طارق عبد الجابر يكتب: "إني راحلة"....سلملى على البدنجان

إذا كان التليفزيون والسينما يقدمان شخصية البلطجي باعتبار أنه رمز للقوة والقدرة على تحقيق ما تعجز الأخلاق والعلم والعقل عن تحقيقه، فمن المنطقي أن تنتشر البلطجة في المدارس وفي كل مناحي الحياة ويصبح العنف هو شعار المرحلة، ومن المنطقي أيضا أن تصبح شخصية "الأسطورة "وسابقا " اللمبي " هي القدوة للأطفال والشباب وإذا خرجت علينا أمه " عبلة كامل " في الفيلم تقول له بكل حماس وانفعال: " مطواتك في جيبك .. اللي يقولك غششني شقه .. ولا تنسى بعد أن تخرج من الامتحان في نشطتك زجاجة بيرة وأربع ساندويتشات " .. فمن المنطقي أن يحمل كل الأطفال والشباب مطاوي معهم، وكذلك من المنطقي أن تصبح " البيرة " هي المشروب الرسمي لتلاميذ المدارس.

«حالات الانفلات الأخلاقي والظواهر المرضية الغريبة التي تحمل سلوكيات شاذة تحتاج إلى وقفة أمينة وحاسمة، لأن الأحوال تسوء يوما بعد يوم، وعلينا أن نتابع كيف تصاعدت الأزمة من كلمات بذيئة على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أصوات متدنية على شاشات الفضائيات ثم إلى سلوكيات منحرفة في الشارع المصري. إن هذه التحولات في الشخصية المصرية تحتاج إلى دراسات نفسية واجتماعية بعد أن فلت الزمام، وعلى شاشات الفضائيات كانت التجاوزات الكبرى في لغة الحوار وبرامج الصراعات والمعارك، وهناك أيضا برامج لم تراع أخلاقيات المجتمع ومقدساته، فكان الشطط والاعتداء على كل شيء وبعد ذلك جاءت لعنة المسلسلات، التي انتشرت فيها الأفكار الشاذة والحوارات الغريبة والشتائم بكل أنواعها وسلوكيات دنيئة من شباب واعد وسط هذه الأوبئة الفكرية والنفسية. لم يكن غريبا أن تظهر سلوكيات مريضة في الشارع المصري حيث لا حساب ولا عقاب ولا رقابة من أسرة أو مجتمع أو دولة».

. ان الأجيال السابقة، انفتحت أعينها على ثقافة جيدة، أما الأجيال الحالية فقد فتحت أعينها على ثقافة متردية، متمثلة في الأغاني الهابطة والأفلام الداعرة، لذلك ظهر الانحلال الأخلاقي والعنف.

وهنا أريد أن أوضح شيئا في غاية الأهمية فكان من الصعب تمرير لفظ من الألفاظ الذي نسمعها الأن داخل الأعمال الفنية مهما كان اسم البطل او المؤلف صاحب العمل لماذا لأن الرقابة كانت تشاهده مشهداً مشهداً، وقبل المشاهدة كانت تقرأ النص، أما الآن وعلى ما يبدو أن أي عمل لا يجاز إلا بعد التأكد من وجود ألفاظ خارجة لزوم التسويق،
وسأضرب مثال على ذلك المعركة التي نشبت بين المخرج عز الدين ذوالفقار والرقابة حول مقطع في فيلم إني راحلة من أنتاج الفنا نة الكبيرة "مديحة يسرى "عام 1955عن رواية رائعة للكاتب الكبير "يوسف السباعي".

يحكي السباعي في مقدمة الطبعة الأولى أنه كتب هذه الرواية في صيف عام 1949 واستغرق عشرين يوما فحسب لكتابتها كلها. الطريف في الأمر أنه كان كارها للرواية وكتابتها في البداية. فيحكي أنه كان يقضي عشر ساعات في اليوم لكتابتها، ولما بدأ يقرأ ما كتب أحس بسخافتها وأورد هذا في مقدمة الطبعة الأولى: «وحاولت أن أستعيد في ذهني ما كُتب وأنا مجهد متعب؛ فوجدتني لم أكتب سوى سخافات.

