هل انتهت الحرب العالمية الأولى؟

منذ أن اندلعت الحرب العالمية الأولى أو الحرب العظمى التى يحتفلون فى أوروبا بمئويتها هذه الأيام، والعالم يعيش فى حالة من الصراع الدموى والحروب الشاملة التى يمكن حال استمرارها أن تضع نهاية للإنسانية، فالقانون الذى فرضته هذه الحرب المدمرة يقوم على استبدال صراع الحضارات والقوميات بالتعايش بين الشعوب وفرض النزاعات المسلحة والحروب على اختلاف مستوياتها وأشكالها بدلا من نشر السلام، والتمعن فى النتائج الكارثية لهذه الحرب يكشف لنا بوضوح المستقبل الذى يمكن أن نشهده أو يشهده أبناؤنا من بعدنا، كما يكشف بالضرورة الإطار الدامى الذى فرضته على مسارات المجتمعات البشرية طوال السنوات التالية لها الغريب أن المحتفلين، هذه الأيام، بنهاية الحرب العالمية الأولى من قادة الغرب «أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا»، تحدثوا طويلا عن السلام وضرورة نشره فى العالم، وهو نفس الكلام الذى ردده الحلفاء المنتصرون فى تلك الحرب العظمى عندما أرادوا المضى إلى آخر الشوط فى إذلال المهزومين، الإمبراطورية الألمانية والدولة العثمانية والنمسا والمجر وبلغاريا» وتدميرهم فعليا، فعقدوا مؤتمر باريس للسلام الذى تمخض عن معاهدة فرساى ذات الشروط المجحفة التى كانت سببا فى إثارة النعرات القومية والشوفينية فى أوروبا، ومن ثم اندلاع الحرب العالمية الثانية، كما كان من نتائج هذا المؤتمر إنشاء عصبة الأمم لنشر السلام، ومنع اندلاع الحروب الكونية بعد مقتل 16 مليون عسكرى ومدنى فى تلك الحرب، لكنها لم تصمد سوى 20 عاما، وسقطت بالفشل الذريع فى إرساء السلام مع اندلاع الحرب العالمية الثانية 1939. الحرب العالمية الثانية حطمت جميع الأرقام القياسية للحرب العظمى على مستوى الضحايا والمتضررين والتدمير البيئى، وكانت باختصار أكبر مذبحة دموية فى تاريخ البشرية، وأشارت التقديرات الإحصائية إلى سقوط نحو 80 مليون قتيل، كما شهدت أول استخدام للسلاح النووى عندما ألقت الولايات المتحدى قنبلتين ذريتين على مدينتى هيروشيما وناجازاكى اليابانيتين بعد إعلان استسلام ألمانيا دون شروط، وبالضبط مثلما حدث فى الحرب العالمية الأولى، عقد المنتصرون مؤتمر بوتسدام بألمانيا لاقتسام الغنائم والإمعان فى إذلال المهزومين وتدمير ممتلكاتهم ومناطق نفوذهم، وبالفعل تم تقسيم ألمانيا إلى شطرين أحدهما يسيطر عليه الاتحاد السوفييتى والثانى تسيطر عليه الولايات المتحده، كما فرض الاتحاد السوفييتى هيمنته على معظم دول الجوار مثلما فرضت الولايات المتحدة هيمنتها على أوروبا واليابان، ونشأت قوتان كبريان جديدتان عبر عنهما حلف وارسو بزعامة موسكو وحلف الناتو بزعامة واشنطن، كما تم استبدال منظمة الأمم المتحدة بعصبة الأمم، واحتكرت الدول الخمسة المنتصرة العضوية الدائمة فى مجلس الأمن، وأصبحنا أمام عالم جديد على مستوى الجغرافيا السياسية، لكنه ظل محكوما بمنهج الصراع نفسه وآليات الهيمنة التى توارثها الحلفاء المنتصرون من الحرب العظمى. وعلى مدى خمسين عاما اندلعت الحرب العالمية الباردة بين المعسكر الشرقى وحلف وارسو والمعسكر الغربى وحلف الناتو، حتى انتهت الحرب بانتصار مرحلى للمعسكر الغربى وحلف الناتو وتفكيك الاتحاد السوفييتى وحل حزب وارسو واستقلال العديد من الجمهوريات السوفيتية، الأمر الذى صوره بعض المنظرين الأمريكيين المتطرفين على أنه نهاية الصراع البشرى وبداية حقبة جديدة من سيطرة القطب الأمريكى الأوحد والقيم المدنية الغربية على سائر الحضارات والأيديولوجيات الأخرى لم يمر أكثر من عقد واحد ورأينا بدايات التعافى الروسى ليحل تدريجيا محل الاتحاد السوفييتى السابق، ولكن بصورة براجماتية وبعيدا عن تصدير الأيديولوجيا، كما رأينا الصين تخوض حربا ضد القطب الواحد من خلال الاقتصاد العكسى والاحتشاد الصناعى، واستقطاب كبريات الشركات الأمريكية على أراضيها مع استغلال الموجة التكنولوجية الجديدة، وثورة الاتصالات والمعلومات لتضع قدمها أو تكاد على قمة العالم، ونظرة واحدة على الشرق الأوسط المبتلى بالمشروع الصهيو أمريكى، لنشر الفوضى الخلاقة والحروب الأهلية، سنجد أن المنطقة تحولت إلى ميدان لصراعات القوى الكبرى فى العالم وفق نفس آليات الحرب العالمية الأولى، ولكن بأسلحة جديدة وبنتائج جديدة أيضا، فى مقدمتها عدم وجود فائز أو خاسر فى هذه الحرب الكونية التى يمكن تلخيصها فيما يحدث على الأراضى السورية. وللحديث بقية..



الاكثر مشاهده

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

رابطة العالم الإسلامي تُدشِّن برنامج مكافحة العمى في باكستان

جامعة القاهرة تنظم محاضرة تذكارية للشيخ العيسى حول "مستجدات الفكر بين الشرق والغرب"

;