؟ . يعنينا فى التعرف على الكيفية التى يفكر بها ترامب، وبالتالى التعرف على الطريقة التى ستدار بها الأمور فى البيت الأبيض . فلا أحد يعرف كيف سيحكم ترامب ؟ . ولا ترامب نفسه ؟ ! . ولكن هناك مجموعة من المؤشرات التى يمكن من خلال الإنعام فيها التنبؤ بالطريقة التى سيكون عليها الحكم فى الولايات المتحدة، على الأقل خلال الأربع سنوات القادمة، من هذه المؤشرات : أن ترامب ليس سياسياً ولا دبلوماسياً، أى أنه لم يمارس أياً من العملين . والسياسى والدبلوماسى محكومين بقواعد للسلوك والحركة والكلام لا يتعين تجاوزها . لكلامهما تبعيات وتداعيات، لذا يتعين عليهما اختيار مفرداتهما، والنطق بها بطريقة معينة، دون الأخرى، وبنغمة محسوبة بكل دقة، حتى لا يجرى تفسيرها على غير المراد منها، أو يساء فهمها . أما رجل الأعمال فإنه يعتبر كلامه ومناقشاته قبل توقيع العقد نوع من المناورة التكتية، وأدواته فى ذلك، الخداع، والتحريف، وعدم الإتساق، والإنفعال، والتهديد، والوعيد، والإستفزاز، وتقديم المقترحات غير النهائية . لأن هذا الكلام فى النهاية لا قيمة له سياسياً . وترامب فى النهاية رجل أعمال، وبكل هذه المواصفات، وبالتالى يتعين ألا يؤخذ كلامه بحرفيته . فأنصاره يأخذون كلامه بجدية لا بحرفية، وخصومه يأخذون كلامه بحرفية لا بجدية . فترامب قال فى حملته الإنتخابية كلاماً يطيح بأى مرشح تقليدى، إلا أنه تخلص من كلامه ببراعة فائقة حينما كان يثبت له عدم ملائمتها . وهى مرونة فائقة حيرت السياسيين والدبلوماسيين على السواء، فى حين أنها كانت تمثل أمراً عادياً بالنسبة لترامب . ومن هنا فإن ترامب لن يكون رئيساً تقليدياً، وإنما رئيساً يهمل ويزدرى التقاليد والأعراف الدبلوماسية . ـ أنه نتيجة كونه لا سياسياً ولا دبلوماسياً، فمن المتوقع اهماله وازدراءه للأعراف والتقاليد السياسية الأمريكية المتوارثة عبر الإدارات المختلفة . ومن خلال تربية الأجيال سياسياً فى حضانات الأحزاب . ومن بين هذه السياسات الإلتزام بالتجارة الحرة، والإلتزام بحقوق الإنسان حول العالم، والإعتماد على التحالفات والحلفاء فى المسائل الأمنية . فهو قد جاء من خارج المؤسسة السياسية من ناحية، ومنتخبوه سئموا النخبة الحاكمة من ناحية أخرى، ومن هنا كان تحافهما على إسقاط هذه النخبة . وبذا يكون ترامب غير مدين بالولاء أو الإذعان لهذه الأطر . ولابد أن يكون لذلك تداعياته على سياسات ترامب تجاه العالم . وقد تبدى ذلك فى الشكوك التى أثارها ترامب حول حلف شمال الأطلنطى، وكذا قدرة الحكومة على محاربة الإرهاب دون تجفيف المستنقع بمنع المجرمين من دخول أمريكا عن طريق المكسيك، أو كشف الإرهابيين المحتملين فى صفوف اللاجئين . ولم يتبن ترامب برنامجاً لسياسته الخارجية، إذا أن الطابع المحلى قد استحوذ على برنامجه الإنتخابى . مما يستلزم التعرف على سياسته الخارجية انطلاقاً من نظرته المحلية الداخلية للمصالح الأمريكية . ومع شعور الأمريكيين بأن بلادهم تقوم بأكثر مما ينبغى فى الخارج، فإنهم يريدونها قوية قادرة على مواجهة أعدائها . ولذا يكون من المتوقع التخلى عن النهج التصالحى مع إيران وداعش وجماعة الإخوان وغيرها . هذا ما يجب أن تتعامل به مصر، وعلى أساسه، مع الإدارة الأمريكية الجديدة من وجهة نظرى .



الاكثر مشاهده

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

;