عاش السادات.. ومات قاتلوه

«إن شريان الحياة يمتد من أمريكا إلى إسرائيل بكل ألوان الحياة من رغيف العيش إلى الفانتوم إلى سد العجز فى الميزانية، إلا أن إسرائيل رفضت السلام، لأنه كان فى تقديرها أن الحكومة الأمريكية فى موقف ضعف، فهى إذن ليست موضع ثقة إسرائيل».. «قلت وأقول إن بيد أمريكا 99% من أوراق اللعبة». هذه كانت أقوال الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الرئيس الثالث لمصر بعد ثورة أنهت العهد الملكى بمصر، الذى تحل الذكرى المئوية لمولده فى 25 ديسمبر الجارى 2018. كانت شخصية الرئيس السادات غامضة ومثيرة للجدل إلى حد كبير، فجاء الرجل فى ظروف صعبة جداً على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فاستطاع الرجل بما يملك من دهاء سياسى وعبقرية عسكرية أن يعكس المعادلة التى كانت موجودة على الأرض، فهناك أرض محتلة واقتصاد فقير وبنية اجتماعية مهزوزة. انتصر السادات على كل الموروثات وكسر كل التابوهات التى كانت تعيق سياسته، «رجل صنع التاريخ».. بهذه الكلمات وصف الرئيس الأمريكى الراحل رونالد ريجان، الرئيس السادات، خلال استقباله له فى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان ذلك دليلاً على تقديره واحترامه الكبير لهذا الرجل العظيم. الرئيس السادات ترك الكثير من الرصيد للمنطقة، نظرًا لدوره الريادى وذكائه السياسى المحنك، إذ دفع بيده عجلة السلام بين مصر وإسرائيل، وهو ما ترك لمصر رصيداً كبيراً لدى العالم أجمع ولدى أمريكا بشكل خاص، وبرز ذلك الرصيد من خلال إقرار الرئيس الحالى دونالد ترامب، مشروع قانون لتكريم السادات، تزامناً مع مرور 100 عام على ميلاده، حيث منح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أمس، ذهبية الكونجرس لبطل الحرب والسلام الرئيس الراحل أنور السادات، بصفته الشخصية الأكثر شجاعة فى العالم. هذه الميدالية تم منحها قبل السادات لشخصيتين أثرتا فى العالم، وهما الرئيس الأمريكى جورش واشنطن، والزعيم الجنوب أفريقى نيلسون مانديلا، وأعتقد أن الهدف من خطوة إصدار مشروع قانون فى الولايات المتحدة الأمريكية هو المضى فى طريق السلام واختيار الرئيس السادات لهذا التكريم، لأنه كان أكثر الشخصيات التى نادت بالسلام من خلال الاتفاقية التى عقدتها مصر مع إسرائيل، والتى تعد أكبر عملية سلام تمت حتى الآن، فما أحوج العالم اليوم إلى قيادات حكيمة لكى تعمل على وقف الصراعات التى تجوب العالم، وتحل بويلاتها على الشعوب. تقدم بهذا المشروع السيناتور عازر منذ أكثر من عام، وهو من قام بإقناع عدد كبير من النواب فى الكونجرس بالتصويت لهذا المشروع، وعندما تم الانتهاء من مشروع القانون، تم التصويت عليه بالكونجرس الأمريكى، الذى مرر القانون الخاص بتكريم الرئيس أنور السادات بميدالية الكونجرس الذهبية، حيث تم تقديم القانون فى فبراير من العام الماضى 2017 وتمت مناقشته طوال هذا الوقت، وذلك لجهود السادات لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط بحسب نص القانون الذى تم تسجيله برقم 115 بالكونجرس. تعد الميدالية الذهبية التى حصل عليها الرئيس أنور السادات أرفع الجوائز المدنية فى الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب وسام الحرية الرئاسى، ويعود سبب اختيار الرئيس أنور السادات لهذا التكريم، لأنه كان أكثر الشخصيات التى نادت بالسلام من خلال الاتفاقية التى عقدتها مصر مع إسرائيل، والتى تعد أكبر عملية سلام تمت حتى الآن. وقد سبق السادات عصره بمراحل وأدرك فى لحظة استثنائية أن رد الاعتبار واستعادة الأرض وتصدير الهزيمة للكيان الصهيونى أمر يحتاج إلى خطة مدروسة وإلى خداع استراتيجى يعتمد منهجاً احترافياً غاية فى الدقة والدهاء، وأقدم على تنفيذ خطته وخدعته ونصب شراكه لإسرائيل بمنتهى البراعة والحنكة والحكمة. وكان السادات سابقاً لعصره لأنه اكتشف بعد نصر أكتوبر أن السلام بعد الحرب والنصر هو الذى سيحل كارثة الاحتلال الصهيونى للأرض العربية، وأنه قد انتهى زمن إراقة الدماء وذهب إلى تل أبيب فى عقر دار الصهاينة ليطرح مبادرته للسلام، هذه المبادرة التى عادت بموجبها كل أراضى سيناء إلى مصر. وكما ذكر أغلب المحللين، فإنه لو سمع العرب كلام السادات لفازوا بما لم يعودوا يحلمون به الآن لو كانوا قد اشتركوا فى معاهدة السلام. قبل رحيله توقع تفكك الاتحاد السوفييتى وحلف وراسو، وعرف الفلسطينيون قيمة السلام الذى وقّعه مع إسرائيل بعد 25 عاماً، وقال هذا فى خطاب عام 1975 وقال بالنص: «إن الفلسطينيين لن يعرفوا هذا السلام إلا بعد 25 عاماً».. وهذا ما حدث بالفعل الآن، كما حذر السادات من وقوع صدام فى فخ غزو الكويت، وأكد أن هذا الأمر لو حدث فسيكون كارثة على العالم العربى كله، وهو ما تحقق بالفعل بعد رحيله بتسع سنوات، وكثيرة هى الأحداث والمواقف على الساحة الدولية التى تنبأ بها السادات وتوقع آثارها ونتائجها وحدثت بالفعل، لم يكن الرجل يقرأ الغيب، لكنه كان قارئاً للتاريخ محللاً وفاهماً وخبيراً بأمور السياسة والصراع الدولى. معظم من كان ضد سياسات السادات وقتها اعترف الآن بأن السادات كان على حق، فعاش السادات ومازال يحصد التكريمات والأوسمة، ومات قاتلوه بعد أن أُفْرِجَ عنهم من السجون، وأخيراً.. لم يكن السادات بطلاً للحرب فقط، فالحرب لم تكن غايته الوحيدة، وإنما كان الرجل محباً للسلام عاشقاً للحياة.. فخلّد التاريخ اسمه بحروف من نور.



الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;