طيلة عمرى وأنا أعشق الشخصية صاحبة الروح الخفيفة، أى الشخص الذى لديه القدرة على بث روح الدعابة على المكان الذى يتواجد فيه، وأظن أن هذه هبة من المولى عز وجل، فلا أحد يمكنه أن يكتسب هذه الموهبة، وأعتقد أن من يملكها يملك الكثير والكثير .
فما أجمل من أن ترسم ابتسامة على وجه البشر، وأن يُحيل الحزن إلى سعادة، وأن تُبدل نحيب البكاء بصوت الضحكات، وأظن أن هذا هو السبب المباشر فى أن الكثير والملوك والسلاطين، كانوا يحرصون على أن يكون هناك وظيفة ثابتة لشخص يُدعى "مهرج السلطان"، وكان هذا الشخص يُعتبر من المحظيين والمقربين لدى السلطان، علاوة على المنح والمزايا التى كان يحصل عليها؛ لأنه الشخص الوحيد الذى كان يملك القدرة على إضحاك السلطان، فالكل يجعل السلطان فى حالة من الانفعال أو المسئولية، أو التوتر، أو ... أو ... أو ... إلخ، فى حين أن هذا الشخص يكون الوحيد القادر على إلقاء حمل الهموم عن كاهل السلطان واستبدالها بالضحكات والمسرَّات .
وهذا يُذكرنى بملك إسبانيا المخلوع "ألفونسو الثالث عشر"، فقد كان جالسًا ذات يوم يتحدث إلى سكرتيره الخاص، وكان جلالته يخص هذا السكرتير بعطفه، فقام الملك ونظـر إلى المرآة المُعلقة على الحائط، فأشاح بوجهه عنها، وقد ظهرت عليه سحابة قاتمة، وما لبث أن طفرت الدموع من عينيه، فدُهِشَ السكرتير، وقال: "أتبكى يا مولاي؟"، فأجابه الملك: "وجهي! وجهي! كنت أحب أن يكون أجمل من هذا"، وعبثًا حاول السكرتير أن يُرفه عن سيده وأن يقنعه بأن وجهه لا بأس به، ولكن مساعيه ذهبت أدراج الرياح، وظل الملك يبكي، حينئذٍ، دنا السكرتير من الملك، وقال له: "خفف عنك يا مولاي، فإنك ترى وجهك مرة أو مرتين فى اليوم، أما أنا فهو فى وجهى كل ساعة!" فضحك الملك وأمر له بجائزة .
وهكذا فالملك لم يغضب من سخرية سكرتيره؛ لأنها أضحكته، بينما كان يبكي، وأظن لو أن هناك شيئا يستحق أن نبذل فى سبيله كل ما نملك، فلاشك أن هذا الشىء هو الضحك، ولو أن شخصًا يستحق أن نمنحه كل عمرنا، فلا شك أن هذا الشخص هو من يستطيع إضحاكنا وقت بكائنا .