شحات عثمان يكتب: أفكار شيطانية

إنهم يتوددون ويتقربون ويرتدون الآلاف من الأقنعة، تارة قناع الراهب فى صومعته والشيخ العاكف فى محرابة، وتارة قناع القائد الملهم الفارس المغوار، وتارة قناع الناصح الأمين، وتارات أخرى كثيرة فى مسرحية هزليها السيناريو فيها حرمان وجفاف العواطف وضيق الحياة الواقعية لكى ترسم واقعا أجمل يشبع أرواح الشياطين النهمة العطشى لدماء النخوة والكرامة . شاشات تختفى خلفها شخصيات متنوعة من شرائح عمرية مختلفة وأنماط وسلوكيات مجتمعية تختلف أيضا فى التكوين والتنشئة، ولكنها تتفق فى النوازع والعواقب. مقال اليوم يلامس واقع المجتمع العنكبوتى فى جزئية محددة يغلب عليها التصنيف كجريمة من جرائم تقنية المعلومات تسمى التهديد والابتزاز عبر الإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعى المختلفة . فى البداية لا بد من إيضاحى لمعنى "الابتزاز" بعيدا عن الخوض فى المصطلحات القانونية حرصا على وصول المعلومة لكافة الشرائح دون تعقيدات لغوية أو قانونية، ومن وجهة نظرى تعريف الابتزاز {هو أخذ مال أو منفعة معينة من شخص بعد تهديده بنشر أمر معين من الأمور الشائنة التى لا يرغب فى هتك سترها أمام الآخرين}، وهى جريمة من الجرائم التى لها عقوبات مقيدة للحرية وتصل إلى السجن فى بعض الدول العربية أو الغرامات المالية الكبيرة . دولة الإمارات العربية المتحدة كان لها السبق فى تغليظ الجرائم فى تقنية المعلومات ومنها الابتزاز والتهديد، وقد تصل جريمة التهديد والابتزاز على الإنترنت مثل التهديد بنشر صور فاضحة إلى الحبس مدة لا تزيد عن عامين وغرامة لا تزيد عن 50 ألف درهم، أو بإحدى العقوبتين، بينما تصل عقوبة المساس بالأخلاق والآداب العامة باستخدام وسائل الاتصال، مثل إرسال رابط يمس الأخلاق العامة إلى الحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات والغرامة أو إحداهما، والمشرع المصرى تأخر عن معظم دول المنطقة فى تشريع قانون للجرائم الإلكترونية، إلا أنه عندما شرع قانوناً جاء هذا القانون ناقصا ومعيبا سواء من ناحية الصياغة القانونية أو من ناحية الحماية الفعلية ضد الجرائم الإلكترونية، لكونه لم يوفر الحماية الكافية لمستخدمى البيانات والمادة (12 )من قانون جرائم الإنترنت تنص على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه، كل من حاز أو أحرز أو صنع أو أنتج أو استورد أو صدر أو تداول بأية صورة من صور التداول أى أدوات أو برامج مصممة،أو محورة، أو شفرات أو رموز، بغرض استخدامه فى ارتكاب أو تسهيل ارتكاب أية جريمة، أو إخفاء آثار أو أدلة" . وبالنظر فى نص هذه المادة نجد أنها تعاقب فقط على استخدام البيانات أو الأدوات لارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون فقط، وليس فى قانون العقوبات بأكمله، أى أنها لا تحمى البيانات الشخصية للضحية ولا تعاقب على انتهاك خصوصية المستخدم أو استخدام بياناته أو تحوريها كما يحدث مع صور الفتيات وتركيبها على صور أخرى لتصوير الفتاة الضحية على أنها من الباغيات . ومن أجل ذلك فإن جرائم تقنية المعلومات تحتاج إلى المزيد من الجهد القانونى والفقهى وإجراء الكثير من التعديلات التى تضمن بتر أذرع مرتكبى تلك الأفعال فى المجتمعات . الفراغ فى المجتمعات وعدم نشر ثقافة الإنترنت الإيجابية والظن بأنه بعيداً عن طائلة القانون ساعد مرتدى تلك الأقنعة على التفنن فى اختيار الشخصيات التى من خلالها الولوج إلى مواطن العفة فى المجتمعات بين الشرائح المختلفة، وسوء ثقافة الاستخدام جعلت الكثير من الأسر فى حالة دمار شامل ولما لا. وهى من الجرائم الأنكى فى وقعها من القنابل النووية بانهيار الأسر وانتشار حالات الطلاق وضياع أجيال كاملة . هناك برامج متخصصة حاليا تستطيع من خلالها أن تكون قادرا على إيهام الطرف الآخر بأن المتحدث من النوع المختلف عنه، فنرى ذاك الشاب الجميل مفتول العضلات صاحب القدرات الخارقة للطبيعة وهو يتحدث مع فتاة تفوقه فى الجمال والقدرة والإثارة التى تسلب العقول، وحقيقة الأمر أننا أمام شخصيات مختلفة فكلاهما ارتدى قناعات ويبحثان عن أحلام خيالية يصورها العقل المريض وسعادة لحظية وعند انكشاف الواقع يحدث الصدمات التى لا حصر لها، فقد تم التقاط الصور وتسجيل المقاطع المرئية وتبدأ المعاناة الحقيقية بالتهديد باستغلال تلك المواد أو الاستجابة دون تفكير لمتطلبات الشخص المبتز، إما ماديا أو معنويا بالمزيد والمزيد من تدنيس الكيان البيولوجى . هنا نجد تلك اللحظات قد تحولت إلى كوابيس تَقُضْ المضاجع وتؤرق النوم وتنقلب الحياة إلى جحيم لا يطاق. وهنا لا بد من الوقفة الحاسمة تجاه هذه النوعيات من البشر سواء كان مبتزاً (ضحية) والشخص الذى قام بالابتزاز (متهم)، الضحية باحتوائها أُسريا ومجتمعيا وقانونيا وعدم إشعارها بأنها كانت المسبب الرئيسى لما وصل له الأمر. فكلنا بشر ولا يوجد ملائكة على الأرض، والمتهم بوضع العقاب الرادع له حتى يكون عبرة ومثال وذلك بإصلاح القوانين والتشريعات فى كل المجتمعات وتغليظ العقوبات عليها . الأفكار الشيطانية كانت وستكون داء العصور المقبلة فى ظل العولمة الحديثة وسهولة اختراقها لثقافات الشعوب، وقد لاحظنا فى مجتمعاتنا كيف أصبحت الأخلاقيات وانتشرت الأفكار المدمرة لكل أسس المجتمعات، وأصبح زنا المحارم من الأمور المألوفة بعد أن كان يقف شعر الرأس عند التلميح بها . التبليغ وعدم الصمت على المبتزين سيكون أفضل بكثير من التمادى فى الاستجابة لتلك الطلبات التى لن تتوقف ما بقى هناك ضعف التصرف فى المواقف. ختاما. آن الأوان لنفيق من غفوة الأفكار الشيطانية والتيقن بأن خلف الشاشات أقنعة تجيد تمثيل أدوار الأبالسة لا يغرنكم السن والنصح وارتداء الملابس الإيمانية وكفانا لعباً فى البحث عن الوهم فى عالم الوهم .



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;