وكعادة كل أعماله تحمل الإثارة والتشويق والمشاعر الحقيقية ، فأحداثها تدور حول فتاة من عائلة غنية عشقت قريبها صاحب الحياة البسيطة ، ولكنها أجبرت على الزواج من شخص أرستقراطي لا تحبه ، ويتزوج حبيبها هو الآخر بعد أن ضاع أمله في محبوبته التي تزوجت بغيره ، وفى النهاية تهرب الفتاة إلى حبيبها ، وهنا يقدم الكاتب وصف لحالة البطلة وحبيبها بعد أن هربا من كل هموم الدنيا بدقة وشاعرية أكثر من مؤثرة ، وبعد أيام يمرض حبيبها ويموت وهى بجانبه عاجزة حتى عن أن تبكى ، ثم تجلس وتكتب قصة حبهما وتضعها فى حقيبة وتلقى بها بعيداً ثم تشعل النيران فى الكوخ وتحترق وهى تعانق حبيبها
والمشهد الذى اعترضت علية الرقابة وطالبت حذف الرسالة التي كتبتها عايدة بطلة الفيلم وقالتها في مقدمة الفيلم هي كالتالي "إني راحله قد عزمت على الرحيل .

وماذا يدعوني إلى البقاء في دنياكم تلك, بعد أن أضحيت في غنى عنها وعن كل ما بها .. وبعد أن فقدت كل إحساس بأن هناك ما يربطني بها ويشدني إليها؟ ما أسهل الرحيل .. خطوة واحدة أخطوها فأمزق هذا الخيط الواهي الذي علقت به حياتنا .. وأنطلق هاربة إلى حيث لا تتطاولون علىّ بألسنتكم، تاركة لكم جثة تتلقى لعناتكم نيابة عني.

أذكروا محاسن موتاكم
أتراكم تذكرون لي محاسن ؟ .. أنا الزوجة الهاربة الخائنة الفارة مع عشيقها .. الراكلة بقدميها كل تقليد، أى محاسن لي بعد هذا؟
هل يمكن أن يلتمس لي أحدكم عذراً .. سوى الطيش والنزق , وطاعة الشيطان؟!
لشد ما أكره أن أخرج من الحياة مظلومة.

الرواية تروي الحب على طريقة الأفلام المصرية : حب مثالي ، و أخلاق مثالية و سيطرة الآباء على أبناء ، و طبقات المجتمع المتباينة بين غنى وفقر، رواية للمراهقات بلا منازع ،مليئة بكلمات السجع و المترادفات وكأننا نأخذ دروس في اللغة العربية الفصحى، المهم رفض عز الدين ذوالفقار ذلك أراد أن يعرف السبب وكما تقول "اعتدال ممتاز "في كتابها 30سنة رقابة أن أحد الرقباء وجد في هذه الكلمات "ألحاد "وهنا جن جنون عزالدين ذوالفقار ورفض هذا الكلام وطلب الاحتكام الى الأزهر الشريف وعندما عرض الأمر على الأزهر قال شيخها في ذلك الوقت "عبد الرحمن تاج ".

في رسالة أرسلها الى المصنفات الفنية قائلا "لا يوجد لدينا مانع من عرض الفيلم كاملا ولا نرى ضرورة في حذف هذه المقدمة وأننا لا نتدخل ونتدخل في الأفكار "وسمح للفيلم بالعرض ويعتبر من كلاسيكيات السينما المصرية
هذه الرواية أعيدت تقديمها في عمل درامي تلفزيوني في نهاية السبعينات وقام ببطولته محمود مرسى وليلى حمادة وزهرة العلا من اخراج نور الدمرداش .

وأن كانت المسلسل التلفزيوني لم يحقق النجاح الذى حققه الفيلم
لكن ما كان مختلف علية في رقابة الخمسينيات ومرفوض في الأفلام أصبح مباح في رقابة الثمانيات ..!!
والدليل على ذلك جملة "سلملى على البدنجان " عندما قالتها الفنانة نادية الجندى في فيلم الباطنية -الذى أنتج عام -1980 كان هذا حدث ورددتها أكثر من مرة في الفيلم وكانت لزمة ولم تعترض الرقابة على هذا الجملة بل اعتبرتها جملة لا تخدش الحياة ! !

هذا الفيلم جعل من نادية الجندى نجمة كبيرة واستمر في دور العرض سنة كاملة ويعد الى الآن أنجح فيلم لنادية الجندي وحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية وتم تحويله إلى مسلسل بنفس العنوان وتمثيل لغادة عبد الرازق .

ملحوظة كانت جملة البدنجان وردن كثيرا في عدد من الأفلام المصرية والقديمة والحديثة وكانت تأتى على لسان الأبطال حينما تقول البطلة او البطلة هو كل يوم بدنجان أحنا ا عوزين لحمة ومن أشهر الجمل التي قيلت على البدنجان أيضا كانت في فيلم بالوالدين أحسانا عندما قال وحيد سيف للفنانة نبيلة السيد انا بحب البدنجان بس يكون بدمة .

البدنجان أيضا قالها الرئيس السادات في احدى خطاباته عندما قال ردا على منتقدين لة "احنا مش على عربية خضارة وبأوزن بدنجان عندما كانوا يعترضون على اتفاقية السلام .

