نورا عبد العظيم تكتب: أتسائل فهل من مجيب؟

الجميع فقد صوابه، العالم يبكي من أجلنا، فى كل عيد تحدث الكارثة، جدران الكنائس تنتظر أن يرتمى أحد الإرهابيين فى أحضانها وهو يردد الشهادتين، تنتظر أن ترى مشهد الطفولة وهو يغادر الحياة فى بيت من بيوت الله لترتقي وتتطاير الدماء لتصل إلى سقف الصومعة ثم ترحل بعيدا إلى السماء.

ليلة عيد يُسحق فيها القمر، ويوما مجيد يقتل فيه الولد، وقبل العيد ينهال علينا الدمِ، من قال أن الدين نجاة للبشر، عندما يستطيع أحد أغبياء الجهاد الكاذب أن يؤثر فى أمن واستقرار وطن، بكلمة من الدين الذي بهت تاركا برائته التى فطره الله عليها، فمن البديهي أن نبحث فى اتجاه آخر، أن نبعد عن الأديان قليلا، أن نلجأ إلى فلسفة جديدة لنحقق السلام، الذى عجز رجال الدين عن إفشاؤه فى المجتمع.

لن أضطهد الكتاب ذاته ولكنى اضطهد القائمين على الدعوة من خلاله، فقد فقدوا قدرتهم على توصيل رسائل الله فى كتبه المقدسة، جعلوا الناس يلجئون إلى شتى الطرق التى تقيهم شر الدعاه وقسوتهم، وحتى أصحاب اللين من هؤلاء الدعاه لا يشغلهم سوى أن ينالوا شهرة واسعة إلا من رحم ربي، فإذا نظرت فى حقيقة الأمر تجد أن هناك عدد هائل من الشباب فقدوا ثقتهم فى معتقداتهم الدينية، قرروا التفكير بعيدا عن المألوف، ولم يعيبهم هذا "فلا إكراه فى الدين"، فقد تركوا دين أبائهم فالدين لا يورث، وإنما هناك عقل لابد أن يفكر لابد أن يشرد بعيدا ليهتدي أو يضل بذاته دون تأثيرا من أحد ليحاسب كل امرئ بما فعل، فقد خرج سيدنا إبراهيم عن دين أبيه ليؤمن بعبادة الله الواحد الأحد، ولكنه اخترق القاعدة الموروثة، وكان له حقا فى ذلك، ليس لأنه أبا الأنبياء ولا لأنه كان حنيفا مسلما، وإنما لأنه استخدم عقله فقط، بعيدا عن الموروثات الثابتة.

أما الغريب فى أمر المجتمع حاليا هو التناقض البين، مع طبيعة انعدام الثقة الحالية فى رجال الدين والسياسة والمؤسسات جميعها بما فيها الأسر الصغيرة، وعدم اقتناع أحد إلا بالتفكير الطويل، وحساب كل شئ هل هو لصالح الفرد أم لا، وغلبة المادة على نفوس الناس، وأصبحت هى الأساس، فلا أحد يثق فى الشيوخ أو القساوسة هناك عدد كبير من اللادينين والملحدين فى المجتمع المصرى من الديانة الإسلامية والمسيحية على السواء، لا يمكن تجاهل الأمر حتى نجد الحل، لا أحد الآن يسمع لوالديه ويرتضي بأن يملوا عليه أشياءا ليست من حقهم كالزواج من شريك يختاره الآباء كما كان يحدث من قبل، لا أحد اليوم يبجل المدرس كما كان يحدث، قيم اندثرت وجميعنا يراها واضحة كالشمس، فكيف أن ياتي أحدا من هذا الجيل الذى يبحث عن مصلحته المادية قبل أى شئ، أن يستمع لإرهابيين يدعونهم إلى أن إلقاء ذاتهم فى التهلكة، ويرضون القتل والانتحار، ويرتموا فى أمواج المحيطات الواسعة دون أن يتعلموا العوم، من أجل أن يدخلون الجنة، الجنة؟ الجنة التى لم يرها أحد من قبل؟، كيف لهذا أن يعقل؟ هل ما زال هناك من بالسذاجة والطيبة والبراءة، بأن تقول له ألقى بجناحيك فى البحر فيرتمي، اقتل بأمر الله لتدخل الجنة، فليذهب ليقتل وينتحر!!!،

فمن الأولى بدلا من اتهامه بعد انتحاره أن تتعامل مع أمثاله مثلما يتعامل الإرهاب معهم فى تجنيدهم، فكيف تعجز أن تأخذ أحدا بمثل هذه السذاجة تحت جناحيك، كيف تعجز عن ترغيب الشباب فى دخول الجيش والإلتحاق بالتجنيد من أجل مصر، لماذا يهربون من الوقوف على الجبهة الصحيحة أو يرفضونها، في حين أن بعضهم يقاتلوا ويقتلوا من أجل جنة مزيفة، فهم لم يأخذوا الأموال ولم يطلبوا سوى أشياء لم يبلغوها ولو بشق الأنفس، كيف تعجز عن ضمهم وكيف تتهم فى ذات الوقت، أين الخبراء فى علم النفس والسلوك المجتمعى والعلوم الإنسانية، يجب أن نتعلم من الإرهاب أساليب الترغيب التى يستخدمونها فى كسب عقول الشباب، حتى لو كلفك الأمر سنوات، فيجب أن تبدأ، لابد لنا وأن نتعامل مع الإرهاب بالعقل وليس بالعنف إلا إذا حتم عليك الأمر.

