مكارم الأخلاق (١١).. " الحياء "

نستهل مقال اليوم كما اعتدنا بقول الصادق الأمين ذو الخلق العظيم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ". أما عن الأخلاق فبها من الفضائل و القيم ما يجعلنا لا نتوقف و لا ننتهي من الكتابه عنها ليس فقط في عشرات المقالات بل المئات منها، فالأخلاق كما نعلم هي المنظم الأساسي للمجتمع و هي التي تحكم العلاقات بين الناس و تضعها في أُطُر و أشكال معينة ربما تكون متسقةمع بعضها البعض في مجتمع هادئ مستقر متناغم يسودة الأمن و الأمان و الثقة و الإطمئنان ، أو غير متسقة في مجتمع غير متآلف به ما به من أسباب التفكك و الإنحدار و هذا هو المأزق الحقيقي . والفضيلة الأخلاقية التي نتناولها في مقال اليوم "الحياء"، نفتقدها كثيراً في تلك السنوات و نود البحث عن أسباب اختفائها ومحاولة استعادتها وإحيائها من جديد نظراً لشدة أهميتها و تأثيرها المباشر علي العلاقات الإجتماعية بين الناس داخل المجتمع . فإذا تذكرنا سنوات الخير و الصلاح عندما كان المجتمع بخير و العلاقات الإجتماعية سليمة مستندة تلقائياً علي قيم خلقية و عادات و تقاليد لا يتخطاها إلا كل من يكون بنظر الآخرين خارج عن النسق الإجتماعي أو بمعني آخر ذو سلوكٍ شاذ و مستغرب ! • و قد كان ( الحياء ) علي رأس هذه القيم الأخلاقية بل و درة تاجها المرصع بالكثير من الجواهر الثمينة . • فكما قال عليه الصلاة والسلام: {إن لكل دين خلقاً، وإن خلق الإسلام الحياء}. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً، يقول عنه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:{كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه}. *قال الراغب: (الحياء انقباض النفس من القبيح).. وقيل: هو خلق يبعث على فعل الحسن وترك القبيح. • و قد حث المولي عز و جل في كتابه الكريم علي فضيلة الحياء : فقال تعالى : ﴿ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الأحزاب: 53]. *(إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) [ (البقرة: 26] (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء[(القصص: 25] • و كذلك وردت في الكتاب المقدس ( الإنجيل ) آيات تحث علي الحياء: "لا تستحي حياء به هلاكك" (سفر يشوع بن سيراخ 4: 27) *"اَلصِّدِّيقُ يُبْغِضُ كَلاَمَ كَذِبٍ، وَالشِّرِّيرُ يُخْزِي وَيُخْجِلُ" (سفر الأمثال 13: 5) فكما كنا نسمع دوماً عن آبائنا و أجدادنا المقولة الشهير، ( إذا لم تستحي فافعل ما شئت ). و قد صدق القول بحق فمن يتخلي عن حيائه لا يبالي بأفعاله أياً كانت و لا يبالي أن يتأذي بها من حوله و لا يهتم بعواقب تصرفاته و لا نظرة المجتمع له علي الإطلاق ! فقد كنا منذ زمنٍ ليس ببعيد نري الحياء في أوجه الناس و سلوكياتهم و خاصة النساء اللاتي كان الحياء من أهم و أبرز صفاتهن ، فقد كان بحق خجلهن له حُمرةٌ جميلة تعلو خدودهن حينما يستلزم الأمر . أما الآن فقد طغت تطورات العصر الحديث علي كل القيم و العادات و التقاليد العتيقة التي تربينا عليها و لم تترك لها أثر في نفوس الغالبية العظمي اللهم إلا قليلا !، فلم تعد هناك اعتبارات تضعها البنت بحسبانها لتحتفظ بصفاتها المفترضة كأنثي و علي رأسها الحياء الذي كان، حيث باتت تصرفاتها في كثير من الأحيان أشد عنفاً من الرجال و أكثر تبجحاً و جرأة ! و هذا ما لا يليق شكلاً و موضوعاً بطبيعتها التي خلقها عليها الله و التي من المفترض أن تكون أكثر رقة و أشد حياء . و كما ذكرت أن الحياء قيمة أخلاقية شديدة الأهمية فهي من أهم أسباب السلام الإجتماعي ، فعندما يكون المرء حيّي غير متطاول أو مكشوف الوجه يكون غير مثير للمشاكل و استفزاز الآخرين من حوله، مما ينعكس إيجابياً علي شكل المجتمع، فتختفي منه الصدامات و يتحسب كل واحد للآخر احتراماً و تقديراً و خجلاً. فعندما كان الزمن طيباً، كان الجميع يمشي علي استحياء و يضع باعتباره دائماً و أبداً مشاعر الناس و يراعيها و يستحي أن يجرحها بشكل أو بآخر مما يخلق حالة من الوئام و تبادل المحبة و الإحترام بين الجميع ، فكان من يشذ عن هذا النسق المتين يعد خارجاً عن المألوف و مغرداً خارج السرب، أما الآن و في ظل موجة التبجح و انكشاف الوجه و اختفاء الخجل و انعدام الحياء ، لم يعد هناك من يراعي مشاعر حتي أقرب الأقربين له و لم يعد هناك احترام و استحياء من الكبير و لا عطف و رحمة بالصغير ، فحقاً بات كل شخص يفعل ما يشاء و ما يحلو له دون مراعاة الآخرين و دون وضعهم بأي اعتبار مما يزيد و يضاعف من حالة التحفز التي يشحن بها كل شخص نفسه ضد الآخر دون أي أسباب منطقية و لكن تحسباً لأي فعل حتي و إن كان لا يستدعي هذا التحفز. فهل لنا من عودة أعزائي لإحياء مكارم الأخلاق و علي رأسها (الحياء ) لنستعيد هدوئنا و سماحتنا و استقرارنا و ننفض غبار السنوات الذي تراكم طبقات فوقها طبقات ليخفي و يمحي آثار الزمن الطيب بكل قيمه و سلوكياته و أخلاقياته،تلك التي كانت الضامن الوحيد لتماسك و ترابط و استقرار هذا الشعب الطيب و هذه الأرض الطيبة ؟. • و خير ختام لمقال اليوم عن فضيلة الحياء ، كلمات الحييّ الأمين محمداً صلي الله عليه و سلم :عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ» أخرجه الترمذي والبيهقي. وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ». أخرجه البخاري. و إلي لقاء قريب مع فضيلة أخلاقية جديدة من مكارم الأخلاق .



الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;