ولكن الرئيس مبارك استخدم لفظ الترمس بدلا من البدنجان عندما رفض الصحفيين

الأزمة التى تفجرت بين الصحفيين والحكومة المصرية ، حيث فوجئ الصحفيون بأن الحكومة التى كانت قائمة آنذاك، تقدم – فى أواخر مايو 1995 – إلى المجلس النيابى مشروع قانون يقضى بتغليظ عقوبة الحبس فى جرائم النشر، ويدخل على بعض مواد قانون العقوبات الخاصة بهذه الجرائم تعديلات فى الصياغة توسع من نطاق التأثيم وتضيف إلى الجرائم القائمة جرائم جديدة، وبسرعة غير معهودة، مر المشروع من لجان المجلس، وخلال يومين من تقديمه، كان قد أقر، وحين تنبه الصحفيون والمهتمون بحرية الصحافة إلى خطورته كان القانون قد أحيل إلى رئيس الجمهورية حسنى مبارك، لكى يصادق عليه ويصدره طبقا للدستور.

حدث ذلك قبل ثلاثة أيام من الاحتفال بعيد الإعلاميين، الذي كان يقام آنذاك فى 31 مايو من كل عام، وهو ذكرى تأسيس الإذاعة الرسمية للمملكة المصرية فى عام 1934،
وألقا وكيل النقابة في ذلك الوقت «جلال عيسى» بدلا من النقيب إبراهيم نافع الذى كان موجود في ذلك وقت خارج البلاد وقال "عيسى " كلمته أمام الرئيس مبارك وأختمها بعبارات تشير إلى اعتراض نقابة الصحفيين على القانون، ومناشدتها للرئيس بأن يستخدم سلطاته الدستورية، فيرفض التصديق عليه، ويردّه إلى المجلس النيابى لكى يعيد المداولة فيه
لكن الفقرة مع ذلك استفزت الرئيس مبارك، الذى لم يكن يتوقع أن يجرؤ أحد الصحفيين على إثارة مثل هذا الموضوع علنا، وفى احتفال عام ورسمي يذاع على الهواء في كل قنوات التليفزيون ومحطات الإذاعة الحكومية، وقال تعليقا عليها – فى خطابه الذى ألقاه بعد انتهاء كلمة «جلال عيسى» – إن القانون قد صدر بالفعل وإن الدولة «لا تبيع الترمس» حتى يطلب أحد منها مثل هذا الطلب فى إشارة إلى أنها لا تقبل المساومة فى قراراتها أو التراجع عن مشروعات القوانين التي تقدمها إلى السلطة التشريعية.

وبعدها بأيام دعا الرئيس مبارك مجلس نقابة الصحفيين للاجتماع به، ليكون هذا الاجتماع بداية الحوار، الذى أسفر بعد عام، عن إلغاء القانون الذى كان سببا للأزمة، واكتشف الجميع أن الدولة يمكن أحيانا أن تبيع الترمس.

في النهاية لابد القول أن تلك الإيحاءات التي بدأت تدخل عالم الدراما المصرية بشكل مستفز، التي لا نجدها في أي دراما تنتمي لأي جنسية أخري، وكأن هناك من يحاول التأكيد بأن الدراما المصرية لابد أن تكون قليلة الأدب، وبالمناسبة شيئاً فشيئاً وبمجرد أن يعلن السوق الخليجي عن إنتاج ما يكفيه من أعمال لشاشته سوف تمنع الدراما المصرية والسبب معروف مقدماً، وهي أنها تقدم دراما قليلة الأدب، وبالتالي لا مكان لها في أي قناة.

فما الحل؟
مشكلتنا أننا نعرفُ الأسبابَ والحلول، ولكنَّا عاجزون، نحسُّ وكأنا مشلولون -غير قادرين على الفعلِ، فما سببُ هذا الشلل؟
السؤالُ دقيق جدًّا، والجواب عنه متشعبٌ جدًّا، وله ذيول وذيول، فسأحاولُ قدرَ المستطاع فكَّ شفراته، وترتيب خيوطِه، خيطًا خيطًا، وتقديمها يسيرة في المتناول.

أن الحل الأمثل للخروج من هذه الأزمة الأخلاقية هو عودة البساط الذي سحبته وسائل الإعلام من تحت أقدام الأسرة والمدرسة والمسجد فلابد من سد الفجوة القائمة الآن بين الأبناء والوالدين ، وبين الآباء والأمهات ، وحتى بين الأبناء أنفسهم .. لابد من عودة " لمة " الأسرة كما كانت قديما يغلفها الحب والترابط والوئام .. كذلك لابد من عودة المدرسة والمسجد والكنيسة كما كانا في السابق منارة للعلم والأخلاق.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;