فما هذا الهراء الذي يحوم حولنا فهناك من الشباب من يفتعل الأزمات ولا شئ ينال إعجابه، وهناك على النقيض من يفجر ذاته من أجل نار تشتعل ويظنها جنة تناديه حور عينها، وهناك من يقول أنه لا ينتمي سوى للإنسانية ونسى أن الإنسانية ماهى إلا نفسا داخل أضلع إنسان تتأثر بواقعها وما يحدث حولها، تتعصب وتثور، تعطف، تحب، تكره وتنتقم، من منا يفعل الخير بشكل دائم، فقد كنت أقول لا أتعامل مع الناس سوى بإنسانيتي وعندما تضايقت من تصرف واحدة من البشر، قلت لذاتي يجب أن أتوقف عن الرأفة بها، لتأتى الفكرة بأن الإنسانية قد سقطت للتو عند التفكير بهذا المنطق، فإذا استكملت هذا العطف نحوها، فلا أفعل هذا سوى لخوفى من الله ولاحترامى للدين، الذى أمرنى بأن من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ولكن لم أقتل نفسى مثلا من أجلها لأدخل جنان لم أرها، فقط لمجرد أنى سمعت عنها أنها لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطرت على قلب بشر، فقد أحببت الله ليس لابتغائى الجنة، ولا خوفا وهربا من النار، وإنما لحب الله فقط، أحبه لذاته أحبه لأنه هو الله، رب كل الأديان ورب كل البشر، لا يفرق بين هذا وذاك يرزق الجميع، لا يحرم أحد من عطفه، ولا يجنب أحد بعيدا عن ظل عرشه.

لم أتطرق إلى الأرواح التى قتلت ولم أقدم التعازي لأحد فقد ارتجف قلبى وانتفض، وكأن هذا الدم دمي، فهو منى بغير مبالغة، كل ما نطقت به سأنتظر دورى حتى يأتي، فيا لروعة الشهادة الحقيقية، تأثرت تحدثت إلى بعض الأشخاص عن جرحى لأسمع منهم أن الدين هو السبب، وهم كانوا يعتنقون الإسلام وأهلهم من المسلمين وهويتهم إسلامية فى بطاقة قومية زائفة، شعرت للتو بأن هذه العقول تطرفت بطريقة بطريقتها دون أن تأذى أحد، وهناك من تطرف ليطبق كل الموبقات فرأيت حينها أن من الواجب أن أقدم اعتذارى لأشقائى وأقول لهم أن هذا الدم لم يكن سوى من عقول ناقمة على دينها منهم من يعتبرونه بربرى قام باغتصاب الأرض المصرية واحتلالها ولم يكن فتحا إسلاميا كما كانوا يملوا عليكم هذه المناهج البالية، شعرت أن الأقباط هم من يدافعون عن سماحة الإسلام أكثر من هؤلاء فى هذا الوقت، بعد أن اعتذرت لهم ليقولون لى فى عز حزنهم نحن نعلم أن أولئك لم يرتوا سوى بالدماء لا يهم من هو صاحب الدماء ولا تهم ديانته، يكرهون الشرطة لأنها تعادى أفكارهم، يقتلون فى الساحات الرياضية، والدينية والميادين العامة، لا يشغلهم أن هذه روح طفل أو شيخا كبير أو قسيسا، لا يعلمون أن أقرب الناس مودة للذين أمنوا الذي قالوا إنا نصارى لأن فيهم قسيسين ورهبان، لا يشغلهم سوى إرهابهم، ولكن يجب فى النهاية أن نعرف كيف يكون أسلوبهم فى ترغيب الضحايا الإرهابيين الصغار ممن يقتلون وينتحرون بكلمة من لسانهم.

وعلى النقيض الآخر أجد سوفسطائيين الفكر يجادلون فى عدم الأحقية للأقياط بالتعبير عن غضبهم، ألم يكفيك صمتهم عند قتلهم، حادثة تلو الأخرى لا يتكلمون، وعندما ينطقون كيف لك ألا تتحمل ولا تعطيهم حق الانفعال ألم يكونوا بشر؟ فكيف هذا؟ شكوا لرسول الله وقالوا لم يستوصوا بنا خيرا يا رسول الله، لأنه أوصاكم به فكيف تقارنون أن هنا يقتل بشر وهنا يقتل بشر أن الحامى وصدر الأمان فكيف تسول لك نفسك هذه المقارنة؟.




الاكثر مشاهده

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

;