"الله" في "أحاديث" السيسي

• اللهجة العاطفية للرئيس ساهمت في زيادة شعبيته إبان ثورة 30 يونيو


• دلالات ذكر لفظ الجلالة بشكل متكرر في أحاديث الرئيس


• أسباب تشديد الرئيس على تجديد الخطاب الديني في كل خطاباته


• واقع المؤسسات الدينية الرسمية مخالفا لما ينادي به السيسي


لاشك أن أحاديث الرئيس عبد الفتاح السيسي تحتوي على كاريزما استثنائية ولغة عاطفية تبعث على استشعار الصدق والإطمئنان, خاصة لبنات الجنس اللطيف مثيلاتي, وأيضا لكبار السن وتحديدا ممن يقدسون العهد الناصري بخطبه الحماسية ولغته الودودة, والحقيقة أن شعبنا بعد ثورة 30 يونيو وإزاحة كابوس الإخوان المسلمين من سدة حكم مصر, كان في حاجة ماسة لقائد سمح الأخلاق معتدل الفكر يقف في منطقة وسيطة بين الحكم العسكري الصارم والحكم الديني المتطرف, ولكن الوضع اختلف كثيرا الآن بعد اختفاء فزاعة الإخوان من المشهد الحالي, وأصبح الشعب ينشد في كلام الرئيس تنفيذا ملموسا على أرض الواقع, لاسيما تجديد الخطاب الديني وتطبيق المنهج الوسطي السمح الذي أنزله "الله" ولا تطبقه المؤسسات الدينية الرسمية, وربما كان الشعور بالمسؤولية سببا رئيسيا في تكرار لفظ الجلالة في غالبية أحاديث الرئيس, وربما كان تفسيرا لحرصه وتشديده على إطلاق "ثورة دينية" بهدف التجديد والتخلص من التشدد والغلو الذي أفضى إلى حكم الإخوان, حتى وإن كانت تصرفات المسؤولين بالحكومة وملاحقات الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية لكل من يطرق باب التجديد قضائيا هو الغالب على المشهد, كما حدث مع الباحث والمفكر إسلام بحيري.
10510209_10153170309118264_869505210_n

ولا زالت هناك الكثير من علامات الإستفهام حول تضارب اللغة العاطفية السمحة لخطاب الرئيس والتي تشدد على نبذ التطرف و"التسلف", وبين ممارسات الجهات الأمنية والدينية والتي تواصل انتهاج الممارسات السابقة من حيث القمع والإصرار على النقل بدون إعمال العقل.

الرئيس السيسي الذي يخبرنا دائما بأنه لم يسع للسلطة ولكنه تحمل الأمانة من أجل حماية الدولة والشعب وإنقاذ الوطن, والذي دائما يذكرنا في أحاديثه ويحملنا المسؤولية المشتركة معه, لا يخلو له خطاب تقريبا من ذكر اسم "الله" والإسقاط على سماحة الدين ووسطيته, ولايغادر مناسبة إلا ويشدد على ضرورة حدوث ثورة دينية, وهو دائم المناشدة لرجال الدين بضرورة تجديد الخطاب الديني بما يتناسب مع العصر وبما يوأد الإرهاب في منبعه.

وظهر هذا بوضوح خلال مداخلته الأخيرة مع الإعلامي عمرو أديب ردا على سؤال حول إمكانية ترشحه لفترة رئاسية ثانية, مجيبا: حكم مصر يخضع لإرادة الله ثم إرادة الشعب.

وشدد خلال احتفالات المولد النبوي على ضرورة التحرك صوب تجديد الخطاب الديني الحقيقي, موجها كلامه لعلماء الدين بالأزهر في أول خطاب يحمل لهجة تحذيرية بعض الشئ قائلا: "والله لأحاججكم يوم القيامة فقد أخليت ذمتي أمام الله".. وطالبهم: "كونوا من بين من قال فيهم رسول الله (يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها).

ووجه خطابا مباشرا في أول مقابلة تليفزيونية له في 2014 لجميع الحكام بأن يراجعوا مواقفهم من الخطاب الديني الذي وصفه بأنه فقد إنسانيته، قائلا:"احنا هنقف قدام الله سبحانه وتعالى ويقول لنا انتوا قدمتوني للناس إزاي".

وإحساسه الدائم بالمسؤولية بدا خلال حديثه مع وكالة الأنباء الكويتية عن أهمية تصحيح دور الإسلام وعرض حقائقه بسماحتها واعتدالها، قائلا: "تلك مسؤولية سنسأل عنها أمام الله".

وظهرت النزعة الدينية في شخصية الرئيس في حديثه للتليفزيون المصري حين قال:"نحن ناس يخشون الله, وأي شخص يعتقد أنه يمكن أن يهزم أولئك الذين يخشون الله فهو واهم".

بالإضافة لحديثه شبه الدائم عن تجديد الخطاب الديني والحث على إظهار الصورة السمحة والمعتدلة للإسلام من خلال خطاباته وتصريحاته.

