وليد فوزى يكتب: كيف سنصل بدون رؤية لمستقبلنا الاقتصادى؟!

لكى يتحرك شخص من مكان إلى آخر لابد أن يعلم جيدًا ما هو المكان الآخر الذى يريد الوصول إليه، وكيف سيصل إليه وأعتقد هذه بديهيات المنطق وعلى الرغم أن هذا يبدو بديهيًا جدًا لكن من الواضح أن القائمين على الملف الاقتصادى فى مصر لديهم منطق آخر غير المنطق الذى نعرفه! وعندما نلقى نظرة تاريخية على وضعنا الاقتصادى سوف نجد أن اختيار أن نكون بلا رؤية يبدو أنه الاختيار الأصيل لنا ونجد ذلك بوضوح ففى نهاية الستينيات من القرن الماضى ولأسباب اجتماعية وسياسية تحولت المصانع والشركات القطاع العام إلى منتجعات للبطالة المقنعة وجاء بعد ذلك الانفتاح الاقتصادى الذى قام به الرئيس السادات وقد تم بشكل عجيب بدون رؤية تخدم مستقبل اقتصادنا الوطنى فكان انفتاح اقتصادى عشوائى دمر آخر بصيص أمل أن ننهض بالصناعات التى لدينا فيها ميزة نسبية ثم جاء الرئيس مبارك وتميز عصر مبارك بالتخبط الاقتصادى بمعنى الكلمة ويكفى أن مصر كانت على حافة الإفلاس فى بداية التسعينيات إلا أن حرب الخليج جاءت الإنقاذ حيث تم مكافأة مصر على مشاركتها فى الحرب بأن تم إسقاط جزء من الديون وجدولة باقى الديون عن طريق نادى باريس ومع بداية الألفية الثالثة حتى قيام ثورة يناير ظهرت الرأسمالية المتوحشة ومظاهر احتكارية ولم يكن لنا رؤية لبناء قاعدة إنتاجية صناعية أو زراعية فكان الاعتماد الاكثر على القطاع الخدمى المتمثل فى قطاع السياحة، وعلى الرغم من وجود معدلات نمو اقتصادى تعتبر جيدة وفقا للمعدلات المتعارف عليها إلا أن هذا لا ينفى أبدًا حقيقة وجود خلل هيكلى فى الهيكل الاقتصادى للدولة فضلا عن ان المجموعة المستفيدة كانت حاشية النظام الحاكم وقتها ومن يتبعهم وهذا الوضع كان من بواعث قيام ثورة يناير لأسباب تتعلق بالعدالة الاجتماعية فضلاً عن الأسباب الأخرى. وبلا شك فإن سنوات ما بعد الثورة شهدت حالة من الفوضى الاقتصادية إلى أن وصلنا ما نحن فيه الآن وعندما ننظر إلى آخر سنتين تحديدا إلى إدارة المشهد الاقتصادى ستجد لديك عشرات من علامات الاستفهام وعلامات التعجب على الرغم من ان الوضع السياسى اصبح أكثر استقرارا عن السنوات السابقة لكن عندما نواجه احدهم اليوم بالسؤال عينه هل يوجد لدينا رؤية اقتصادية واضحة المعالم ؟ ستجد الاجابة السريعة الواثقة "نعم نمتلك رؤية" لكن فى الحقيقة ما نراه الان هو برنامج اصلاح اقتصادى ببصمه صندوق النقد الدولى وهذا البرنامج لا يرتقى للرؤية بل هو برنامج يتبنى مجموعة من الاجراءات الاقتصادية الصعبة قد نتفق أو نختلف على توقيت وأسلوب التنفيذ لكن بلا شك ان هذه الإجراءات هى بمثابة زلزال وسنظل لفترة نعيش فى توابع هذا الزلزال. ولكنى لا أريد أن أخوض فى حلقة مفرغة عن سلبيات الماضى والحاضر التى هى معلومة بل وملموسة من الجميع لكنى أريد أن أتوقف فى عجالة عند التجربة الهندية وقد اخترت دولة الهند لأنها دولة شبيهة بنا فى الكثير من الأمور لكن لديها تعداد سكانى رهيب يتخطى المليار نسمة ولديها تحديات كبيرة بل يوجد لديها تحديدات تفوق التحديات التى تواجه اقتصادنا الوطنى. ومن لا يعلم الهند اليوم هى رائدة فى صناعة الأدوية وصناعة البرمجيات (soft ware) وللعلم بالشىء مصر أنشأت شركة النصر للكيماويات الدوائية سنة 1960، فى أبو زعبل بمحافظة القليوبية لإنتاج المادة الخام الدوائية للمضادات الحيوية والهند قامت بإنشاء معهد "هندوستان للمضادات الحيوية" سنة 1958 وهذا يعنى أن تاريخ البداية تقريبًا واحد لكن العالم كله اليوم أصبح يعرف وزن الهند فى صناعة الدواء أما نحن فلا حدث ولا حرج هذا فضلاً عن تميز الهند الواضح فى عالم البرمجيات وعندما تبحث فى أسباب هذا التميز والريادة التى تعود على الاقتصاد الهندى بمليارات الدولارات ستجد انهم منذ عقود وضعوا رؤية وهذه الرؤية انعكست على أولويات الانفاق لديهم على هذين القطاعين وهكذا نوعية التعليم فى هذين القطاعين إلى آخره فلن يكن تقدم الهند فى هذه المجالات من قبيل الصدفة بل واجهت الهند تحديات كبيرة على مدار العقود الأخيرة حتى استطاعت أن يكون لديها ميزة نسبية فى قطاع الأدوية وقطاع البرمجيات وما زالت الهند لديها تحديات رهيبة ونسب فقر عالية ولكنها قد بدأت الطريق ولديها رؤية واعتقد أن الهند بعد عشرين سنة من الآن لن تكون الهند التى نعرفها اليوم. وهنا أريد أن أطرح مجموعة من الأسئلة، إلى متى سنظل بدون رؤية تحدد شكل مستقبل اقتصادنا؟ إلى متى نعيش فى حلقة مفرغة من برامج الإصلاح الاقتصادى؟ متى سنعطى الفرصة الكاملة للمتخصصين لتكوين رؤية اقتصادية فى كل قطاع من القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية مبنية على الميزة النسبية لدينا وعلى أهدفنا الإستراتيجية؟ متى نسخر كل شيء لخدمة رؤيتنا الاقتصادية من أولوية الانفاق فى الموازنة العامة والتعليم المهنى وكل أدوات السياسية الخارجية؟ كيف سنصل بدون رؤية؟



الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;