تيران وصنافير

تيران وصنافير جزيرتان تقعان في مدخل مضيق تيران في الفاصل بين خليج العقبة والبحر الأحمر تبلغ مساحة الأولى حولي 80 كم مربع، أما الثانية فتبلغ مساحتها حوالي 33 كم مربع، بإجمالي 113 كيلومترا مربعاً.. ورغم أنهما جزيرتان صغيرتان، إلا أنهما يحتلا موقع إستراتيجي للغاية، حيث تقعا عند مصب خليج العقبة والذي من خلاله تسير حركة المرور البحري إلى ميناء "إيلات"، ذلك الميناء الإسرائيلي الجنوبي والذي يجبر أي قطع بحرية عابرة مبحرة من وإلى إيلات أن تمر بهاتين الجزيريتين.

وكان قد تم رسم الحدود الدولية حول رأس الخليج على يد الإمبراطورية البريطانية والدولة العثمانية عام 1906 نقلت الدولة العثمانية السيطرة على شبه جزيرة سيناء بشكل تام للسلطات المصرية التي خضعت آنذاك للرعاية البريطانية.. وفي 1922 وعقب تأسيس الانتداب البريطاني على فلسطين، حدد البريطانيون الحدود بين إمارة شرق الأردن وفلسطين حيث لم يبق في منطفة الانتداب البريطاني على فلسطين إلا موقع أم الرشراش.. وفي عام 1949 إنضمت قرية الصيد المصرية "أم الرشراش" جزء من إسرائيل وتسمى حالياً "إيلات"، وذلك بعد إحتلالها بواسطة الجنرال "إسحق رابين" في مارس 1949 خلال عملية "عوفدا".

يأخذنا ما سبق إلى أقرب تاريخ لنقل تبعية جزيرتي "تيران وصنافي" عام 1950، عندما إرتأى الملك عبدالعزيز آل سعود (عاهل السعودية) وقتها نقل إدارتهما للملك فاروق أثناء وجوده على عرش مصر، وبما يمكنه من السيطرة العسكرية على مدخل خليج العقبة، تخوفاً من سعي إسرائيل للإستيلاء عليهما.. مما أدى لقيام إسرائيل بإنشاء مدينة وميناء "إيلات" عام 1952 على رأس خليج العقبة الذي يظهر على الخرائط الإسرائيلية باسم "خليج إيلات"، مع وضع جزيرتي "تيران وصنافير" في حسابات إسرائيل كهدف إستراتيجي عسكري للإستيلاء عليهما لتأمين حركة مرورها البحرية خلال الخليج.. في الوقت الذي كانت السعودية ترى فيه الجزيرتين مجرد أرض ممتلئة بالشعب المرجانية بلا قيمة مادية حقيقية.. ورغم أن هدف السعودية ومصر آنذاك السيطرة المصرية على الجزيرتين عسكرياً، وبما يمنع القطع البحرية أو المظلات الإسرائيلية الوصول إليهما، ويتردد أن الإدارة المصرية للجزيرتين وقتها كانت بناءً على تعاقد سعودي مصري لإيجارها رسمياً.. إلأ أن إسرائيل تمكنت من الوصول للجزيرتين عام 1956 وتركتهما مع وصول قوات دولية لتأمينهما، وبعد خروج القوات الدولية من "تيران" بضغط الرئيس جمال عبدالناصر تمكنت إسرائيل من إحتلالهما خلال نكسة 1967.

وترأس السادات حكم مصر عام 1970، حيث تردد وقتها قيام كل من مصر والسعودية بنسب مسئولية سقوط الجزيرتين في أيدي إسرائيل تعود إلى الطرف الآخر.. إلى أن إنتصر الجيش المصري على الجيش الإسرائيلي في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 بدعم كبير من الدول العربية.. ومع قيام الرئيس السادات بإبرام معاهدة كامب ديفيد قطعت مُعظم الدول العربية علاقاتها مع مصر ومنها السعودية بالطبع.. فلقد قام السادات بتضمين الجزيرتين ضمن اتفاقية السلام عام 1978، وأستمرت تبعيتهما لمصر.

وبناءً على معاهدة السلام المصرية الإسرئيلية، تم تشكيل قوة دولية متعددة الجنسيات برعاية أمريكية/ مصرية/ إسرائيلية قوامها حوالي (1900) جندي من (11) دولة لضمان التزام كلا الطرفين بالمعاهدة.. وبناءً عليه قامت القوة الدولية بفتح نقط مراقبة دولية تابعه لها في الشريحة الشرقية بسيناء.. ويبدو أن إسرائيل كانت تحاول الإستفادة من تضمين جزيرة تيران بالمعاهدة من خلال نقطة مُحددة، حيث ضمنت إسرائيل إشراف قوة دولية على الشريحة الشرقية بسيناء والتي قد تطول "تيران" ولو من خارجها، أما حالة إستمرارها تابعة للسعودية فلن يكون لأي طرف الحق في مباشرتها وتأمينها سوى الجانب السعودي أو الجانب المصري منفرداً بموافقة الجانب السعودي كما كان العهد سابقاً.

وربما صحب ذلك نزاع هادئ آخر بين مصر والسعودية والذي لم يكن على إلقاء كل طرف مسئولية سقوط الجزيرتين على الآخر كما سبق، ولكنه هذه المرة على أحقية كل من الدولتين لإمتلاك جزيرتي "تيران وصنافير"، حيث طالبت السعودية الأمم المتحدة رسمياً عام 1974 أحقيتها في الجزيرتين.. لتهدأ المنازعات نسبياً مع الوقت، خاصة بعد عودة العلاقات المصرية السعودية لطبيعتها لسنوات طويلة.

لقد كتبت في هذا الموضوع بعد أن رأيت بعض النشطاء والصحفيين يحاولون إستغلال زيارة عاهل السعودية لمصر وأن الرئيس المصري سوف يتنازل عن حق مصر في الجزيرتين للسعودية، وكأنه يبيع البلد لأي مغتصب، ولو صح ما ذكرت فلا أدري كيف يبيع احد شيئاً لا يملكه في الأصل.. ولو كانتا الجزيرتين بالفعل مِلكاً لمصر تاريخياً لما إستطاع الرئيس منفرداً أن يفرط في شبر واحد بأيٍ منها دون موافقة مجلس النواب بصفة أن الشعب هو المالك الأصلي لكل شبر في أرض مصر.

وعلى أي حال، ومع عدم معرفة حقيقة الموضوع وعدم توفر أي مؤيدات كافية تخصه، لنعتبر أن ما أقوله بشأن هذا الموضوع غير دقيق أو حتى غير صحيح تماماً، ولنعتبر أن أي قول مناقض له غير صحيح أيضاً، ولو إعتبرنا أن هناك نية عاجلة لأن تؤول تبعية تيران وصنافير إلى السعودية رسمياً، فعلى الجهات المختصة بالحكومة المصرية، أن تبادر بإلقاء بيان واضح ومفصل بحقيقة الأمر حيال الجزيرتين لمنع أي لغط.

لواء أ.ح. ســـيد غنـيم


زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا


إستشاري الأمن القومي والدفاع


www.sayedghoneim.net




الاكثر مشاهده

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

;