فخلال لقائه بوفد من الطرق الصوفية قبيل إنتخابات الرئاسة عام 2014 قال: "يارب يكون لينا أجر إننا حمينا الناس في مصر وحمينا الإسلام كمان".

وأرجع تدهور السياحة خلال إجتماعه مع كبار رجال السياحة في إبريل 2014 إلى الخطاب الديني المتشدد والذي لا يراعي تطورات العصر.
2037628ae7b48f82c969a6cd64faf87d

وحتى في المحافل الاقتصادية لم تخل أحاديث الرئيس من خطورة التطرف والغلو الديني، وهو ما بدا واضحا ومباشرا خلال كلمته أمام المنتدى الإقتصادي العالمي, كما وصف نظام مرسي بمثابة خطر محاولة فرض الرأي الواحد وإقصاء كل من يخالفه.

وفي خطاب قصر القبة بعد توليه منصبه رسميا في يونيو 2014 تكرر نفس المشهد بنفس المفردات بقوله:"أما تجديد الخطاب الديني فإن أهميته التي تنطوي على تعزيز الجانب القيمي والأخلاقي تشمل أيضا الحفاظ على الصورة الحقيقية المعتدلة لديننا الإسلامي الحنيف, وتشكيل عقول ووجدان المسلمين سفراء هذا الدين الذين يقدمونه إلى العالم".

وظهر إيمانه بأهمية تحديث الموروث الديني في الإحتفال بليلة القدر عام 2014 بقوله: "الخطاب الديني يتطور بالتطور الإنساني مع التسليم بثوابت الدين".
d887059b-ea16-4475-b5b3-117f61a99270

وفي القمة العربية لم يختلف المشهد عن سابقيه، حيث تناول خطابه نفس الطروحات قائلا: "إننا في أمس الحاجة إلى تنقية الخطاب الديني من شوائب التعصب والتطرف والغلو والتشدد, لتتضح حقيقة الدين الإسلامي الحنيف وإعتداله".

وخلال المشهد العسكري الذي ينتمي له الرئيس بالأساس وتحديدا خلال إحتفالات أكتوبر, لم يفوت الفرصة للحديث عن نفس القضية التي يحمل عاتقها ولا يدع مناسبة بدون الحديث فيها بقوله: "أهمية تصويب الخطاب الديني ليس فقط للتعريف بصحيح الدين, ولكن أيضا لضمان التطبيق العملي الصحيح للقيم الدينية السامية".

وفي مقابلة مع قناة سي بي سي حذر من خطورة ما يروجه رجال الدين لتشويه واقع الدين الإسلامي الوسطي السمح, كما طالب الحكام جميعا بمراجعة مواقفهم بشأن تدارك خطورة إنحراف الخطاب الديني عن مساره.

وردا على سؤال حول مدى فرضية أن يكون الحاكم داعية أجاب:"ليس من المفروض أن يكون داعية وعليه أن يكون منتبها ومسؤولا.. مضيفا: "لا يوجد ما يسمى بالدولة الدينية في الإسلام".
index

ومن هنا نستشعر في خطابات وتصريحات الرئيس نوعا من المرارة وإلقاء اللوم على الجهات المتطرفة والمتشددة والتي كانت تسعى لتنفيذ مشروع الدولة الدينية والتي تطوي جماعة الإخوان المسلمين بين جنباتها حتى وإن تنصلت منهم في العلن, بينما لا تترجم حكومته ومؤسسات دولته الدينية رغبته في تجديد الخطاب الديني إلى واقع ملموس, وأيضا تضع دولته في مأزق حقيقي أمام النخبة والمثقفين وأنصار الدولة المدنية والدستور المدني ومشروع فصل الدين عن الدولة, وهم نسبة لا يستهان بها من مؤيدي ثورة 30 يونيو.

فهل ينجح الرئيس في فرض مشروع مدني بقوة الدستور يضع الدين في نصابه الصحيح في الإطار الذي يخدم السلم الإجتماعي دون أن يكون سببا للفتنة الطائفية أو تفشي ظاهرة الإرهاب؟
سيرسي

وهل تستجيب المؤسسات الدينية والأزهر لدعوات الرئيس المتكررة بتجديد لغة الخطاب الديني بما يخدم القيم الإنسانية؟ أم ستظل تلك المؤسسات تكشر عن أنيابها لكل من يحاول إختراق صفحات كتبها والنبش فيما احتوته سطورها من دعوات قتل وذبح وحرق وقطع أطراف وسبي نساء ونكاح قصر؟

وهل سيقف لهم الرئيس بالمرصاد عندما يضبطهم متلبسين بملاحقة المبدعين ومقاضاة المفكرين ودعاة التجديد بدلا من أن يشرعوا في تنفيذ مطالبته لهم بنفس الدور الذي يستنكرونه من الغير؟

كلها علامات استفهام لم نجد لها إجابة منذ تولي سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي مهام منصب رئيس الجمهورية في 2014 وحتى يومنا هذا.



الاكثر مشاهده

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

;