إلى إبراهيم.. لماذا أغمضت عينيك وتركتنى "ميتة"؟!

مر عام غيابك الأول، لن أجتهد فى إقناعك كم كانت محاولاتى مستميتة لمنعه من المرور، لأنك وحدك من يعلم من أنا عندما أحاول، يكفيك النظر إلى مئات الرسائل اليومية التى اعتدت تركها على هاتفك صباحاً ومساء لتعلم أننى حاولت بصدق أن أوقف الزمن عند لحظة أغمضت عينيك فيها للمرة الأخيرة، وكنت أنا هناك أقف بجانبك.. احتضن رأسك.. أتوسل لتنهض من رقدة لم أستوعب وقتها أنها أبدية!..

مازلت أذكر مشهد الفراق كلما أغمضت عينى وكأنه استقر للأبد تحت جفونى، مازلت أذكر بلاهتى عندما رأيتك مستلقياً فى سلام النائم الذى أعرفه جيداً، ولم أجد فى عقلى سوى جملة واحدة "إبراهيم أنت هتهرج!!".. اعتدت التمتمة بهذه الجملة كل لحظة من أيام عام كامل، كلما عجزت عن تحمل فكرة أن "أخويا مات!!.. إبراهيم بيهزر وزمانه جاى".. مر العام، وأصبح المزاح ثقيلاً، لم يعد محتملاً مزاحك هذه المرة.

مازلت أذكر تفاصيل ليلة أتمنى محوها من التاريخ، أنا أقف على عتبة ثلاجة، يفصلنى عنك عالم آخر كنا قد اتفقنا ذات يوم أن يسرد أحدنا أسراره للآخر فى حال رحل أولاً، أنت مستلقى بداخلها لا تحمل ملامح وجهك سوى موت تمكن منى جيداً بعد رحيلك، ما زلت أذكر وجوه بكت دمعاً لم ينقطع، مازلت أذكر كلمات مقتضبة رددتها فى محاولات بائسة لإقناعك بالعدول عن قرار الرحيل، ونحيب طويل.

مازلت أذكر كل الكلمات التى أفرغها على الجميع بحجة واجب العزاء، ومحاولات "التهوين".. مازلت أذكر "ربنا يصبرك".. و"كان جدع" و"ادعيله" واقريله قرآن كتير".. ومازلت أذكر همسات البعض "مش دى البنت اللى أخوها مات فى حادثة.. يا عينى".. واقتحامات آخرون بفظاظة بعد شهور من غيابك "ما خلاص بقى يا إيناس أقلعى الأسود ده!".

مازلت أذكر أن الحزن يولد كبيراً ويتلاشى مع الأيام، وأن "ربنا بيصبر" وأن "الحياة بتستمر" و"أن الموت بينقى" و"أنه ارتاح".. ولم أتوقف يوماً عن سؤالك "أنت كده ارتحت؟!"..

مر العام رغم محاولاتى، وقفت أمام تاريخ الخامس من كل شهر أحسب الأيام، وأنتظر.. لا أعرف لم الانتظار لكننى انتظرت، واليوم أدركت تماماً حقيقة كل هذا الذى مازلت أذكره.

أدركت اليوم أن الحزن لا يولد كبيراً ويستمر فى التلاشى مع الأيام، حزن الفقد هو ما يولد كبيراً ولا تزيده الأيام سوى حجماً وضخامة وغصة تفوق لحظة ميلاده، أدركت اليوم أن غيابك أبدياً ولا جدوى من الانتظار، أدركت اليوم أن "الوقت" الذى طالما حسبته كفيلاً بما مضى، هو مجرد إضافة ثقيلة لكل ما مضى.. أدركت اليوم فى ذكرى غيابك الأولى أن الصبر حلم، وأن "النسيان" ليس نعمة كما يعتقد الجميع.. أدركت اليوم أن الموت لا ينتقى الموتى وإنما ينهش الأحياء، أدركت اليوم أنك من وضع لحياتى اتزاناً لم أكن أدركه، أدركت اليوم أن الحياة لا تستمر كما أعلنت عن "سنتها" منذ بدء التاريخ، أدركت جيداً وبدقة متى يمكن أن تتوقف الحياة عن الاستمرار.

"قلعت الأسود" ولم أشعر باختلاف، تركته جانباً ليتوقف الجميع عن الحديث عن لون ملابسى الذى يعبر بالنسبة إليهم عن "حزنى".. تركته جانباً عندما أدركت أن الحزن استقر بالداخل، وأن الأسود أصبح لون روحى للأبد مهما ارتديت من ألوان، أدركت أيضاً أن البشر فقدوا القدرة على الشعور بالأشياء التى تحدث بالنسبة إليهم "للآخرين فقط"!.. أدركت أن "العزاء" واجب، وأن الطبطبة مؤقتة، وأن الكلام "مش بيريح" وأن "الشغل مش دوا".. وأن وقوف أحدهم بجانبك هو نسج خيال عميق لكبير حكماء المدينة الفاضلة، أدركت اليوم أن الدموع ليست كافية، وأن الهروب ليس حلاً، وأن الابتعاد عن الأماكن والذكريات والتفاصيل وهم ينسجه العقل عندما يحتاج لبعض الراحة من جهد الدهشة، أدركت اليوم أن وجع فراقك تحول لأسلوب حياة تعلمت التعامل معه أحياناً، أدركت اليوم يا إبراهيم وليس قبل ثانية واحدة من اليوم أنك لم تعد هنا، وأننى لم أعد أنا من عرفتها وطالما أطلقت عليها "نصى التانى".. الحقيقة الوحيدة الباقية بعد كل هذيان رحيلك هى أنك من ارتحت.. وأن كلمة "وحشتنى" مش كفاية!!.



الاكثر مشاهده

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

;